أذكر في بدايات دراستي الأكاديمية في الجزائر قبل أزيد من عقدين وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة مررت بها اضطرتني للجمع بين الدراسة و العمل في مجال الصحافة في آن واحد بهدفين الأول ممارسة هواية أحبها و أعشقها و أصقل خبرتي و ثقافتي والثاني توفير مصدر دخل و لو متواضع يسد حاجياتي كطالب مغترب، و خلال هذه الرحلة  بحلوها و بمرها كنت أتابع وسائل الاعلام الجزائرية المختلفة وأهمها جريدة السلام اليومية المستقلة التي يرأس تحريرها آنذاك صحفي جزائري مخضرم اسمه " محمد عباس " والذي كان يتفرد عادة بكتابة افتتاحية الصحيفة والتي تعكس حينها الموقف السياسي في البلاد و تنبض برأي الشارع و تحلل المشهد الوطني بأسلوب رزين و هادئ و مسؤول وكانت محط اهتمام و متابعة صناع القرار الوطني والأجنبي على حد سواء، و في بداية التسعينيات وعشية الاعلان عن فتح باب الانتخابات الرئاسية و تزاحم المرشحين من مختلف الاحزاب و الجهات لقيادة البلاد برز اسم السياسي حسين آيت أحمد زعيم حزب جبهة القوى الاشتراكية المعروف بــ F.F.S كمرشح قوي مصحوب بماكينة اعلامية داعمة، فكتب المحرر عباس افتتاحية أحد اعداد جريدته عنه بعنوان " آيت أحمد ... والطموح الحرام " لفت انتباهي العنوان و قرأت المقال عدة مرات أتفحص مفرداته و مضامينه و مغازيه فوجدت نفسي أمام كاتب غير عادي و تحليل غير نمطي، ولب المقال يتمحور حول حرمة طموح المرشح آيت أحمد ليس مصادرة لحقه كمواطن في التنافس على رئاسة بلاده سيما أنه أحد قادة الثورة الجزائرية التاريخيين و زعيم مناضل لحزب سياسي بارز و لكن لأن النسيج السياسي و الاجتماعي الجزائري لا يمكن أن يتقبل شخصية كآيت احمد للتربع على عرشه لاسباب جوهرية عدة لعل أهمها برنامجه الاشتراكي المتطرف في بلد مسلم عميق التدين و كان يشهد حينها موجة كاسحة من المد الاسلامي سيما لتيار الجبهة الاسلامية للانقاذ و الاحزاب الاسلامية الأخرى كحمس و النهضة ... و غيرها ، إلى جانب خلفيته البربرية (الأمازيغية ) المتطرفة  فالجزائر في نسيجها العرقي تتكون من عرب و أمازيغ و طوارق ... و غيرهم بيد ان أغلبيتها السكانية من العرب و بالتالي خلفيته و مجاهرته بقوميته البربرية و الأقرب لحالة العدائية مع شركاء الوطن العرب يجعل فوزه في أية انتخابات رئاسية ضرباً من المستحيل و الخيال و هي نتيجة معروفة مسبقاً و بالتالي فهذا الطموح حرام و غير مشروع ليست لآيت احمد بشخصه بل لأخرين يشتركون معه في الهدف و المسار .

بدأت بهذه الديباجة لمقالي هنا بعد ان أعادني عنوانه هذا لماضي قريب عايشته و لوجه الشبه بين المشهد الجزائري آنذاك و المشهد الوطني لبلادي حاليا وكأني بلسان حال يردد " ما أشبه اليوم بالبارحة "، الجزائر في حينها تئن تحت الانقسام المرير و الصراع الدامي و التنازع على الشرعية بين الحكومة المدعومة بالجيش و بين الجبهة الاسلامية للانقاذ الفائزة في الانتخابات المحلية و التشريعية وأنصارها، والبلاد حينها بحاجة إلى من يطبب جروحها و يمسك برشد مقود سفينتها لبر الامان و نشر الوفاق والسلم الأهلي فيها و تجنيبها مآلات حرب أهلية مدمرة تطيح بمقدرات البلاد المادية و البشرية و تحتاج إلى من يجمع ولا يفرق و من يوحد لا يشتت ومن يعطي لا من يأخذ و من يبحث عن الوطن لا الذات، ومشهدنا الوطني اليوم بعد أحداث حزيران 2007 م الأليمة و الدامية و ما خلفته من انقسام سياسي و جغرافي و اداري و حكومتين لجزء من الشعب و تحت الاحتلال و تعطل مشروع التحرر الوطني و حالة تيه يعاني منها شعبنا سيما في الشتات و حصار قاس و ظالم و غياب قيادة فلسطينية جامعة وفق برنامج سياسي ووطني توافقي و غياب الدور القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية كخيمة النظام السياسي الفلسطيني الأم و بهت مرجعيتها ...إلخ من معالم بؤس واقعنا و تندر الاعلام علينا و احباط شعبنا و أسف أمتنا، حتى توقيع اتفاق " الشاطىء" الأخير الذي بعث في رماد الاحباط روحا جديدة وأملاً لانجاز المصالحة والوحدة والشراكة الوطنية المأمولة، الا أن الطموح الحرام لشخوص و النرجسية المرضية للبعض ممن يطلقون على أنفسهم " شخصيات وطنية " تأبى إلا أن تزيد المشهد سواداً و الجرح نكأ و الموقف ألماً و حزنا و النفس نفورا و تقززاً ممن يرون في المشهد و انقسامه و جروحه نافذة لتحقيق أهادفهم وجسراً لطموحاتهم الحرام و غير المشروعة .

ان توصيف هؤلاء القوم من أبناء جلدتنا - ولا أخالهم كذلك - لا يحتاج لطائل ذكاء أو فراسة أو بصيرة لتشخيص حالتهم المرضية و تعرية نفوسهم الشريرة ، فشعبنا قد بلغ سن الفطام و هو يميز الغث من السمين و يستطيع بفطرته الحكم على هذه المشاهد العابرة في مسيرته، فهؤلاء المنافقون من ادعياء الكاريزمات الجوفاء و الألقاب الفارغة ينحدرون من خلفيات و مشارب مختلفة ، فبعضهم جاء من خلفية التجارة و الاعمال و القطاع الخاص و بعضهم جاء من خلفية احدى المهن الحرة التي تدرعليه اموالاً طائلة و البعض منهم من مسؤولي العمل الأهلي و غيرهم من رحم الفصائل و الأحزاب و فريق من الاعلام أو حتى من الحكومتين في غزة و رام الله .... وغيرهم الكثير، هؤلاء يجمع بينهم هدف واحد الطموح الحرام ، و المنهج الميكافيلي " الغاية تبرر الوسيلة " و الوسيلة أحياناً المال الذي يستقوي به البعض سواء كان داخلياً أو خارجياً و أحياناً مشبوه و يوظف وفق أجندات و برامج معينة في ظاهرها خدمة المجتمع و في باطنها تحمل مشروعاً شخصياً ضيقاً و أنانياً مع التمويل باسم الوطن المنكوب بهم و البعض يستند إلى الشللية و الاستزلام واستعباد الناس كأدوات رخيصة في وطن يئن ومثخن بالجراح .

يمتطي هؤلاء – بمكر و خبث – صهوة بعض السذج من البسطاء و الطيبين ليشكلوا بهم حالة أو أتباع أو حاشية ليكونوا جسراً و مطية لحواريين حولهم أو يتقمصون دوراً تمثيلياً و هم لا يشكلون في ميزان التمثيل الا أصفارا كبيرة ، يتدافع هؤلاء و يتزاحمون في كل شيء باسم الوطن رجال لكل المراحل و تحالفاتهم متجددة لا يحكمها الا محدد واحد أنانيتهم المميتة و يعتبرون ذلك فهلوة و فهم للعبة ، و كلما ظهر مشهد وطني إلا و يتسابقون لتصدره و كأن ذلك ضرب من البطولة و الوجاهة الكاذبة و هم يتنابزون بالالقاب انا فلان وابن فلان و ابن عائلة فلان و انا من سكان مدينة أو قرية او مخيم .... كذا أو داخل و خارج نعرات تثير الاشمئزاز و نسوا لا تقل أصلي و فصلي انما اصل الفتى ما قد فعل .

يبحثون عن الالقاب و المسميات حتى أن البعض منهم يحمل ألقابا لا تدعمها مؤهلات أكاديمية أو مهنية حبا في التباهي و التفاخر ، و صدق الله القائل : "في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" .

يتصنع هؤلاء التواضع و هم في ثنايا أنفسهم يعيشون الغرور و الكبر و التكبر الفارغ  و نسوا قول الله تعالى في الحديث القدس ي " الكبر ردائي من نازعني فيه قصمت ظهره " .

يدعي هؤلاء الريادة و البطولة و هم اول من يهرب من ساحة المواجهة و دفع فواتيرها و أثمانها .

مفهوم المسؤولية والسلطة لدى هؤلاء الأغبياء اما الوزارة أو التمثيل النيابي أو رئاسة هيئات الحكم المحلي و الكبيرة طبعا ، يعشقون الكاميرات و وسائل الاعلام و البعض يرشي بلا حدود ليضعوا صورهم وأخبارهم الكريهة والمنبوذة شعبيا في صدارة الاعلام ليدغدغ نفوسهم الامارة بالسوء و يتجاهلون أن الفيس بوك و تويتر و غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي و الاعلام بأنواعه و صدارة المنصات الخطابية و الاجتماعات و اللقاءات لا تصنع نجومية و لا تشيد مجداً ، سمعت أحدهم يقول : علي الطلاق اذا ما أعطوني وزارة لابيع كل شيء وأغادر الى كندا و جوازي الاجنبي في جيبي...." ، هؤلاء العابرون كوميض خافت يسطع قليلا ثم يختفي الى غير رجعة .

برز الشاب محمد عساف بحنجرته كظاهرة فنية و بصرف النظر عن الجدل حول ذلك الا انهم يتسابقون في الاحتفاء به و توظيف شعبيته لدى بعض الفئات و كأن ذلك يزيد حجمهم في المشهد الوطني و يرفع من قدرهم .

    ينظرون للوطن وللقضية كمشروع استثماري ما أن انعدمت منه الفائدة و المردود حتى نكصوا على اعقابهم ، يقتنصون جروح الوطن لتحقيق مآربهم تماما كالجبناء الذين يختبئون وقت الخطوب و اذا وضعت الملاحم اوزارها و استشهد أبطالها يخرجون كالجرذان من جحورهم ليعلنوا الانتصار .

البعض من هؤلاء لم يتوقف عن العبث في الساحة الوطنية بل امتد فساده وافساده للخارج فسعى لنسج العلاقات المشبوهة و توظيف المال الخارجي و بطرق ملتوية و مشبوهة لتحقيق طموحاتهم الحرام وصدق الله القائل " و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا انما نحن مصلحون ألا انهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون " .

هذه عينة قبيحة من هؤلاء الذين يريدون تسيد وطن تحت الاحتلال و ينتظر فرسان التحرير، و يتطلعون بشغف لاعادة تشكيل سريع لنظام سياسي لوطن و بحجم فلسطين قضية الأمة المركزية و قدسيتها و طهارتها ليلبي طموحهم الحرام و اللعين، حتى ان أحدهم حدثني على هامش احد لقاءات المصالحة بقوله " أنا لا اطالب بعضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة بكفي عضو مجلس وطني... " وكأن الشرعية التمثيلية لبرلماننا الأم مقامرة، فيما نظير له يروج لذاته اعتباطا " شخصية هامة في أعلى قيادة فلسطينية" في صفقة سفاح بعيدا عن الانتخاب وارادة الشعب المنكوب بهم  .

هذه الطفيليات تزداد و تتكاثر يوماً بعد يوم و بين الفينة و الأخرى نتحف بوجوه جديدة و أناس تتعب من السباق و تنكمش و اخرى تنسحب من المشهد بعد اصابتها بالصدمة و استفاقتها من حلم الخيال إلى حقيقة الواقع تجر أذيال الخيبة و الخسران المبين ففقاعات الصابون يا سادة تبدأ كبيرة و كبيرة ثم سرعان ما تتلاشى و تتلاشى كقصور من ورق يظنه العابرون بالبناء الراسخ .

فشخصياً لا أملك اذا ما لقيتهم سوى الضحك والتهكم والاشفاق عليهم، بل وجدت البعض من الأخوة يحضر اللقاءات العامة فقط للتندر عليهم و نفخهم و السخرية منهم وهم يظنون أنهم يحسنون عملا، حتى أن أحد هؤلاء الأخوة بلغني بقهقهة غريبة أنه تندر ذات مرة على واحد منهم و سأله عن حل مشكلة المستوزرين الكثر أمثاله فأجابه تحويل السلطة بمحفظاتها الـ 16 الى اتحاد فيدرالي كل محافظة لها حكومة محلية و وزارات لاشباع رغبة هؤلاء المستوزرين المنافقين اللئام، و بعد توقيع اتفاق الشاطىء الأخير لوضع حد للانقسام القائم حاليا زاد نهم هؤلاء للوزارة وكأن على رؤوسهم الطير في تسويق رخيص لأنفسهم و كأن الوزارة مغنم و ليس تكليف تنوء بحمله الجبال .

أفكر جدياً في افتتاح عيادة أسرية لحل المشاكل الأسرية والمجتمعية ، مازحني صديقي الذي قرأ مسودة مقالي قائلاً لعل هؤلاء يكونون من رواد عيادتك ابتسمت و قلت لم لا ... و مجاناً .

الطموح يا سيادة مشروع وصفة نبيلة لسائر بني البشر بل هو واجب و بدونه الانسان جثة هامدة ، ولكن الطموح الذي يتناسب مع مؤهلات و قدرات صاحبه و قبلها صدق  صاحبه و اخلاصه لدينه و وطنه و شعبه و أمته و تفانيه في عمله ، الطموح الذي ينظر للمسؤولية كتكليف لا تشريف ، و عطاء لا أخذ و مغرم لا مغنم .

المواقع لا تصنع الناس بل الرواد هم من يصنعونها ، رئيس الدبلوماسية الأمريكية الأسيق هنري كستجر عندما تقلد مسؤولية الدبلوماسية الأمريكية  لأعظم دولة في العالم قال للصحفيين المهنئين له "جئت لأعطي هذا الموقع قيمته" و انتم تريدون المواقع وتتمنوها لكي ترفع من شأنكم الوضيع، أيضا ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الاسبق سخر من مسؤول بروتوكوله عندما لفت انتباهه ليجلس على المنصة في لقاء مع ضيف أجنبي كبير قائلاً له: حيثما اجلس فثمة مركز القيادة، أما أنتم فالمنصات التي تتدافعون عليها ما هي إلا مناسبة لفضحكم و اسدال الستار عن وجوهكم الكالحة الحربائية و عن غبائكم فالمكياج لا يجمل وجوهاً قبيجة و صدق الشاعر :

ملأى السنابل تنحني بتواضع                 و الفارغات رؤوسهن شواهقِ

كلماتي لكم ايها المخدوعون المخادعون صدقوني انكم مرضى بحاجة إلى عرض على طبيب نفسي للعلاج ، كل الشعوب ابتليت بأمثالكم لكنهم فيها كانوا عابرين إلا أنتم وأسفاه تتصدرون جزء ليس باليسير من المشهد الوطني أنتم يا أصدقاء المصلحة صدقوني أنكم مثل لعبة البلياردو تتفرقون بضربة واحدة ، ماذا ينفعكم أن تروا الناس ترفع لكم القبعة احتراما أجوفا لمصلحة أو نفاقا و عندما ينظر أحدكم لوجهه في المرآة يبصق على ذاته كما يقول الفيلسوف سقراط .

الوطن يا سادة في مرحلة التحرير يريد من يعطى لا من يأخذ ، يريد من يشرفه لا من يدنسه ، يريد من يضحي لا من يغتنم ، فقامة الوطن أكبر من قاماتكم الصغيرة ، ولن يسمح شعبنا لمن لوثوا ماضيه أن يكرروا ذلك مع حاضره.

شعبنا ليس ساذجاً و ذاكرته الجمعية و حدسه الوطني ليس مغيبا يراقب و يسأل و يتابع ليقول كلمة الفصل بعد أن بلغ سن الفطام ، فكما يقول الشاعر :

غداً يعلم الحقيقة قومي        ليس شيىء على الشعوب بسر

أنا واثق أن الوطن الذي علق به العديد من الأدران قادر بين الفينة و الأخرى أن يهز نفسه وينفض ذاته من هذه الأدران كالبحر تماما يقذف كل جيفة فيه عارية إلى الشاطئ ،وطن قادر أن يغسل هذه الغبار و فقاعات الصابون ليعود له وجهه النقي الجميل ليدرك هؤلاء أن ما كان يعيشوه في نفوسهم المريضة ما هو إلا حلم قصير ووهم عابر و أن الوطن لرجالاته الحقيقيين و أبنائه المخلصين ، و أن هذه الأرض ستلفظ هذا الخبث و لن تحتضن إلا أبنائها المخلصين الاوفياء الابناء الذين يعطون و لا يأخذون و يضحون و لا ينتظرون مقابل .

ربنا سبحانه و تعالى أنعم علينا بنعم كثيرة كبشر و بني الانس اهمها الدين و العقل و المال و الابناء ...إلخ ، بيد أن من تفتقده اليوم نعمة التصالح مع الذات مصداقا لقوله عليه السلام " رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه فاعطاها حقها " دون زيادة أو نقصان خلافاً لهؤلاء الادعياء الذين يزعمون الذكاء وهم موطن الغباء و يدعون الفراسة و هم أهل الحماقة و يتصنعون التواضع و في اعماقهم جبال من الكبر و ينادون بالمصلحة العامة و لا يعنيهم الا مصلحتهم الخاصة يهتفون لكل مسؤول و ينادون لكل حاكم يتلونون لكل عهد و مرحلة وهم خدم كل المراحل ، يتاجرون بشرف الوطن و ربما بشرفهم من اجل ابراز وجوههم الكالحة حتى إن بعضهم دعا في مجلس حضرته في الخارج لتحويل نظامنا السياسي الى ملكي لرد الجميل لعائلته التي طالما كانت تاريخيا برجوازية و متواطئة جعلت من القضية صهوة لتكسب و مجد رخيص فأجابه أحد الحضور: "علينا حينها حمل السلاح" ، و كأني بالتاريخ يعيد نفسه و توبيخ عائشة الحرة لولدها ابي عبدالله الصغير أخر ملوك المسلمين في فردوس الأندلس المفقود وهو يندب مآله باكيا بعد سقوطها من بين يديه في قبضة الفرنجة بقولها له " " تبكي ملكاً كالنساء لم تدافع عنه دفاع الرجال ".

يأيها الوطن الجميل ألفظ اشباه الرجال من تجار السياسة والأوطان المتسلقين والمتزلفين والانتهازيين والادعياء ، اصرخ فيهم يا درويشنا الراحل : أخرجوا أيها المارقون من أرضنا من ملحنا من كل شيء اخرجوا و انصرفوا ...

المشهد الوطني  - و نحن على أبواب النكبة السادسة و الستين-  بحاجة إلى رجال رجال والى فرسان جدد و من نوع خاص يؤثرون الوطن و قيمه على أي شيء آخر ، يؤثرون العام على الخاص يقدمون كل شيء من متاع الدنيا و لا ينتظرون المقابل أو كما يقول مقطع من أنشودة وطنية " لا يهم المقاتل حين يضحي أن يرى لحظة الانتصار "

الوطن يا سادة بحاجة اليوم الى مراجعات شاملة لمسيرته ومسيرة الشعب و القضية ،مصيبتنا الكبرى ذاتية ، وصدقوني العامل الخارجي بسيط مقارنة مع أزمتنا الداخلية وأمراضنا النفسية و نرجسية مسؤولينا فألف عدو في الخارج أهون من عدو واحد من الداخل، وصدق الشاعر :

متى يبلغ البنيان يوما طوله                         اذا كنت تبني و غيرك يهدم

سلاماً لأرواح الشهداء ... سلاماً لأنات الأسرى ... سلاما لآهات الجرحى و المعتقلين ... سلاماً لعذابات اللاجئين و المهجرين .. سلاما للمحاصرين المرابطين فوق ثرى أرضهم و في المنافي القريبة منها و البعيدة، الذين لو علموا ان تضحياتهم و مسيرة جهادهم و نضالهم ستتوج لهؤلاء و أمثالهم من الجبناء الانتهازيين ما أطلق الواحد منهم رصاصة تجاه عدوهم ، و لا ضحى بدقيقة من عمره أو درهماً من ماله.

    وصدق الامام مالك  صاحب كتاب الموطأ " ما كان لله دام و اتصل و ما كان لغيره انقطع و انفصل " .

و أختم بقوله تعالى " فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض "

 د. جميل جمعة سلامة

أمين سر هيئة الوفاق الفلسطيني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد