سجَّل تسجيل أريحا على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي المادي انتصاراً فلسطينياً جديداً، وذلك في استعادتنا لزمام المبادرة في معركة الرواية من أجل فضح زيف ادعاءات الصهيونية وأكاذيبها التي عممتها طوال قرنين من الزمن من أجل إقناع العالم بمساعدتها في مهمتها الخبيثة بسرقة فلسطين.
وهذا ما حدث. العالم اليوم وعبر جهود فلسطينية مكثفة يقول إن أول مدينة عرفتها البشرية وخلدتها الكتب المقدسة ورحلات الجغرافيين واكتشافات الآثاريين هي مدينة فلسطينية خالصة، وإن من بناها وسكنها وأوجد تلك الحضارة الرائعة التي ازدهرت فيها هم أجداد الشعب العربي الفلسطيني الذين نجحوا في بناء حضارة عريقة ساهمت في تطور البشرية ووصولها إلى لحظتنا الراهنة. ببساطة العالم مرة أخرى يفيق من النوم لكنه آفاق بفعل الضغط الفلسطيني ووسائل الهجوم الفلسطيني المختلفة في سعي شعبنا لإعادة الاعتبار للحق وللتاريخ، بعد ما تعرض له من مذابح ومجازر بموافقة العالم الغربي ودعمه اللامحدود للعصابات الصهيونية، ومن ثم لدولة الاحتلال والاستلاب التي قامت في بلادنا على جثثنا وبقايا بيوتنا ونثار أحلامنا. العالم الظالم الذي كان سبباً رئيسياً في نكبتنا وساهم في وقوعها وأعطى الشرعية للكثير من المذابح التي وقعت بحقنا، العالم يفيق للحظة من النوم ليقول حقيقة من ملايين الحقائق التي أغمض عينيه عنها، حين وافق على تسليح العصابات وإنشاء دولة الاحتلال في بلادنا وأعطاها عضوية المنظمة الدولية التي لم تنفذ تلك الدولة قراراً واحداً من قراراتها.
هذا التسجيل يعني جملة أشياء كثيرة، لكنه في الأساس يشكل رد اعتبار لروايتنا من قبل المجتمع الدولي. بالطبع لم يساور الفلسطينيون أي شك في أي لحظة من الزمن حول حقهم في البلاد وحول حضورهم الذي لم ينقطع فيها وحول زيف ما تقول ماكينة الإعلام الصهيونية، كما لم يغادرهم اليقين حول حتمية انهيار كل آثار النكبة وعودتهم لفلسطين واستعادتهم لبلادهم وبنائهم لدولتهم، لكن أيضاً حجم المؤامرة كان قوياً وهول الكارثة كان مهولاً والمصاب كان جللاً، إذ إن العالم كله وقف ليصفق لجرائم العصابات دون أدنى اعتبار لآلام شعبنا كما لآماله المبعثرة. كما انه يعني ضمن أشياء كثيرة أن علينا ان نواصل الضغط من أجل تعميم روايتنا ونشرها ووضع الخطط من أجل فضح زيف ادعاءات الاحتلال وماكينته، وشن معارك في كل مكان في المجتمع الدولي ومؤسساته، وفي الدول والأكاديميات الغربية، من أجل القول بأن ما بثته الصهيونية طوال قرون منذ انطلاق مشروع الاستشراق الذي كان في قلبه تقديم فلسطين لقمة سائغة في معامل التحليل والإنتاج الأدبي والفني من أجل تعزيز توجهات بناء وطن قومي لليهود فيها، كل ذلك كان افتراءً على التاريخ وتجنياً على الحقيقة وهتكاً للجغرافيا وتزويراً لا يمكن غفرانه. كل ذلك من أجل أن نقول آن الأوان لأن يفيق العالم.
باتت احتجاجات دولة الاحتلال أمراً مستغرباً، ليس بالنسبة لنا بل بالنسبة للعالم، فالشمس لم يعد من الممكن تغطيتها بغربال، إذ إن الوجود المزعوم في التاريخ لم يتم إثباته بأي دليل مادي ولو بحجر صغير باستثناء الأكاذيب وتزوير اللقى التي يتم العثور عليها بعيداً عن أعين العالم ويتم تزييفها. لكن جميع البعثات العالمية والاستكشافات الدولية قالت بشكل قاطع أن لا أثر لكل الحكايات التوراتية وخيالات وهرطقات الصهيونية عن فلسطين. حين نقول إن الرومان كانوا في فلسطين فإن ثمة الكثير من الآثار الرومانية التي تدلل على ذلك. وحين نقول جاء الفراعنة ضمن غزواتهم وحملاتهم للبلاد فإن ثمة مواقع تم العثور فيها على شواهد وقرائن فرعونية، فالأمر ليس ما يوجد في المسلات الفرعونية ولا صورة التاجر الفينيقي فيها. وحين نقول إن الإسكندر المقدوني مر من البلاد فإن ثمة أكثر من شاهد على ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة لكل ما مر على هذه البلاد من غزو واحتلال وحكم. هذه أمور لا يمكن نكرانها. أما حين تستند الصهيونية فقط إلى حكايات وخرافات تم تأليفها في مراحل تاريخية لاحقة، فإن حجراً واحداً في فلسطين لا يشير لذلك. لا يمكن أن يصبح قبر يوسف رجل الدين المسلم في نابلس قبر النبي يوسف. كما لا يمكن أن يكون المسجد الأقصى المبارك قد بُني فوق هيكل مزعوم. ليس ذنب الفلسطينيين أن ثمة ضحايا للتاريخ الأوروبي كان يجب إرسالهم إلى فلسطين من أجل إيجاد وطن قومي لهم لإسناد المشروع الاستعماري الغربي في البحث عن خيرات الشرق في الهند وفي أوروبا. هذا لم يكن ذنبنا، لذا ليس علينا أن نسلم بكل الحكايات والخرافات التي تم نسجها من أجل أن تصبح فلسطين مكاناً مناسباً لإقامة هذا الوطن.
العالم اليوم يقول إن خرافات الصهاينة غير موجودة، فأريحا أقدم مدينة في العالم حاولت تلك الخرافات تلفيق تاريخ لها أكثر من مرة بمواضع مختلفة وعبر قصص متباينة، من مؤلفين لصوص أرادوا ان يسرقوا حكايات وجودنا العربي الكنعاني في البلاد.
هذا ليس نهاية المطاف، هناك الكثير من الجهد الذي يجب بذله من أجل مواصلة تعرية ماكينة الكذب الصهيونية، ومن أجل أن يقول العالم في لحظة قادمة لا محالة للغرباء، إن هذه البلاد ليست بلادكم وإن البلاد تشبه أهلها فقط وأهلها هم الفلسطينيون. جهد في مجالات متعددة. جهد لا يمكن إلا أن تتصاعد وتيرته مع الوقت من أجل تحقيق الهدف من ورائه. لابد هنا من توجيه الشكر لطواقم وزارة السياحة والآثار على ما بذلوه من أجل أن نصل لهذه اللحظة بالتعاون مع كافة الشركاء في المؤسسات الحكومية والأهلية. معركة الرواية طويلة لكنها جوهر الصراع.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية