مع تحقيق معسكر اليمين واليمين المتطرف الإسرائيلي، لأغلبية أربعة وستين مقعداً من أصل مئة وعشرين، في الكنيست الخامس والعشرين، يكون ذلك المعسكر قد حقق بقيادة بنيامين نتنياهو ، أفضل نتيجة حققها خلال الجولات الانتخابية الأربع السابقة، التي جرت خلال أقل من أربع سنوات، وعكست عدم استقرار نظام الحكم الإسرائيلي، حيث كانت كل تلك الجولات تنتهي بتعادل المعسكرين، المؤيد لرئيس الوزراء الذي حقق أطول فترة لرئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، والمناوئ له، والذي تجاوز التصنيف التقليدي بين اليمين واليسار.
ورغم أن هذه الجولة الانتخابية بهذه النتيجة تعني بأنه بات بإمكان نتنياهو تشكيل حكومة تستند للأحزاب الأربعة التي تشكل معسكره الذي خاض به الانتخابات، بسهولة ويسر، دون الحاجة إلى ألاعيبه البهلوانية السابقة، ورغم أن النتيجة أظهرت تلاشي اليسار الإسرائيلي تماماً، على اعتبار فشل ميرتس في تجاوز نسبة الحسم، وفي تحقيق حزب العمل لأسوأ نتيجة عبر تاريخه، وهي الحصول على أربعة مقاعد فقط، إلا أنه يمكن القول بأن نتنياهو قد يدفع ضريبة الفوز بشكل أسرع مما هو متوقع، بعد أن دفعت إسرائيل ضريبة فوزه من رصيدها كدولة ليبرالية، بالكاد يقبلها الغرب، فيما يرفضها معظم الشرق.  
وكما أسلفنا في مقالنا السابق، فإن أول مشكلة ستواجه نتنياهو هي توزيع الحقائب الوزارية، بين حزبه أولاً وبين حزب الصهيونية الدينية، وثانياً بين أركان حزبه، حيث العديد من قادة الليكود المخضرمين من كبار الحزب والطامحين من شبانه، يتحفزون لنيل، كلٌ نصيبه الذي يظن أنه يستحقه، فيما نتنياهو نفسه، سيعمل على أن هذه الولاية التي على الأغلب ستمتد إلى مدتها القانونية، أي لأربع سنوات قادمة، ستكون الأخيرة، فقد شبع هو من الحكم، وملّ الناس داخل إسرائيل وخارجها من رؤيته رئيساً للحكومة، بطول بقائه فيها، نقل إسرائيل خلال فترة حكمه، أكثر مما فعلت اتفاقيات التطبيع مع بعض العرب، إلى حقل دول الشرق المستبد، حيث يتركز النظام السياسي على شخص الحاكم، فيما ستعني شراكة حزب الصهيونية الدينية شيئاً آخر غير شراكة إسرائيل بيتنا وحتى  البيت اليهودي، وبالطبع هي غير شراكة الحريديم الممثلين بحزبي شاس ويهدوت هتوراه.  
ومع أربعة عشر مقعداً، والمركز الثالث بين الأحزاب التسعة التي دخلت الكنيست الخامس والعشرين، سيمسك كل من ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش برقبة الليكود ونتنياهو، وقد لا تكفي خبرة نتنياهو ومواهبه في لجم بن غفير بالذات، الذي لن يختلف وهو وزير عنه عما كانه وهو عضو كنيست فقط، أي أنه سيواصل انخراطه شخصياً في اقتحام الأقصى، كما أنه لن يقبل الحل الوسط الذي يفكر فيه نتنياهو وهو أن يمنحه وزارة قليلة الأهمية، وهو أي بن غفير بدأ معركته مع نتنياهو مبكراً حين طالب بوزارة الأمن الداخلي، وحين بدأ يستعرض مشاريع القوانين العنصرية التي سيبدأ في طرحها على الكنيست، وهنا لن يجد نتنياهو الوقت الكافي ليتجاوز فترة انشغال الرئيس الأميركي بالانتخابات النصفية التي ستجري اليوم.  
أما لجوء نتنياهو إلى الخروج من هذه المشكلة للخارج، ب فتح جبهة إيران، بعد أن نجحت إسرائيل عملياً بوقف عودة واشنطن للاتفاق، وشن حرب صريحة على إيران وحلفائها وحدها، لن يكون ممكناً أمنياً بدرجة أولى، لذا فإنه لا يمكن التقليل مما ستواجهه حكومة نتنياهو القادمة، من تحديات، لذا سيواصل الحرب على الضفة الغربية، بالدرجة التي هي عليها منذ مطلع هذا العام، على أقل تقدير، لكن ذلك له مخاطره ميدانياً وإقليمياً، أقله عدم قدرة إسرائيل على توسيع مربع التطبيع الذي حققته قبل عامين، كذلك تأكيد عجزها عن شن حرب خارجية أخرى.  
نقول بأن حزب الصهيونية الذي ستعني شراكته الرئيسية اتخاذ السياسة الرسمية منحى يمينياً متطرفاً، فهذا الحزب هو غير أحزاب الحريديم، كما أشرنا، التي هي أقرب إلى الأحزاب السلفية عندنا، فيما حزب بن غفير هو غير البيت اليهودي، حزب المستوطنين، فبن غفير حقق شعبيته وشهرته من خلال اقتحامات المسجد الأقصى، وليس من خلال الكفاح مع المستوطنين على التمدد في الأرض الفلسطينية، بما يعني الدفع بإسرائيل نحو الحرب الدينية، مع الجانب الفلسطيني، وليس فقط الحرب على الأرض فقط، بمنع إقامة الدولة الفلسطينية كما كان يكافح البيت اليهودي، وكما أشرنا فإن الحزب الشريك القوي لليكود يجمع بين التطرف والطائفية، وهو حزب يميني وديني، حتى في اسمه الذي يعبر عنه تماماً.  
أي أن الصراع داخل إسرائيل، بعد أن كان طوال عقود بين اليمين واليسار، سيكون داخل معسكر اليمين، بين اليمين التقليدي الليبرالي وبين اليمين الديني المتطرف، وهناك ما يدعونا للاعتقاد بأن بن غفير لن يكتفي بما حققه حتى الآن، فكما حدث مع بينيت، الذي بعد أن شغل مقعد وزير الدفاع مع نتنياهو، وطمح بعد ذلك لمقعد رئيس الحكومة وحققه، بتجاوزه نتنياهو، سيفكر بن غفير، متسلحاً بمنطق التطرف الذي وصل به للمقعد الوزاري، أي من خلال مواصلة التطرف على أساس قومي وطائفي، سيواصل طموحه إلى مقعد رئيس الحكومة، من خلال القتال على جبهتين: الجبهة الفلسطينية، التي يفضل الدخول لها من بوابة الحرب الدينية، أي من بوابة الأقصى، والجبهة الداخلية من بوابة يهودية الدولة، بفرض القوانين العنصرية، التي تتحول بإسرائيل رسمياً ودون أي مواربة إلى دولة دينية طائفية عنصرية متشددة.
وهذا ما حذر منه  أيهود اولمرت رئيس حكومة الليكود اليميني السابق، حيث أشار إلى أن نتيجة الانتخابات كارثية على إسرائيل، فهي تنتقل بها إلى الفاشية، التي لن تكتفي بالعداء والعنف ضد الفلسطينيين، بل ستطال كل مواطني الدولة من يساريين وعلمانيين وليبراليين، وبالطبع ممن هم غير اليهود من العرب وغيرهم. وهذا ما يعني بأن فوز اليمين بتحالفه مع اليمين القومي/الطائفي المتطرف، إنما  يعني في حقيقة الأمر أن تدفع إسرائيل ضريبة فوز نتنياهو، والذهاب إلى حكومة مستقرة، من رصيدها، بل من مستقبلها في عالم لا يمكنه أن يحتمل دولاً تستند إلى النظام العنصري الطائفي المتطرف، وهذا ما يفسر معارضة الصهيوني العاشق لإسرائيل، صاحب مقولة بأنه حتى تكون صهيونياً ليس شرطاً أن تكون يهودياً، نقصد جو بايدن، لمنح بن غفير مقعداً وزارياً، لكن لأن نتنياهو لن ينجح في الإطاحة ببن غفير خارج الحكومة، فإن صراعا داخل اليمين، خاصة على وراثة نتنياهو، وإن كان بعد أربع سنوات، سيبدأ فور تشكيل الحكومة، وربما مع مشاورات الرجل لتشكيلها، بين قوى عديدة، لا يمكن إلا لخروج إسرائيل خارج حدودها بافتعال حرب خارجية، أن يوقفها، أو أن يقلل من حدتها، على أقل تقدير.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد