بعد تكليف يائير لابيد عقده اتفاقيات الائتلاف لتشكيل حكومة التغيير، كان مجموع نواب الأحزاب الثمانية التي دخلت في إطار ذلك الائتلاف يزيد على النصف باثنين، أي 62 عضو كنيست من أصل 120، لكن من منحوا الثقة كانوا 60 فقط، رغم ذلك فقد تجاوزت الحكومة الجديدة حاجز الثقة البرلمانية بصعوبة بالطبع، ذلك أن النائب عن العربية الموحدة سعيد الخرومي امتنع عن التصويت، ولم يصوت ضد الحكومة الجديدة، ما رجح كفة المصوتين معها مقابل المصوتين ضدها، لكن مع عضو العربية الموحدة، فإن عدم توفر أغلبية مريحة للحكومة يجعلها عرضة لضغط المعارضة، خاصة أن المعارضة تنحصر في 52 فقط، فيما نواب المشتركة العرب الستة، هم أقرب للحكومة منهم للمعارضة، أي أن قدرة المعارضة على تحشيد 61 نائبا في المستقبل لحجب الثقة، لن يحدث في وضع طبيعي.
وكما هو معروف ولأن الأحزاب الإسرائيلية كلها أحزاب انتهازية، فإن من يخرج منها من الحكم، يضعف، فيما يحدث العكس لمن يبقى في الحكم، لذا فإنه من المحتمل أن تحدث انتقالات بينية، خاصة بين أحزاب اليمين، فوجود كل من افيغدور ليبرمان ـــ «إسرائيل بيتنا»، وجدعون ساعر ــــ «أمل جديد»، وكلاهما كان يوما ما عضوا في «الليكود»، ونفتالي بينيت الذي كان يعمل في مكتب نتنياهو ـــ في حكومة واحدة، سيكون سببا في تقاربهم أو تباعدهم، وهناك احتمال أن تشكل هذه الأحزاب مركزا لليمين بدلا من «الليكود»، كما فعل يوما ما ارئيل شارون، الذي ترأس الحكومة العام 2002 باسم «الليكود»، لكنه فيما بعد انشق عن «الليكود» وأسس «كاديما» كحزب وسطي، كاد يدفع «الليكود» للتلاشي في العقد الأول من القرن الحالي.
الافتراق الحقيقي الذي حدث بتشكيل حكومة التغيير وترؤس اليميني نفتالي بينت لها، في ولايتها الأولى، رغم كون الحكومة لا تعتبر حكومة يمينية تماما، فهي عبارة عن تحالف أحزاب يمينية مع أحزاب وسط، وأحزاب يسار، نقول الافتراق الحقيقي كان مع الأحزاب الدينية الحريدية، فـ»الليكود» كممثل لليمين، أمضى حكوماته السابقة متحالفا مع الحريديم، فيما اليمين غير الليكودي متحالف مع الوسط كبديل عن الحريديم، الذين بتقديرنا هم ونتنياهو شخصيا كانوا أكبر الخاسرين من فقدانهم مقاعدهم الحكومية.
ولأن افيغدور ليبرمان يعتبر أحد ركائز المعركة مع نتنياهو منذ عامين، فإن الحريديم سيظلون بعدين عن هذه الحكومة، أما ترؤس نتنياهو لليكود فلن يضعف حكومة التغيير، بل على العكس تماما، طالما بقي هو داخل مربع الصراع على رئاسة الحكومة بالذات، سيظل سببا لعدم انفراط عقد أحزاب الائتلاف التي اجتمعت أصلا على الخصومة معه شخصيا، لذلك فإن مسار الحكم القضائي ضده، هو من سيحسم هذا الأمر، فإن أدين وخرج من «الليكود»، فيمكن حينها أن يتنصل بينيت من اتفاقه مع لابيد، ويذهب هو وساعر لتشكيل حكومة يمين من أحزابهم و»الليكود» المتحالف مع ليبرمان أو الحريديم. المهم أن خصوم نتنياهو نجحوا أخيرا في إخراجه من مقعد رئاسة الوزراء، ولذا هو يحاول، الآن، أن يترأس «الليكود» والمعارضة، محاولا إسقاط حكومة التغيير بأسرع وقت ليبقى متمتعا بالحصانة ضد القضاء، لكن مجرد حدوث صدع داخل «الليكود» سيطيح به نهائيا، حتى لو كان بعدد قليل من الأعضاء، فهو في نهاية المطاف خسر المعركة الشرسة الجارية منذ عامين ونصف العام على رئاسة الحكومة، ولا أحد ينسى أنه بعد أن خسر الحكم العام 1999 جلس في بيته عشرة أعوام كاملة، أما هذه المرة فكونه قد تقدم في السن فإن ذلك لن يسمح له بالعودة بعد سنوات، فإما أن يعود سريعا، أو لن يعود.
ورغم أن حكومة التغيير مكونة من ثمانية أحزاب، إلا أنه لا يلاحظ بأن هناك فروقات شديدة بين هذه الأحزاب، فيما يتعلق بالسياسات الخارجية بشكل رئيسي، ثم بالسياسة الداخلية، والأهم أنها لن تجد نفسها في مواجهة واشنطن كثيرا، بل إن مجرد تشكيلها كان حدثا أثار الارتياح لدى البيت الأبيض، لكن أخطر مهمة تواجهها هي الكيفية التي ستقوم من خلالها بترميم الخلل الذي أحدثته سياسات نتنياهو على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي كما تفعل إدارة بايدن ستظهر توازنا وهدوءا أكثر من سابقتها، وستظهر كحكومة تحترم مؤسسات الدولة، خاصة القضاء، وستحاول أن تقلل من حالة الاحتقان الداخلي، كذلك من حالة التوتر الخارجي.
وبالنظر إلى من يشغل الوزارات الرئيسة، الخارجية والدفاع، المالية والداخلية والقضاء، والتي هي بين اليمين والوسط، فيما اليسار ــــ «العمل» و«ميرتس»، يتولون وزارات خدمات يحاولون من خلالها أن يحسنوا من قوة حزبيهما اللذين صارا هامشيين في المجتمع الإسرائيلي، لذا فإن السياستين الداخلية والخارجية لن تتغيرا كثيرا، وإن كانت ستظهر بالشكل على أنها اقل تطرفا.
وفي حقيقة الأمر، سيواصل حزب «هناك مستقبل» وزعيمه لابيد دور مهندس التغيير، وهما قد اظهرا تضحية لولاها لما نجح معسكر التغيير بالإطاحة بنتنياهو، فرغم أن الحزب حصل على 17 مقعدا، ورغم أن «كاحول لافان» حصل على ثمانية مقاعد، إلا أن «هناك مستقبل» حصل على ست وزارات مقابل حصول «كاحول لافان» على خمس، فيما تنازل لابيد عن رئاسة الحكومة في النصف الأول لبينيت الذي يترأس «يمينا» بستة مقعد برلمانية. وبالطبع هناك فارق كبير بين الفترة الأولى والثانية من ولاية الحكومة، ذلك أنه يمكن للحزب الذي يترأس الحكومة في الفترة الأولى أن يتنصل من الاتفاق، أو أن يدفع الأمر باتجاه انتخابات مبكرة، قبل أن تنقضي فترة حكمه، كما فعل نتنياهو في الحكومة السابقة، حيث لم يلتزم باستمرارها، حتى تصل لولاية بيني غانتس ، كما كانا قد اتفقا عند تشكيلها كحكومة طوارئ.
الحدث الدراماتيكي التالي، بعد تشكيل حكومة التغيير، هو ما سيحدث في «الليكود»، لجهة احتمال عقد مؤتمر انتخابي داخلي، ورغم أن عقد المؤتمر سيعزز من قوة نتنياهو باستمرار سيطرته على الحزب الأكبر في إسرائيل، إلا أنه قد يكون سببا في خروج بعض الطامحين من الحزب، كما حدث مع ساعر في انتخابات رئاسة الحزب السابقة، حيث انشق وشكل حزبه بعد أن نافس نتنياهو على رئاسة «الليكود» وخسر، لكن عدم إجراء تلك الانتخابات، سيظهر أعضاء من الليكود (مثال نير بركات) كمتحدين لرئيسه، باعتباره في نهاية المطاف قد فشل في قيادة الحزب للحفاظ على وجوده في الحكم، وكما أشرنا، فإن نتنياهو لا يمكنه الانتظار طويلا، لأن البت في التهم الموجهة ضده، سيعني إقالته من العمل السياسي قضائيا، وإنهاء حياته بلا أي تقدير أو احترام، رغم أنه سطر رقما قياسيا، إن كان في شغل مقعد رئاسة الوزراء بشكل متواصل لمدة 12 سنة، أو بشكل عام لمدة 15 عاما، متجاوزا مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون ومؤسس اليمين مناحيم بيغين.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية