أيامٌ قليلةٌ تفصلنا عن الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وعيون العالم تترقّب نتائج هذه الانتخابات؛ لعلها تُحدث تغييراً في المشهد السياسي الإسرائيلي، وخاصةً ما تعلّق بالمسيرة السياسية.
تبدو هذه الانتخابات مختلفةً ولو قليلاً عن سابقاتها لجهة الانحراف الإسرائيلي نحو يمين الوسط الذي يمثله التيار الصهيوني المشكل من تحالف ليفني - هيرتسوغ، وعلى الرغم من ذلك، يلاحظ أنه لا توجد فجوة كبيرة في الموضوع السياسي - وخاصةً ما تعلق بالقضية الفلسطينية - بين البرنامجين الانتخابيين للكتلتين المتنافستين (اليمين المتعصب بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو ، والتيار الصهيوني بقيادة هيرتسوغ)، ومن يقرأ بتعمق المواقف الأساسية للفريقين يجد أنه لا يوجد اختلاف كبير بينهما فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي: الاستيطان و القدس والحدود واللاجئين.
فقد أكد هيرتسوغ في تصريحاته الانتخابية أن القدس هي العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وأنها لن تقسم... إذن ما هو الفرق بينه وبين نتنياهو؟ أليس هذا هو موقف الليكود أيضاً؟... وإن ألحق تصريحاته ببعض العمليات التجميلية في مواضيع خدمية تخص المقدسيين كسكان لا كأصحاب أرض.
أما إذا عدنا إلى الاستيطان، فإن مواقفهما ليست متباينةً بالشكل الذي يتوق إليه البعض.. فقد زرا هيرتسوغ قبل يومين قبر جده في مستوطنة "عتصيون"، وكأنه من خلال هذه الزيارة يريد توجيه رسالة واضحة مفادها أن الاستيطان قضية صهيونية، ولا مجال لوقف البناء في "أرض إسرائيل".
الخلاف التجميلي مع الليكود يتمثل في أن التيار الصهيوني يريد تكثيف البناء في الكتل الاستيطانية التي تقسم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة عن بعضها البعض، والابتعاد قليلاً عما يسمونه المستوطنات المعزولة... لكن الملاحظ، أيضاً، أنه خلال حكم نتنياهو فإن جل التركيز الاستيطاني كان في منطقتين أساسيتين: المنطقة الأولى هي ما يطلق عليها القدس الكبرى، وبشكل خاص أراضي القدس الشرقية التي احتلت في العام 1967. والمنطقة الثانية هي التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية.. إذن لا خلاف جوهرياً بينهما في هذه القضية، بل ومن المفيد أن نعلم أن الإحصائيات الإسرائيلية تشير إلى أن حجم الاستيطان الذي أقيم في عهد حكومات اليسار (حزب العمل) وفي عهد حكومات الوحدة الوطنية في إسرائيل أضعاف ما بناه الليكود خلال فترات حكمه.
وفي ما يتعلق بقضية اللاجئين، فالموقف بينهما متطابق بشك كامل عبر الرفض التام لإمكانية عودة اللاجئين، مع نفي مسؤولية الاحتلال عن هذه القضية.
وبالنسبة للحدود، فالمواقف بينهما شبه متطابقة أيضاً، وإن كانت هناك بعض الرؤى المختلفة قليلاً، ولكن ليس إلى حد القبول بحدود العام 1967.
إذن، هذه هي ملامح الصورة العامة لبرنامج الكتلتين الكبريين، مع التأكيد أن الخلاف الجوهري بينهما هو في القضايا الداخلية وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وربما كان هذا هو السبب وراء الانزياح الانتخابي قليلاً نحو التحالف الصهيوني، والذي بعث الروح مجدداً في مسيرات تل أبيب الاقتصادية والاجتماعية...
بمعنى آخر، إن حقق التيار الصهيوني فوزاً على اليمين بفارق محدود جداً من المقاعد حسب استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن السبب الرئيس لذلك يعود إلى الاقتصاد وليس إلى السياسة.
التغيير في خارطة الكنيست بعد الانتخابات سيكون في الخيارات المرة بل الأكثر مرارة حيث التحالفات تبدو سوداوية للطرفين.. نتنياهو مضطر لاستجداء الأحزاب العنصرية الاستيطانية، ودونها لن يستطيع تشكيل حكومته، وهو يعلم الثمن الباهظ الذي سيدفعه لهذه الأحزاب؛ الأمر الذي سيتسبب في دمار كامل للمسيرة السياسية، ما يعني ازدياد الضغوط الخارجية، وزيادة عزلة إسرائيل.. والثمن الكبير المترتب على ذلك.
التيار الصهيوني سيجد نفسه مضطراً لإقامة تحالف ولو بالباطن مع الكتلة العربية التي تشير استطلاعات الرأي إلى أنها ستحصل على 14 مقعداً إذا وصلت نسبة تصويت الفلسطينيين في الداخل إلى أكثر من 70 بالمائة وهو أمر ممكن... الأحزاب العنصرية اليمينية دون استثناء ست فتح نيرانها على أي إمكانية للاستعانة بالعرب في الكنيست.
إحدى الخيارات المتبقية أمام الخارطة الإسرائيلية الجديدة هي في حكومة وحدة وطنية بين الليكود والتحالف الصهيوني؛ ما يعني حكومة الجمود في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.. هذه هو المشهد الإسرائيلي بعد الانتخابات التي ستُجرى الثلاثاء المقبل، فهل وضعت القيادة الفلسطينية استراتيجية شاملة وواقعية لمواجهة التطورات في الخارطة الإسرائيلية؟.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية