اعتادت القيادات الفلسطينية خلال فترة الانقسام السياسي على الهروب من الواقع، باستخدام مصطلحات إعلامية جديدة، تم تسويق تلك المصطلحات على أنها المخرج من الواقع الحقيقي، من خلال الاحتيال على الظروف الصعبة التي تعيشها تلك القيادات، وراج خلال الفترة الماضية استخدام مصطلح "الخلل الفني"، فقد تم استخدام المصطلح من قبل موظفي السلطة الفلسطينية وقياداتها، للتعبير عن الخصومات التي طالت الرواتب الخاصة بموظفي السلطة في قطاع غزة ، وتم التذرع بأكثر من مرة من رأس الهرم الفلسطيني بأن "الخلل الفني" هو المسئول عن حجب الرواتب عن الموظفين الذين تم اقتطاع رواتبهم، لأهداف سياسية وأخرى عقابية.

ولم تُخفي حركة حماس احتفائها بالمصطلح فقد استخدمه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية مؤخراً بوصفة الصاروخ الذي ضرب تل ابيب بـ"الخلل الفني"، تستمر حلقات الترويج عبر وسائل الاعلام للاحتيال الإعلامي على المصطلحات وتسخيرها لمصالح سياسية وغايات حزبية، من أجل الهروب من الحقيقة، وإن كان ذلك مُباحاً في لغة السياسة فإنه مكشوف وواضح وجلي لأفراد الشعب كافة.

منذ أن بزغ فجر الانقسام الفلسطيني يعيش المواطن في الضفة الغربية وقطاع غزة منفرداً بعيداً عن التفاصيل الدقيقة لحياة السياسيين وصُناع القرار، فيتم اتخاذ القرارات الوطنية والمصيرية دون العودة للحاضنة الشعبية، ودون الاهتمام برأي الشارع وتوجهاته، خاصة بعدما تم اغراق المواطن، بهموم الحياة اليومية واللهث وراء رغيف الخبز، وتأمين رسوم التعليم والصحة، والبحث عن فرص اقتصادية ومعيشية تساعد المواطن على التغلب على معارك الحياة الطاحنة، فقد ارتفعت فاتورة الحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصبح المواطن هو من يمثل وحده مصدر رزق للحكومات ولجيوب السياسيين، وهو بمثابة المشروع الاقتصادي المُدر للدخل على الحكومات سواء في غزة أو الضفة الغربية، من خلال فرض الضرائب، والتعليات الجمركية، والرسوم على الخدمات المدنية، وارتفاع في أسعار المواد الغدائية والانشائية والخدمات العامة وغيرها.

من المتوقع أن تستمر موجة "الخلل الفني" خلال السنوات القادمة، فيتم تسكين الواقع وتحميل الأخطاء والتصرفات الفردية للمسئول الأول والذي يتمثل بـ"الخلل الفني"، كي يتم تبرير كافة التوجهات السياسية والاقتصادية تحت مسميات فضفاضة، تحقق الأهداف الخاصة والضيقة، وترمي الكرة في ملعب المواطن يتقاذف الأقاويل والتأويلات، هذا ما نسميه في لغة الاعلام بـ"بالون الاختبار"، حيث يتم قياس توجه الرأي العام تجاه قضية سياسية او اقتصادية ، فاذا تقبلها الشعب يتم الإعلان عنها ويتم تنفيذها، واذا رفضها، فإن النخب والقيادات السياسية تُسارع بالنفي ورفض الفكرة، وتخرج علينا بمصطلح جديد، له علاقة بنظرية المؤامرة، وأن جميع الأفعال والأقوال والتصرفات لها علاقة بالمؤامرة الكونية على الحكومة من أجل النيل منها وثنيها عن تقديم خدماتها للمواطنين.

لقد فشل سياسي البلاد في اقناع الناس بأن الخلل الفني هو المسئول عن تردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، واقتنع الناس أن ذلك الفشل ناتج عن سوء إدارة تلك القيادات السياسية وعدم قدرتهم على مجاراة الأحداث وتقدير المواقف السليمة المبينة على العلم الحديث في استيعاب كافة قوى الشعب تحت مظلة الوطن يجمع الجميع ولا يفرق بين أحد منهم، وأن الحقوق توزع بالتساوي ووفقاً للقانون والعدالة الاجتماعية، ومع غياب تلك القوانين الضابطة والناظمة للعلاقات الاجتماعية والقانونية في المجتمع، يتحكم القوي بمفردات السلطة ويُسخرها لخدمة أهدافة، دون الالتفات لحاجة الناس ومصالحها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد