2014/12/28
50-TRIAL-
خلسة، توجه إلى العاصمة الفرنسية، ورغم أنه وزير للخارجية، فإن أحداً من وزارته لم يكن يعرف بهذه الزيارة، إنها إذن زيارة سرية بالغة الخصوصية، ولولا، أن صحافياً التقط صورته في بهو فندق "رفائيل" خلسة، أيضاً، ربما لم يكن لأحد أن يعرف أين هو وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خاصة وأنه من المستبعد أن تكون رحلته السرية إلى باريس بغرض اللقاء مع الساسة الفرنسيين، ليس فقط لأن مثل هذه اللقاءات لا يتم التكتم عليها عادة، بل لأن ليبرمان وصل إلى باريس يوم عيد الميلاد، وهو يوم عطلة تستمر عادة حتى نهاية العام وبداية العام الجديد، معظم الساسة والسفراء "يعودون" إلى بلادهم لقضاء الأعياد مع العائلة، لكن ليبرمان ترك "عائلته" ليصل إلى فندق "رفائيل"! ولماذا رفائيل بالذات، لأن هذا الفندق معروف ومشهور بأنه الفندق المفضل لدى كبار ساسة وأثرياء دول الخليج العربي، الأمر الذي استدعى الإشارة، إلى أن السرية وراء هذه الزيارة تعود إلى لقاء ـ على الأغلب ـ مع مسؤول كبير لإحدى دول الخليج العربي!
ترك ليبرمان "أهل بيته" في فترة عصيبة، اذ ان حوالي 30 فرداً من أسرته الحزبية "إسرائيل بيتنا" قد تم اعتقالهم بتهمة الفساد للتحقيق معهم، بعضهم من كبار رجال الدولة والحزب، مع ذلك، وربما لذلك، يترك ليبرمان عائلته، ويذهب إلى باريس، ما يجعل هذه الزيارة بالغة الأهمية بالنسبة لليبرمان، ومستقبله السياسي على الأرجح! خاصة وأنه بعد يومين من وصوله إلى باريس، ربما فوجئ بنتائج استطلاع للرأي نشر في إسرائيل، أول من أمس الجمعة، تشير إلى أن حزبه سيحصل على خمسة مقاعد فقط مقابل 13 مقعداً له الآن في الكنيست ، جراء التوقيت الدقيق والمحسوب للإعلان عن حالة فساد كبرى تتفشى لدى حزبه، هذا التوقيت بحد ذاته يشكل فضيحة حقيقية، حيث تعمل بعض أجهزة الدولة، لنشر فضائح في أوقات محددة ولأسباب لم تعد مجهولة: إسقاط ليبرمان من المنافسة على مقعد رئاسة الحكومة!
ولكن قبل هذا وذاك، من منا لم يلاحظ الانقلاب الفكري والسياسي الذي ألمّ بالسيد ليبرمان في الأشهر الأخيرة، والأسابيع الأخيرة تحديداً، منذ انفصاله عن التحالف مع نتنياهو، حتى تصريحاته الأخيرة بالغة الإثارة، حول ضرورة التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين، بعدما أخفق نتنياهو في هذا المجال، متهماً رئيس الحكومة بنجاحه الوحيد في "الإبقاء على الأزمة" أبدى ليبرمان مرونة كبيرة غير معهودة في إطار خطابه السياسي حول تقسيم الأراضي والتخلي عن القسم الأكبر منها، يقول ليبرمان، إن هذا لمصلحة إسرائيل التي باتت محاصرة من الحلفاء التقليديين أميركا وأوروبا، بفضل سياسة نتنياهو الرعناء!!
تم تفسير التحولات السياسية لدى ليبرمان، بشكل لا يقبل أي تشكيك، باختصار، فإن ليبرمان بدأ يعمل لحساب حصوله على مقعد رئاسة الحكومة، الآن وليس غداً، إذ كانت بعض التحليلات تشير إلى أن ليبرمان يتطلع إلى رئاسة الحكومة، مستقبلاً، لكن الجلي والواضح أن ليبرمان، لم يعد يطيق صبراً بعدما اعتقد أن جملة من المتغيرات، والاتصالات مع الأميركان صناع رؤساء الحكومات في إسرائيل ـ حسب البعض ـ ستعجل من وصوله إلى رئاسة الحكومة.
وإذ تحدثنا عن تزامن زيارة ليبرمان إلى باريس، فكيف يمكن تفسير تصريحات ليبرمان المشار إليها زمنياً؟!
بالعودة إلى الوراء قليلاً، وتحديداً إلى أوائل كانون الأول الماضي، وهي الفترة التي أطلق ليبرمان تصريحاته "الانقلابية"، لعثرنا على اللغز، في تلك الأيام عقد مؤتمر بار ايلان، تحدث فيه دان شابيرو، سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، ماذا قال شابيرو في خطابه: "أميركا في نهاية حكم أوباما، تتطلع إلى أفق سياسي جديد في المسار الإسرائيلي الفلسطيني، التقدم على هذا المسار يجب أن يتم بأي ثمن، كشرط لا بد منه للحفاظ على التحالف الاستراتيجي ومجموعة الامتيازات السياسية والأمنية والعسكرية"!
يبدو أن ليبرمان التقط المقصود بهذه الكلمات الواضحة، لم يعد نتنياهو قادراً، رغم كل أساليبه الخادعة على تلبية احتياجات إدارة أوباما في أشهرها الأخيرة لتحقيق إنجاز على ملف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، الأمر يتطلب تعديلاً، وفهم ليبرمان، أن عليه أن يكون جاهزاً، وكانت البداية انقلابا حقيقيا في مواقفه السياسية، وأخذ يقترب هذا اليميني الفاشي إلى اتجاه "اليسار" بهدف إسقاط نتنياهو للاستيلاء على مقعد كبير الفاشيين الإسرائيليين في رئاسة الحكومة!
لكن نتنياهو، الساحر المشعوذ، فهم وبسرعة المصالح، مغزى التحولات لدى حليفه السابق ليبرمان، رئاسة الحكومة هي الهدف، ولا بد من اختراق مقابل هذه التحولات، تمثل في إيداع كبار رجال "إسرائيل بيتنا" السجن للتحقيق معهم، يذهب ليبرمان إلى باريس، كجزء من خيارات المواجهة، بين اليمين واليمين في إسرائيل، استطلاعات الرأي لا تزال في بداية نشاطها، لكن ليبرمان بحاجة إلى مشعوذ أكثر مهارة من نتنياهو، لتحقيق هدفه في الوصول إلى سدة رئاسة الحكومة!!
Hanihabib272@hotmail.com 70
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية