2014/12/24
196-TRIAL-
بقي للانتخابات العامة في إسرائيل ثلاثة شهور إلا أسبوعا، مع ذلك بدأت حامية واشتدت حدتها الآن بسيل من الاتهامات والانتقادات الحادة بين الأطراف المحسوبة على اليسار الصهيوني وبين معسكر اليمين الذي لم يخل كذلك من تبادل تهجمات تتعلق بمدى الانحياز لليمين. وحوت وسائل الإعلام الإسرائيلية سيلا من التغطيات والتحليلات التي لا تبعد كثيراً عن رأي وموقف كل متحدث أو معلق أو محلل، وهذا لا ينطبق على السياسيين فحسب بل ينسحب كذلك على الإعلاميين ووسائل الإعلام.
أكثر الأشخاص عرضة للانتقاد بطبيعة الحال هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي فشلت حكومته في اكمال ولايتها حتى موعد الانتخابات القادمة حسب القانون، وهو يتعرض لهجوم من اليسار واليمين على السواء. ففي اليسار يتهمونه بالإخفاق في كل ما عمله ويركزون على العملية السياسية ووضع العزلة الدولية الذي قاد إسرائيل إليه بابعادها حتى عن حلفائها الطبيعيين والأقرب وعلى القضايا الاقتصادية – الاجتماعية وطريقة إدارة الدولة والانصياع لرغبات أقلية يمينية متطرفة قادته إلى الفشل. ويحاولون التأكيد على رسالة واحدة مركزية عنوانها "لا مرة أخرى لنتنياهو"، أي ضرورة معاقبته بعدم انتخابه مجدداً وهنا عدم انتخاب حزبه "الليكود" الذي إذا لم يحصل على أعلى الأصوات أو على الأقل يحصل معسكره اليميني على أغلبية في الكنيست فلن يكون رئيس الحكومة القادم.
وفي معسكر اليمين الذي يقف على يمين " الليكود" يلومونه على عدم اتخاذه قرارات حازمة لصالح فرض وقائع على الأرض تغير الوضع الراهن في الاستيطان و القدس التي كانت محور التركيز اليميني خلال الفترة الماضية، وحيث أنه ارتدع هو وحكومته عن القيام بخطوات جذرية لتغيير الوضع القائم في الحرم القدسي بسبب انتفاضة المواطنين الفلسطينيين والخشية من ردود الفعل الدولية التي يمكن أن تتصاعد خصوصاً وأن المجتمع الدولي يرفض الإجراءات الاحتلالية التي تنفذها إسرائيل في القدس ويعتبرها باطلة.
وجماعة نتنياهو ومؤيدوه يوجهون الانتقادات لمنتقديهم ويهاجمون الإعلام والاحزاب وكل من يطالب باسقاط نتنياهو، ولكنهم حانقون على استخدام معطيات تقرير "الفقر البديل" الذي نشرته جمعية "لاتيت" الإسرائيلية التي تعنى بشؤون الفقر والرفاه الاجتماعي للانقضاض على نتنياهو وسياسته التي أدت إلى مثل هذا الوضع البائس. والجدير بالاشارة أن الجمعية المذكورة نشرت تقريراً يوم الإثنين الماضي (أول من أمس) تقول فيه أنه يوجد في إسرائيل 2.54 مليون فقير، أي حوالي ثلث الإسرائيليين، ومن بينهم 930 ألف طفل يشكلون أكثر من ثلث عدد الأطفال (35%) قسم كبير منهم يذهبون للنوم وهم جوعى لا يجدون ما يأكلونه.
وتقول جمعية "لاتيت" أن 41% من مجموع الإسرائيليين يعانون من ضائقة اقتصادية، و 27% من الأطفال اضطروا إلى ترك مقاعد الدراسة في حين التحق 36% منهم بسوق العمل للحصول على قوت عائلاتهم. و أن 63% لم يسددوا ايجار الشقق. وأخطر ما في التقرير على نتنياهو هو الاستخلاص الذي توصلت إليه الجمعية بأن السبب في هذا الوضع هو انعدام القدرة على الحكم وعدم وجود استقرار سياسي وتبدل الحكومات بوتيرة سريعة: 4 حكومات في 8 سنوات، وأولويات الحكومة التي تفضل الانفاق على الحرب أكثر من اهتمامها باطعام الفقراء.
طبعاً كل الأحزاب المعارضة شنت هجوماً لاذعاً على نتنياهو واستخدمت التقرير لصالحها، حتى الرئيس السابق شمعون بيرس اشار إليه مما عرضه لنيران مؤيدي نتنياهو الذين فتحوا ملف الاحتفال بعيد ميلاده الذي كلف مبالغ طائلة كانت لتطعم مئات آلاف الأطفال – حسب زعمهم. وما يؤذي نتنياهو أكثر هو أن الجمعية محايدة ليست حزبية ولا يمكن اتهامها بالانحياز أو التزوير.
كما تلاحظون هناك حركة وتشويقا في الانتخابات حتى قبل بدء الدعاية الانتخابية بشكل رسمي، وفي آخر استطلاع للرأي قامت به قناة الكنيست التليفزيونية حصل ائتلاف حزب (العمل) و(الحركة) على أعلى الأصوات 23 مقعداً، و "الليكود" على 21 مقعداً، وازدادت مقاعد (البيت اليهودي) المتطرف إلى 16 مقعداً، وحزب (يوجد مستقبل) 11 مقعداً، وحركة (كلنا) برئاسة موشيه كحلون المنشق عن "الليكود" 9 مقاعد، وكل من (إسرائيل بيتنا) و"يهدوت هتوراة" و"ميرتس" 7 مقاعد لكل منها وحركة "شاس" برئاسة درعي 5 مقاعد، والحركة الجديدة ( الشعب معنا) برئاسة المنشق عن "شاس" إيلي يشاي 4 مقاعد، والأحزاب العربية: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة 5 مقاعد، وائتلاف القائمة العربية الموحدة برئاسة أحمد الطيبي 5 مقاعد والباقي لم يحصلوا على نسبة الحسم.
هذا الاستطلاع أجري قبل نشر تقرير "الفقر البديل" الذي اصبح مادة جيدة بيد خصوم نتنياهو، وهو يظهر أن نتنياهو قد يفقد القدرة على تشكيل حكومة جديدة وفقاً لنتائج التصويت الآن، ولكن كما يقولون في إسرائيل الفترة المتبقية طويلة بما يكفي لحدوث تطورات وتغيرات قد لا تكون بالحسبان. والشيء المهم الآخر الذي قد يؤثر في اتجاه المصوتين عدا عن نسبة المشاركين والموضوعات المطروحة أعلاه هو العامل الفلسطيني أي العلاقة مع الملف الفلسطيني مثل الموقف الفلسطيني من الذهاب إلى الأمم المتحدة والتعامل مع مشروع قرار مجلس الأمن والتصعيد العسكري وربما الحرب القادمة والتفاعلات على الأرض مثل احتمال اندلاع انتفاضة أو مواجهات. وكل شيء له انعكاس على مجريات الانتخابات وقد يستطيع نتنياهو استغلال بعض هذه التطورات في إثارة خوف الإسرائيليين وتحريضهم أو قد تكون الأمور في غير صالحه إذا استغلت اي تطورات بذكاء من قبل معارضيه لاتهامه بالفشل وبدفع الأوضاع نحو التدهور. ونحن ليس علينا أن ننتظر فيمكننا أن نكون فاعلين ومؤثرين ولكن هل نقوم بذلك؟
21
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية