2014/11/30
154-TRIAL-
تشتعل اسرائيل بجدل حار عنوانه "نتانياهو والدولة اليهودية"، من يمكن وصفهم بالعقلاء في إسرائيل، اتخذوا موقفاً جدياً حاسماً برفض مشروع نتانياهو، واعتبروه وصمة لا لزوم لها في وجه إسرائيل، في وقت تكافح فيه الدولة العبرية بصعوبة للافلات من العزلة الدولية التي وضعت نفسها فيها من خلال تفضيل الاستيطان على السلام، وتفضيل القمع وفرض الأمر الواقع على المفاوضات.
المعارضون لمشروع نتانياهو هم أهم الشخصيات التاريخية ذات الوزن في إسرائيل والعالم، في مقدمتهم شيمعون بيريز، الرجل الذي شغل كل المناصب في إسرائيل، ومعه رفلين رئيس الدولة، والليكودي المخضرم موشيه ارينز، ناهيك عن اقطاب القوى السياسية ممن هم في الكنيست والحكومة، وأعني بذلك حزب العمل قائد المعارضة، وحزب ميريتس أكثر الأحزاب السياسية دعماً لمشروع السلام مع الفلسطينيين، وحزب الحركة الذي تقوده السيدة ليفني، وحزب هنالك مستقبل بقيادة يائير لبيد.
إذاً، من الذين تبقوا لدعم هذا المشروع البائس الذي لا فائدة منه سوى إضافة إنجاز مختلق لرئيس الوزراء نتانياهو، المتجه بسرعة البرق نحو مزيد من اليمينية لعله بهذه الفكرة يسبق ليبرمان في معركة التنافس على استقطاب المتشددين، خصوصاً أن الانتخابات المبكرة لم تعد بعيدة الاحتمال.
أما من خارج إسرائيل فإن أحداً من أصدقائها التقليديين في العالم، لم يعلن تفهمه لخطوة نتانياهو، بل على العكس من ذلك فهنالك حذر في أفضل الأحوال وتحذير جاء من الإدارة الأمريكية، وخشية في أوساط يهود أمريكا من أن الفكرة سوف تحرجهم حتماً أمام مؤيدي إسرائيل من الأمريكيين، الذين بنوا تأييدهم لها على أساس أنها واحة ديموقراطية في الشرق الأوسط، وأنها دولة مساواة بين جميع مواطنيها، فإذا بها ومن خلال هذا القانون تفرز نفسها كدولة دينية تتنصل في القرن الحادي والعشرين من ما أعتقدت أنه أهم خصائص دولتها "الحديثة"، أي أنها دولة ديموقراطية.
قد يسفر الجدل الدائر عن تسوية بين صيغ متعددة تم وضعها في هذا السياق، إلا أن محصلة الجدل كله سوف تكون في غاية التأثير السلبي على صورة إسرائيل وحقيقة نظامها السياسي، فالعرب في إسرائيل الذين وصل تعدادهم المليوني نسمة، والذين لم يكونوا مقتنعين أصلاً بأن النظام السياسي في إسرائيل يوفر إمكانات جدية للتعايش والمساواة ولو النسبية، هؤلاء العرب سوف يتضاعف اغترابهم عن الدولة العبرية التي يحملون جنسيتها، وفي حالة من هذا النوع، يكون مصطلح التعايش بين الأديان والأقليات والأغلبية قد فقد محتواه الحقيقي ولا أحد يعرف كيف سيكون رد الفعل حين يشعر مليونا إنسان بأن تهميشهم وعدم مساواتهم صار تشريعاً ملزماً للحكومة الإسرائيلية وللدولة بكل أركانها ومقوماتها.
الايجابية الوحيدة في هذا الأمر، هي أن نتانياهو نقل الجدل حول هذه المسألة الاشكالية من الساحة الفلسطينية إلى الساحة الإسرائيلية، وبذلك رفع عن كاهل الفلسطينيين عبئاً كان قد أثقل عليهم به حين وضع الاعتراف بيهودية الدولة من جانبهم كشرط لمجرد الحديث معهم، وها هو يعيد الكرة إلى ملعبه مثيراً جدلاً حاداً داخل اليهود أنفسهم الذين أساء نتانياهو تقدير ردود أفعالهم على هذه الفكرة البائسة، فإذا بها.. بدل أن تكون مصيدة للفلسطينيين، صارت مصيدة للطبقة السياسية الإسرائيلية المختلفة جوهرياً على هذه الفكرة. 81
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية