2014/09/20
215-TRIAL-
بعض المصادر في حماس تقول ان اتفاق وقف اطلاق النار تم الاتفاق على ان لا يتم الاعلان عن ما تم الاتفاق عليه، و ان حماس لم تسعى الى الحرب وان المستوى السياسي أكد اكثر من مرة أنه لا يوجد حرب، لكن تلك المصادر لم تنفي نية العسكر كانت تريد الحرب وانها ستكون مواجهة محدودة، وان المقاومة لم تستدرج للحرب انما هي من بدأت المواجهة اعتقادا منها انها ستفشل مفاجئات الاحتلال، إلا ان المواجهة استمرت خمسين يوماً، ودفعت المقاومة والناس ثمناً كبيرا كان بالإمكان تلافيه و الحد من التكلفة العالية التي دفعتها المقاومة و الناس و حجم الدمار والخراب والضحايا.
المقاومة افشلت العدوان ومخططات اسرائيل العدوانية، واستطاعت الصمود في وجه آلة الدمار الهمجية وجنون الحكومة الاسرائيلية وإرهابها في ظروف اقليمية ودولية في غاية السوء دولياُ و إقليميا وداخلياً، ولم تكن في صالح الشعب الفلسطيني والمقاومة، وكانت البيئة في اقل تقدير معادية، بالإضافة إلى قلة الامكانات وحصار خانق وظالم، فالمقاومة لم تنكسر لكنها دفعت ثمناً غالياً من امكاناتها وقدراتها ومقاتليها الذين ابلوا بلاء حسن في المواجهة.
كما أبلى الشعب الفلسطيني بكل توجهاته السياسية صموداً اسطورياً واستمر التماهي كبيرا وشعر الفلسطينيين بالزهو والفخر بالمقاومة، وكان واضحا من الناس التفافهم حول المقاومة، وفي ظل اطالة امد الحرب بدأ الاعياء يظهر على الناس في غزة ، وبدأت الجبهة الداخلية في التململ وتوجيه النقد الخافت والخوف وعدد النازحين المهول خاصة مع الهجمات الاسرائيلية المجنونة والتي تعمدت كسر ارادة الناس، بالإضافة الى الاعتداءات التي وقعت على بعض من أعضاء حركة فتح بضربهم او اطلاق النار على اقدام بعضهم.
وفي ظل ذلك على المقاومة ان تستخلص العبر من هذه المواجهة الطويلة وما ترتب عليها من نتائج، نرى بعض منها ماثلا امامنا وتأثيرها على معنويات الناس الذين يوجهوا النقد بصور مختلفة للمقاومة خاصة بعد احتفالات النصر الذي لم يرضى الناس عنها، وعلى المقاومة ان تسأل نفسها لماذا يحاول عدد ليس بالقليل من الناس الهجرة والبحث عن كرامة مفقودة وفقر وبطالة وأوضاع سياسية داخلية سيئة.
إذا فالمقاومة ذهبت للحرب باختيارها، وكأن المقاومة ارادت ان تثبت قدراتها واستعداداتها خلال السنوات الماضية و انها قادرة على الوقوف في وجه دولة مجرمة لا تضع في الاعتبار اي اخلاق او قوانين إنسانية دولية، فالمقاومة فاجأت الجيش الاسرائيلي في اكثر من مكان واثبت قدراتها التكتيكية وأفشلت اسرائيل من تحقيق اهدافها والقضاء على المقاومة، لكن كل ذلك لم يكن في بيئة سياسية مواتية، فالمقاومة والشعب الفلسطيني خاضوا الحرب وظهرهم مكشوف وفي ظروف استراتيجية قاسية و تعصف في المنطقة وبحركة حماس بالتحديد التي تعاني، وان رأس المقاومة مطلوب اقليميا.
المقاومة خاضت الحرب من دون ظهر او أي سند سياسي، في حين اسرائيل حصلت على ضوء اخضر وغطاء دولي، والتصريحات والمواقف من المسؤولين الغربيين بما فيهم الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون ان من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها في مواجهة الصواريخ الفلسطينية، وظهر ذلك جلياً بتباهي نتنياهو و المسؤولين الاسرائيليين بذلك وتصريحاتهم الصريحة والمبطنة خاصة عن البيئة الاقليمية والحلف العربي الجديد الذي تبلور في الحرب، وان ظروف الحرب كانت مثالية بالنسبة لإسرائيل مكنها من اطالة امد العدوان.
وكانت المقارنة واضحة حسب التصريحات الاسرائيلية بين البيئة التي كان فيها عدوان 2012 الذي لم يستمر اكثر من ثماني ايام وعدوان 2014، والذي طال امده ليس فقط برضا اقليمي انما دعم واضح، وعمل الجميع على عدم منح المقاومة أي انجاز وهذا ما كان يكرره نتنياهو وهذا ما نراه حتى الان ومماطلة اسرائيل في رفع الحصار وهي تتحدث عن تسهيلات ومساعدات وليس رفع للحصار.
هذا يعيدنا الى السؤال الدائم في عقول الفلسطينيين، هل يجب ان يكون قطاع غزة هو الساحة الوحيدة في مواجهة اسرائيل، وهل ان القطاع يستطيع ان يحتمل اكثر من قدراته وإمكاناته الجغرافية والديموغرافية و حروب اضافية؟ قطاع غزة يعاني منذ بداية انتفاضة الاقصى في العام 2000، وحتى الان يتعرض لعدوان مستمر وحصار قاسي وخاض ثلاث حروب اذا صح التعبير، فإسرائيل منذ بدء انتفاضة الاقصى غيرت من تكتيكاتها في مواجهة الفلسطينيين خاصة في قطاع غزة، وكل عدوان تقوم بارتكاب جرائم اكثر عنفاً وقسوة، وتعمدت الضرب بقوة و ايقاع مزيد من الضحايا كي تكسر وعي الناس وضرب معنوياتهم وتحدث الردع، ورأينا ذلك في الحرب الاخيرة وكيف قامت اسرائيل بضرب كل شيئ ولم يكن أي انسان في القطاع آمن، ودفع الناس ثمناً كبيرا وقاسياً، بالأرواح والممتلكات والبيئة التحتية المدمرة منذ سنوات وحال الناس البائس من الفقر والبطالة والمشكلات الاجتماعية والأخطر استمرار الانقسام.
كل هذا الضغط عجل من وقف اطلاق النار وساهم في عدم قدرة المقاومة على الاستمرار بالتشبث في مطالبها، حيث فوجئ الناس برفع المقاومة سقف مطالبها، بإعادة بناء المطار وتدشين ميناء، و مع ذلك تماهى الناس مع هذه المطالب وتمسكوا بها، وما لبثوا ان ادركوا ان ذلك مستحيلا في ظل بيئة دولية وإقليمية معادية وترفض منح الفلسطينيين أي انجاز سياسي او سيادي، وهذا ما اطال امد الحرب ما اضطر المقاومة في النهاية للتوقيع على وقف إطلاق النار في ظروف ما زالت ملتبسة و كثيرين لم يعلموا حقيقة الاتفاق ومدى التزام اسرائيل به.
كان على المقاومة ان تدرك ان صمودها وصمود الناس له وقت محدد وقدرة على الاحتمال، و لا ترفع من سقف توقعات الناس وكان بإمكان المقاومة وضع سقف محدد وهو المطالبة بتفكيك الحصار والتركيز على فتح المعابر بين اسرائيل وقطاع غزة من اجل التواصل مع الضفة الغربية، لكن أن تستمر الحرب هذا الوقت والضغط الذي تعرض له قطاع غزة، أشعر الناس بالإحباط والتراجع في التفاؤل الذي أبدوه في بداية الحرب. المقاومة تأخرت في فهم ما يجري او انها راهنت على تحالفاتها التي لم تسعفها في دعم موقفها وظهرت وحيدة وظهرها للحائط والناس بدا عليها التعب من حجم الخسائر، كما ان المقاومة فقدت الكثير.
وظهر الموقف الفلسطيني ضعيفاً ومرتبكاً حتى في ظل الوفد الموحد الذي ذهب لمفاوضات القاهرة، وتبرز كل يوم حجم التناقض داخله واختلاف الرؤى السياسية خاصة بين فتح وحماس وعدم تحمس الرئيس ابو مازن بالتمسك بمطالب المقاومة ورفع الحصار، وما نراه الان يدل على حجم الهوة والخلاف.
على المقاومة ان تدرك انه ليس بإمكاناتها مقارنة بإمكانات اسرائيل والتعويل على صمود الناس تستطيع تحقيق نصر على اسرائيل وتحقيق شروطها في ظل موازين قوى هي لصالحها ودعم دولي غير محدود، فصمود المقاومة والناس افشل الاهداف الاسرائيلية وغيرها من الدول.
و المقاومة لم تدرك انها تواجه اسرائيل وعلى رأسها حكومة ييمنية متطرفة ويحمل المسؤولين فيها توجهات عقائدية دينية وسياسية خطيرة، وإجماع صهيوني خلف هذه الحكومة والتأييد الجارف الذي حصل عليه نتنياهو لإعادة الامن للإسرائيليين الذين اثبتوا كراهيتهم للفلسطينيين وأنهم خطر على وجود اسرائيل.
لا ينكر احد انجازات المقاومة والبطولة التي ابدتها، وتخطت ذلك بكسر الوعي الاسرائيلي الجمعي، وأفقدت الاسرائيليين ثقتهم بأمنهم واستخباراتهم التي لم تستطع كسر عقل الفلسطينيين ووعي الناس بحقهم وبالمقاومة، وأربكت حساباتهم الامنية ولم تستطع اسرائيل بجبروتها وقوتها الهائلة القضاء على المقاومة التي استمرت بإطلاق النار للدقيقة الاخيرة.
كل هذا يدفعنا للتفكير الجماعي وفتح نقاش وحوار بين الفلسطينيين، وجدوى المقاومة المسلحة والاستفادة من تجربة غزة والصمود الكبير وانجاز المقاومة وصمودها، وبين وسائل المقاومة الاخرى وعدم تفضيل وسيلة على أخرى والأخذ في الاعتبار موازين القوى والبيئة الداخلية والدولية والإقليمية والتحالفات والمحاور، هناك حاجة ملحة الى العودة للحوار والنقاش الجمعي وإنهاء الانقسام وتجسيد الوحدة الوطنية والقيام بمراجعات جوهرية في تجربة الفلسطينيين خلال السنوات الماضية، والاتفاق على استراتيجية وطنية يشارك الكل الفلسطيني فيها للتخلص من الاحتلال. 11
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية