2014/09/14
97-TRIAL-
لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية يتم اختيار الرئيس بشكل مباشر وعبر انتخابات عامة، حيث نجح السيد رجب طيب أردوغان؛ رئيس الوزراء السابق، في انتخابات الرئاسة بتاريخ 10 أغسطس 2014م، ليتواصل معه أمل الشعوب العربية والإسلاميين في المنطقة بشرق أوسط جديد تكون فيه لراية الإسلام نصيب في الحكم والسياسة وصناعة مستقبل الأمة، ويجد فيه الفلسطينيون نصيراً أميناً لهم في دعم قضيتهم، وتعزيز حظوظ حلها سلمياً في المحافل الدولية.
تركيا أردوغان: إطلالة أمل منذ أن جاء أردوغان للحكم في مارس 2003م وهو يتعاطى مع التحديات، التي تواجه تركيا في علاقاتها مع دول الجوار، وأيضاً كان هناك اهتمام ملحوظ بقضايا الأمة الإسلامية، وعلى رأسها قضية فلسطين.. لقد منحنا أردوغان كرئيس لحزب العدالة والتنمية وكرئيس للوزراء الثقة بأننا أمام زعيم سيأخذ بأيدينا - كإسلاميين - تلاحقنا اتهامات التطرف والإرهاب إلى مشهد آخر يُظهر روح الدين الإسلامي، من حيث كوننا أهلٌ لقيم التسامح والتغافر، والوعاء الحاضن للتنوع الثقافي، والسبيل لمد يد الرحمة للعالمين، خاصة وأن تركيا بتاريخها العثماني العظيم كدولة للخلافة الإسلامية يحتضن تاريخها على مدار أكثر من ستة قرون الكثير الكثير من الإنجازات والأمجاد، التي تؤهلها للعب مثل هذا الدور القيادي المرموق، ويعينها بجدارة على استعادة الصورة المشرقة والوضيئة التي أبهتها تكرار الاتهام للمسلمين بالتطرف والإرهاب، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، حيث بدا أن نشطاء الإسلاميين مستهدفين وملاحقين في كل مكان بذريعة ما يسمى "الحرب على الإرهاب".
لذلك، تحرك أردوغان منذ نجح حزبه بالانتخابات في نوفمبر2002م بالعمل على المستوى الدولي، وذلك بهدف تغيير الصورة النمطية التي شكلتها حملات التشويه والتشهير والتحريض، والتي قامت بها بمكر وخبث واجهات إعلامية مشبوهة، كانت تحركها جهات مرتبطة بالصهيونية العالمية وإسرائيل. ولعلنا نستعرض هنا حجم الجهد، وأشكال التحرك التي قام بها السيد أردوغان في مجال التسامح الديني وملتقيات حوار الحضارات بهدف الذود عن رسالة الإسلام، والتأكيد على وسطية الإسلاميين، والعمل على مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب، التي اتخذت من الدين الإسلامي غطاءً لها. ففي 14 نوفمبر 2006م، احتضنت استانبول؛ باعتبارها نقطة التقاء الشرق والغرب، والعاصمة التاريخية لإمبراطوريتين تناوبتا على حكم المنطقة خلال عهود طويلة من الزمن، مؤتمراً لحوار الحضارات، بوجود ورئاسة كل من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو. وفي الكلمة التي ألقاها السيد أردوغان أمام كبار مسؤولي مشروع حوار الحضارات المجتمعين في استانبول، أشار إلى ضرورة بذل الجهود العاجلة لحل المشكلات القائمة بين العالمين الغربي والاسلامي، وإزالة فكرة الاستقطاب بين الثقافات والأديان المختلفة، وشدد على أهمية تبني قيم مشتركة، وأكد السيد أردوغان على أن بلاده تولي أهمية كبرى لمشروع تحالف الحضارات، لإعادة التفاهم بين الثقافات المختلفة.. وأضاف أن الظلم والخوف والشكوك سببت الكراهية والحقد وعدم التسامح بين مجتمعات العالم. ووصف السيد أردوغان مشروع تحالف الحضارات بأنه مشروع السلام العالمي للقرن الحادي والعشرين.
واعتبر السيد أردوغان أن انضمام بلاده إلى الاتحاد الاوروبي سيكون نموذجاً لتحالف الحضارات، وأنه سيوضح أن هذا التحالف ممكن تحقيقه.
المنتدى الأول لحوار الحضارات في منتصف يناير 2008م، انعقد في مدريد "المنتدى الأول لحوار الحضارات"، والذي يعتبر تدشين للفكرة التي طرحها السيد أردوغان سابقاً في استانبول، حيث شهد المنتدى توجهات إيجابية كان صاحب الفضل فيها يعود للسيد رجب طيب أردوغان، وذلك من خلال فعاليات المؤتمر وجلساته، التي هدفت إلى تغيير مسار النقاش بين الدول الإسلامية والغربية من أطروحة "صراع الحضارات" لصموئيل هانتغتون والتي حاول تسويقها في بداية التسعينيات على إثر سقوط الاتحاد السوفيتي، وذلك بتقسيم العالم إلى فسطاطين، أحدهما يمثل الحضارة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، ويصطف معادياً للإسلام، الذي هو بثقافته وروحانياته يمثل معالم الفسطاط الآخر.. وبحسب تلك الأطروحة، تمَّ رسم معالم العداء وشكل المواجهة مع العالم الإسلامي، باعتباره بديلاً عن الشيوعية، والتي تراجعت مكانتها وقوتها الدافعة لحساب الفكر الليبرالي الغربي. إن ما كان يتطلع له السيد أردوغان هو قيام حالة من التواصل والحوار بين الأمم والحضارات، وهي الفكرة التي نادى بها الرئيس الإيراني محمد خاتمي قبله بعدة سنوات، وذلك على إثر احتدام النقاش بين القبول والرفض لأطروحة صراع الحضارات، حيث نادى وقتها بفكرة حوار الثقافات.
لقد ساد ذلك المنتدى في مدريد الحديث عن القيم السامية المشتركة بين الأديان، وأهمية التقارب بين الحضارات، وضرورة إشاعة فكر التسامح والانفتاح على الآخر، والابتعاد عن كافة الصراعات الطائفية والمذهبية، وتحقيق التعايش بين الأمم.
وقد كان لهذا المنتدى الدور الكبير في طي صفحة وأفكار هانتغتون، حيث بدأ الخطاب الإنساني ينحو باتجاه المزيد من التسامح وتعزيز الحوار. وما تزال أنشطة وفعاليات المؤتمر السنوي تذكر جيل الشباب بصاحب هذه الفكرة، ومساهماته في دعم القيم الإنسانية والسلوكيات الأخلاقية بين الشعوب والأمم، والتي يمثل الدين الإسلامي أحد أهم ركائزها.
فلسطين: قضية الأمة المركزية إن الذي تابع مسيرة السيد رجب طيب أردوغان منذ تكوينه الإسلامي على يد أستاذه بروفيسور نجم الدين أربكان (رحمه الله)؛ الأب الروحي للحركة الإسلامية في تركيا المعاصرة، سيجد كيف تجذرت في أعماقه طاقة الحب الهائلة لفلسطين؛ القضية والشعب، حيث كان السيد أربكان هو صاحب الفضل في تظهير مكانة فلسطين الدينية والتاريخية بين الأتراك، وفضح التآمر الذي قامت به الحركة الماسونية العالمية في التهيئة لاحتلال فلسطين، وتفريغها بالقوة من أهلها، عبر سلسلة من المؤامرات التي حاكتها بريطانيا العظمى مع العديد من الدول الغربية لإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
لن تغيب عن صفحات تاريخنا الإسلامي تلك الجهود المشكورة التي قام بها السيد أربكان وتلميذه النجيب رجب طيب أردوغان، من حيث وضع القضية الفلسطينية على رأس أولويات قضايا الأمة الإسلامية، وفي صدارة اهتماماتها، وهذه مسألة لا جدال حولها، وقد شاهدنا مواقف تركيا أردوغان المساندة للقضية الفلسطينية بشكل جليٍّ في كل المحطات التي تعرَّض فيها الفلسطينيون لأي عدوان إسرائيلي غاشم، والكل يتذكر وقفته الغاضبة في مؤتمر دافوس عام 2009م، عندما تصدى للرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، واتهمه ودولته بممارسة الإرهاب وارتكاب جرائم حرب بحق أطفال فلسطين، وخرج مقاطعاً الجلسة التي اتصفت بالانحياز للظالم واتهام الضحية.
الدفاع عن الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية لقد قاد السيد أردوغان الكثير من التحركات لحشد موقف عربي وإسلامي داعم للقضية الفلسطينية، وذلك منذ تعرضت الحكومة التي تقودها حركة حماس إلى مقاطعة دولية، حيث قام ب فتح الأبواب مشرعة لقياداتها السياسية لزيارة تركيا، وذلك بهدف الاستفادة من الخبرات المتميزة في مجالات الحكم والسياسة، وكذلك في جلب الدعم الإغاثي لمؤسسات السلطة، وتوسيع قاعدة المشاريع التركية في الضفة الغربية وقطاع غزة .
لم تبخل تركيا أردوغان التي نعرفها عن تقديم كل ما تملك في عالم السياسة والمال لدعم الفلسطينيين، والدفاع عن قضيتهم في المحافل الدولية.
لا ينكر أحد بأن العلاقات التركية الإسرائيلية كانت استراتيجية، وقد ورثت حكومة حزب العدالة ذلك الوضع المعقد في تلك العلاقة العسكرية والأمنية، وقد كانت تركيا – آنذاك؛ أي في عام 2002م - مستسلمة للأحضان الأمريكية الإسرائيلية، ولم تكن معنية بالقضية الفلسطينية لا من قريب أو بعيد، لذا فإنه يحسب لتركيا أردوغان أنها "ردت الاعتبار للقضية الفلسطينية في أجندتها السياسية، وجددت علاقة الأتراك بها" كما أشار الأستاذ فهمي هويدي، بعد طول هجران وانقطاع. ويشهد على ذلك حشودات الغضب العارمة، والمظاهرات الصاخبة المعادية لإسرائيل، التي انطلقت في جميع أنحاء تركيا أثناء اجتياحها لقطاع غزة في عام 2008م، وتكرر ذلك أثناء وعدوان نوفمبر 2012م (حرب حجارة السجيل)، وأيضاً في الحرب الأخيرة على قطاع غزة (معركة العصف المأكول) في 8 يوليو 2014م .
في الحقيقة، لم يعد سراً أن الدفاع عن القضية الفلسطينية، والتنديد بالاحتلال الإسرائيلي، أصبحا أحد معالم الخطاب السياسي التركي في مختلف المحافل الدولية، حيث يتذكر الجميع ما حدث في منتدى دافوس الذي سبق لنا الإشارة إليه، وكذلك إدانته للصهيونية، والتي أطلقها في مؤتمر الأمم المتحدة في العاصمة النمساوية فيينا عام 2013م، باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، تعبيراً مجدداً عن ذات الموقف.
وبعد حادث الاعتداء سفينة مرمرة التركية في مايو 2010م، تعقدت الأمور مع إسرائيل إلى درجة القطيعة، وظلت علاقات البلدين في تدهور مستمر إلى ان زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما المنطقة، وفوجئنا بالإعلان الرسمي عن قبول إسرائيل للشروط التركية الثلاثة، وعلى رأسها تقديم الاعتذار عن الجريمة التي وقعت وراح ضحيتها تسعة من الاتراك.
وفي التعليق على ما جرى، قال السيد أردوغان إن بلاده سوف تراقب تصرفات إسرائيل على الطبيعة، ورؤية كيف سيكون موقفها من حصار غزة.. وحتى اللحظة، أعاد الرئيس أردوغان في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بمدينة ويلز البريطانية قوله بأن تطبيع العلاقة مع إسرائيل مرهون برفع الحصار كلياً عن قطاع غزة.
وهذا هو تأكيد على ما جاء في الكلمة الافتتاحية لرئيس الوزراء الجديد أحمد داود أوغلو وبيانه الحكومي بعنوان: "رؤية تركيا الجديدة"، حيث أشار إلى أن تحقيق تقدم في تطبيع العلاقات مع اسرائيل "غير ممكن قبل وضع حدٍّ للاعتداءات الإسرائيلية ضد فلسطين، ورفعها للقيود عن الفلسطينيين، وفي مقدمتها تلك المفروضة على قطاع غزة".
تركيا أردوغان: تطلعات في سياق الرؤية الاستراتيجية عندما هبت نسائم الربيع العربي على المنطقة مع نهايات عام 2010م، ووجدت شعوبها استجابة تركية واسعة لجهود النصرة والدعم، تعاظمت أشكال التعلق والأمل بتركيا أردوغان، وقد تخطى ذلك التيارات الإسلامية إلى كل القوى التي تحركت بالثورة وتطلعت إلى عملية التغيير والإصلاح من الليبراليين واليساريين والقوميين، وارتفعت صور أردوغان والعلم التركي في الكثير من الساحات وبين جموع الحشود المطالبة بالتغيير.
لقد كانت تركيا أردوغان تحاول توفير الدعم لكل المطالبين بالإصلاح والتغيير، حيث اشتد الطغيان، وظهر الفساد والاستبداد في جميع أركان النظام العربي الحاكم، وكانت نداءات الاستغاثة في مواجهة جور الحكام قد بلغت أسماع أردوغان، فتحركت تركيا بماكينتها السياسية والإعلامية والإغاثية لتقديم واجب النصرة لحركة النهوض العربي.. كانت البداية في تونس، ثم تتابع انفراط عقد الأنظمة الفاسدة لتتهاوى واحدة بعد الأخرى.
لم يبخل السيد أردوغان في الاصطفاف إلى جانب حركة الشارع العربي، فكانت كلماته المناصرة لحق الشعوب في الثورة والتغيير، وكانت تحالفاته مع بعض دول المنطقة، التي أيدت تلك الثورات، وأسهمت بشكل أو بآخر في نجاحها.
لم تغب عن تلك الساحات المطالبة بإسقاط النظام إطلالة أردوغان الباسمة، وكذلك أعلام تركيا مرفرفة بين حشودها، في مشهد يشي بأن أردوغان الزعيم هو من تتطلع الجماهير إلى قيادته كنهج في السياسة والحكم.
لقد ارتبط مشهد الإصلاح والتغيير بصور أردوغان، باعتباره أيقونة الحراك العربي، وصارت كلماته المؤيدة لمطالب الجماهير بمثابة سيمفونيات الثورة وعناوين لمشروع التمكين القادم.
كانت تلك اللحظات التي غطت فترة ذلك الحراك من 2010-2013م هي تجليات لقب الزعيم للسيد رجب طيب أردوغان، ولولا الانتكاسة التي تعرض لها الربيع العربي، وتغير مسار التحالفات بشكل لم يكن متوقعاً، لكنا اليوم أمام مشهد شرق أوسطي جديد، تكون فيه تحالفاتنا أشد قوة وعزماً، ولكانت لنا فيه مكانة ساطعة تحت الشمس، ومكاناً مرموقاً بين الأمم.
لقد كنا بانتظار تشكل خارطة جديدة للأمتين العربية والإسلامين، تقف على رأسها وتشكل ركيزتها الأولى تركيا وإيران ومصر، وهي الدول الثلاث التي تمتلك قدرات بشرية وإمكانيات عسكرية واقتصاديات تكامل بعضها البعض، مما يجعل من تحالفها مركز الثقل الحضاري والإنساني الذي تحتاج إليه الأمة. في الحقيقة، كان هذا الأمل يراودنا كإسلاميين لتحقيق مشروع النهضة الذي نتطلع إليه، ولكن يبدو أن أعداء هذه الأمة كانوا يكيدون لها وعملوا على تمزيق ما التئم من شملها، مما جعل بعض مشيخيات الخليج الانقضاض على شكل التحالف التي حاولت تركيا أردوغان بنائه، وحشد طاقات الأمة خلفه، لتبدأ سلسلة الانهيارات من جديد، فإذا مصر تبتعد عن تركيا وتتغير مسارات السياسة فيها باتجاه دول الخليج، وإيران تعيد تموقع نفسها خلف حماية نظام بشار الأسد، لتختل موازين القوة ونصبح كالتي نقضت غزلها أنكاثاً.!!
بانتخاب السيد رجب طيب أردوغان رئيساً لتركيا، فإن مسار السياسية التركية لن يتغير كثيراً، وسنشهد تنامي لدور تركيا أردوغان بالمنطقة، وربما تعود أشكال الحراك العربي بالإسلاميين وغيرهم من الليبراليين واليسارين في موجة جديدة من الثورة لتحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، وبناء نظام سياسي يعيد للأمة قوتها وانتعاش وجودها الحضاري، من حيث السماح بالتعددية والشراكة السياسية، والتداول السلمي للسلطة.
تركيا أردوغان حاضنة الوسطية الإسلامية في الفضاء السياسي والديني ما يزال أردوغان هو زعيم أمة بدون منازع، فالناس تقدر مواقفه، وتحفظ مسيرته وسجل دفاعه القوي عن قضايا شعوب المنطقتين العربية والإسلامية، كما أن العالم الغربي يرى في تركيا أردوغان نموذج الوسطية الإسلامية، التي يمكن التعامل معها والتعايش مع مفاهيمها الدينية المتسمة بالتسامح، والمتطلعة للتواصل مع الآخرين، بما يعزز من تعاظم القيم الإنسانية والحضارية بين الشعوب والأمم.
لقد استمعت للزعيم أردوغان في أكثر من مؤتمر عقد في استانبول في الفترة من 2010 – 2013م تناول فيها قضايا الأمة الإسلامية وهمومها، وقد شاهدت احتشاد نخب الأمتين العربية والإسلامية وهي تستمع إليه، حيث كانت كلماته وتعبيراته المؤثرة لا تحيد عن تلك المعاني الإنسانية التي يستحث فيها العالم بمنظماته وهيئاته الدولية بتوخي العدل ونصرة المظلوم، ومطالبته المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الشعب السوري واحتضان ثورته السلمية، وكذلك نداءاته للمنظمات الأممية بالعمل على إنصاف الشعب الفلسطيني، ومساعدته في إقامة دولته الحرة المستقلة، وكف يد البطش والعدوان الإسرائيلي عنه.
كان أردوغان أيضاً يرسل للمسيحيين ما يبعث لديهم الثقة والاطمئنان حول مستقبل العلاقة مع المسلمين أو العيش بينهم، باعتبار أنهم شركاء في الخريطة السياسية للمنطقة الشرق أوسطية، وأنهم بيننا هم "مواطنون لا ذميون"، وأن لهم ما لنا وعليهم ما علينا.
إن مشهد تركيا التي تتمتع باستقرار مذهبي، وتحظى أماكن العبادة المختلفة فيها بالرعاية والحماية والاستقلال، هي - بدون شك - نموذج لتعايش الأديان، واتساع المساحة الحضارية التي تجسد الانفتاح على الآخر، وهي البلد الإسلامي الأكثر تحرراً من عقلية الانسداد والتشدد، وهي الأبعد عن أفكار الغلو والتطرف، حيث تسود فيها أجواء الحرية، وتتجسد أشكال التقارب مع الآخر الديني والسياسي، ويتعايش الكل في ظل حاضنة سياسية تحترم الجميع، ولا تسمح لأي جهة دينية القيام بتجاوزات أو تعديات على أية خصوصيات مذهبية أو طائفية للآخرين.
ختاماً: أردوغان؛ تطلعات زعيم ورغبات أمة إن أردوغان اليوم كرئيس للجمهورية التركية، يتطلع لاستنهاض العالم الإسلامي، ويعمل بشغف لتحقيق ذلك، بهدف إحياء مكانتنا كمسلمين بين الأمم، خاصة وأنه تمكن في العشرية الماضية من الأخذ بيد تركيا إلى العالمية، وصدارة العديد من المجالات الصناعية والاقتصادية، كما أن الدور الذي تلعبه تركيا في التعاطي مع مشاكل العالمين العربي والإسلامي قد منحها مكانة متميزة بين الدول الغربية وكذلك داخل حلف الناتو، إذ أضحت تركيا أردوغان بمثابة الدولة الأكثر قدرة وتأهيلاً على التعاطي مع مشاكل المنطقة الشرق أوسطية، والعمل على إيجاد مخارج وحلولٍ لها.
لا شك أن الزعيم أردوغان سيعمل على جمع شمل الأمة الإسلامية وتوحيد طاقاتها، ورسم استراتيجية أممية لابتعاث قدراتها من جديد، حيث إن تركيا بمكانتها المتقدمة سياسياً بين الأمم، وإمكاناتها الاقتصادية الهائلة، وتحكمها في الخطوط الملاحية لنقل النفط والغاز، وثرواتها المائية الهائلة، وتقدمها عسكرياً قياساً بدول المنطقة، كل هذا يمنحها الحق في قيادة الأمة عن جدارة، وعمل التحالفات التي تحقق لها ذلك.
ومن الجدير ذكره الإشارة إلى أن القضية الفلسطينية ستبقى في صدارة الاهتمام التركي؛ باعتبار مركزيتها الدينية والعاطفية في وجدان الأمتين العربية والإسلامية، ولهذا سيظل الانشغال التركي بالقضية خلال السنوات القادمة هو أولوية على أجندة الرئيس أردوغان، كون فلسطين هي المدخل لبعث طربوش العثمانية من جديد، ومنح وسام الزعامة لتركيا أردوغان، وحشد طاقات الأمة وتعبئتها خلف الرجل الذي جاء على قدرٍ يحمل قناديل الأمل، ويلَّوح بمفاتيح الخلاص لأمة كانت عظيمة، وهي بانتظار استعادة مكانتها بين الأمم.
إن ما يحلم به أردوغان ويتطلع إليه هو تحقيق رغبات الأمة؛ وذلك في عودة حالة التوازن والوسطية الإسلامية، وقيام تحالف فيدرالي للكيانية العربية الإسلامية، وأن ترى فلسطين الدولة رايتها ترفرف عالياً بين الدول. 64
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية