أمسك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بوزارة المواصلات من ضمن الوزارات التي ظلت بيده، كان من الواضح لدى العديد من المتابعين، أن تمسكه بهذه الوزارات يعود إلى الإبقاء على بعض الوزارات من أجل عقد تحالفات جديدة وتوسيع الائتلاف الحكومي، غير أن الإمساك بوزارة الاتصالات تحديداً، يهدف إلى أمور أخرى غير تلك المعلنة. ففي إطار النزاع الحكومي الداخلي حول "سلطة البثّ الجديدة" تبين أن نتنياهو يريد السيطرة على وسائل الإعلام، مبرّراً اعتراضه على سلطة البثّ الجديدة، داعياً في بداية الأمر إلى تأجيل انطلاقها، ثم مؤخراً داعياً إلى إلغائها تماماً، إلى رغبته في فتح سوق المنافسة، مشيراً إلى أنه كان هناك شركتا هواتف خلوية، شركتا حافلات وشركتا طيران، فلماذا تبقى سلطة الإعلام ممثلة بسلطة البثّ الجديدة، تحتكر السوق الإعلامية؟!
وبالفعل تم تأجيل إطلاق "سلطة البثّ الجديدة" لستة أشهر، الأمر الذي يكلف الحكومة 400 مليون شيكل، ورغم ذلك، عاد نتنياهو في الأيام الأخيرة، وبعد التأجيل للمطالبة بإلغاء هذه السلطة التي من المقرر أن تبدأ انطلاقتها من القدس المحتلة في نيسان العام القادم، وتبدأ بث برامجها للجمهور بعد ثلاثة أشهر أي في تموز العام القادم، بعدما كان من المقرر أن تبدأ البث في تشرين الثاني هذا العام أي خلال أيام.
أدى التأجيل ثم الدعوة إلى الإلغاء من قبل نتنياهو إلى معركة حامية داخل الائتلاف الحكومي وانقسام حاد بين مختلف أطرافه، ويقف في وجه نتنياهو الذي حصل بالأمس، فقط على دعم ليبرمان وزير الحرب، كل من وزير المالية كحلون، ووزير التربية والتعليم نفتالي بينيت، وبينما كان رئيس الدولة رؤوفين ريفلين، ضد هذه الحقيبة عندما كان النقاش حول إنشاء هذه الحقيبة، إلاّ أنه صرح مؤخراً، أنه ضد إلغائها، باعتبار أن هناك قراراً حكومياً بذلك، ويجب احترامه، خاصة وأن الهيئة الجديدة، غير مرتبطة بالحكومة بل الجمهور أساساً، وهي مستقلة استقلالاً تاماً عن تأثيرات الحكومة، منوّهاً بشكل غير مباشر، إلى أن سبب تمسك نتنياهو بالإلغاء يعود إلى عدم رغبته في تلقي الانتقادات من وسائل الإعلام.
وتبرز في هذا السياق، تلك الحرب التي اندلعت بين نتنياهو ووزير ماليته كحلون، هذا الأخير بدأ يقود حملة شعواء ضد نتنياهو وضد إلغاء الهيئة مسبباً أزمة حكومية عاصفة يحمل مسؤوليتها إلى نتنياهو الذي كان بإمكانه، هذا الأخير، الاعتراض على إنشاء الهيئة منذ البداية، بناءً على اقتراح وزير الاتصالات في حكومته السابقة جلعاد أردان، وتم تبنيه في ذلك الوقت من قبل نتنياهو نفسه، الذي أفاق بعد ردحٍ من الزمن على مبررات المنافسة في حين يعتقد بعض المراقبين، أن نتنياهو يريد الإمساك بورقة الإعلام باعتباره وزيراً للاتصالات، لغربلة الإعلام الإسرائيلي من هؤلاء "اليساريين" الذين يسيطرون على وسائل الإعلام المكتوبة والفضائية حسب زعم نتنياهو وبعض أنصاره في حزب الليكود.
كحلون هذا، تغيب عن النقاش في الحكومة أو في اجتماعات رؤساء الائتلاف الحكومي خلال الأسبوع الماضي، إذ أن النقاش كان منصباً على دعوة نتنياهو لإلغاء الهيئة، بخسارة 10 مليون شيكل، بينما يقول كحلون عَبر وسائل الإعلام إن تكلفة الإلغاء تزيد على 400 مليون شيكل، في وقت يسرب أنصار نتنياهو أنه في حال عدم المصادقة على قرار إلغاء الهيئة فإن احتمال الدعوة إلى انتخابات مبكرة قد يصبح وارداً.
لا يرى معظم المتابعين من ساسة وإعلاميين في الدولة العبرية، أن هذه المسألة من الأهمية والخطورة بحيث تحظى بكامل اهتمام رئيس الحكومة، ويتهمونه أنه يحاول دائماً خلق واصطناع قضية ما كي يناقشها مع منافسين داخل ائتلافه الحكومي، مع أن الأمر يقتضي أكبر قدر من التوافق داخل هذا الائتلاف الذي هو مسؤول عنه أولاً وأخيراً.
ثم إن التهديد الدائم بالسلاح المعلن لإسكات معارضي رئيس الحكومة داخل الائتلاف، بإمكانية الدعوة إلى انتخابات مبكرة، هو أعلى درجات الابتزاز، الذي مارسه نتنياهو كلما كان هناك من يخالف رأيه، ومع بداية عودة الكنيست إلى الانعقاد بعد إجازتها الصيفية، فإن جملة من الملفات "العادية" ستطرح على اجتماعاتها ابتداءً من الأحد القادم، بملف هيئة البث الجديدة، تعقبها ملفات ليست ذات أهمية لكن من المتوقع، حسب متابعين، أن يلجأ نتنياهو إلى جعل هذه الملفات شغله الشاغل، فهو لن يكون نتنياهو إلاّ إذا كان هناك له خلاف مع الحلفاء في الائتلاف، ويعود ذلك، في بعض الأحيان، إلى معارضة ضعيفة ومتراجعة لا يجد في معارضتها سبباً للانتباه إلى أقوالها وتصريحاتها ومعارضتها، هي معارضة لا تكفي لتسليته وتقنعه بأن يهتم بأمرها، فتجاوزها إلى معارضة داخل الائتلاف حيناً، وداخل الليكود حيناً آخر، هناك دائماً ما يشغله ويسلّيه بأمر الحكم والحكومة فهو لم يعترض على هيئة البث، إلاّ بعد إقرارها، طالب بتأجيل إطلاقها، وبعد الموافقة على التأجيل طالب بإلغائها تماماً، كافة مبرراته لهذا الوقف لن ولم تقنع أحداً، سوى هؤلاء الذين بدورهم، يريدون أن يتسلّوا مع رئيس حكومتهم!!

Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد