لقاء آخر في الدوحة عنوانه الرئيس المصالحة، ولكنه حمل عناوين أخرى، ربما هي اليوم أكثر أهميةً لخطورة انعكاسها على القضية الفلسطينية.
ربما كان هذا هو الاجتماع الخامس أو السادس منذ مكة والدوحة والقاهرة وصولاً إلى الدوحة مرة أخرى، علاوة على لقاءات غير مباشرة توسطت فيها دول إقليمية مثل تركيا من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية .
واضح أن أزمة الانقسام أصبحت مرضاً مزمناً، الشفاء منه ليس أمراً سهلاً بسبب الأعراض المرضية المعقدة، حيث تشكّل نظامان سياسيان مختلفان تماماً في الجوهر... والأخطر أن سياسة الأمر الواقع، خاصة في مجال الأمن، أصبحت ثابتةً ولا يمكن إيجاد أي تقارب بين الطرفين فيما يخص مكوّناتها الرئيسة وخاصة الأجهزة الأمنية وما تمثله. علاوة على أن المصالح متباينة، فلا " حماس " في غزة مستعدة الآن للتنازل عن مصالحها في سبيل ما تعتبره مصالح وهمية، ولا السلطة الوطنية قادرة على إعادة قوة حماس إلى الضفة الغربية لئلا تصبح في النهاية تهديداً وجودياً لها، فما زالت تجربة الانقلاب في غزة ماثلةً أمامها... وعلى العكس من ذلك، لايمكن أن تسمح الأجهزة الأمنية في ظل هذا الوضع المعقد بإعادة أوراق اللعبة إلى مربعات سابقة.
في كثير من المرات تم الحديث عن ضرورة إدارة الانقسام... بحيث يكون هناك تكامل في أداء هذا الدور أو ذاك بما يشبه ترميم بيت مهدم.. إعادة بنائه تحتاج إلى هدمه بالكامل وتغيير أساساته... وبالتالي هناك خياران، إما المكوث فيه بشكل إجباري أو هجره تماماً، واختيار الأسوأ أفضل من الذهاب إلى الكارثة.
في ظل هذا الوضع من الأفضل للجميع اليوم التفكير في العمل على إقامة حاجز أمام "التسونامي السياسي" الذي يضرب المنطقة، والضغوط الإقليمية التي تعصر الطرفين، والتصدي لنهج الاحتلال الاستيطاني الذي يدمر أي فرصة أمام سلام حقيقي، ويعمل على إنهاء القضية الفلسطينية من خلال التغيير الديمغرافي السريع، وتفتيت التواصل الجغرافي بين المحافظات الفلسطينية، وتعمُّد إبقاء الحصار والوضع القائم في قطاع غزة.
لا شكّ في أن التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وخاصة في سورية والعراق واليمن تنذر بأن قضيتنا الفلسطينية لم تعد ذات أولوية عربياً أو دولياً، وقد يبقى هذا الوضع فترة طويلة من الزمن، مما قد يؤدي إلى فقدان القضية الفلسطينية أي قوة، وإن كانت معنوية... بمعنى أننا أصبحنا نواجه خطراً وجودياً على بقائنا كشعب واحد يسعى لإقامة دولة وطنية مستقلة.
يبدو أن قضية المصالحة لم تكن الوحيدة المطروحة في قمة الدوحة... فهناك موضوع مؤتمر حركة فتح الذي تأجّل أكثر من مرّة... وربما أصبحت إمكانية عقده خلال الفترة المقبلة أكثر ترجيحاً من السابق.
هناك عاملان أساسيان في إنجاح هذا المؤتمر أو إفشاله، خاصة إذا ما عقد في رام الله . العامل الأول، هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحكّم في المعابر الداخلية والخارجية، وبالتالي تصبح حرية حركة الأعضاء المشاركين فيه تحت رحمة هذا الاحتلال... وربما بضغوط خارجية، أميركية أو أوروبية سيتم احتواء هذا العامل. ومع ذلك، سيبقى وضع أعضاء المؤتمر القادمين من الخارج هو الأكثر صعوبة.
أما العامل الثاني، فهو حركة حماس، وهي القوة المسيطرة على قطاع غزة... وأي محاولة من الحركة لمنع أعضاء المؤتمر من الوصول إلى الضفة يعني إفشال إمكانية عقده... فلا يمكن أن يعقد هذا المؤتمر في غياب قطاع غزة.
وعليه، فإن الرئيس، أيضاً، طرح هذا الموضوع مع مشعل وهنية، وخيراً أن الرئيس اجتمع مع الاثنين (هنية ومشعل)، حيث يمثل الأوّل الرأس الكبيرة في حماس، فيما الثاني له قوة الفعل في قطاع غزة. ومن الواضح أن القضية لن تمر بهذه البساطة، لأنه ستكون هناك مطالب لحركة حماس مقابل الموافقة على طلب حركة فتح في هذا المجال.
لا شك في أن انعقاد المؤتمر السابع سيعطي قوة زخم لتحريك الأوضاع الفلسطينية، أو على الأقل قذف حجر في بركة مياه أكثر من راكدة.
إذن، هي محادثات ماراثونية سواء في سبيل زحزحة ملف الانقسام... أو مواجهة الأخطار المشتركة التي تضرب السلطة و"حماس" في آن واحد، أو الاستعداد لمرحلة جديدة... مع إعادة صياغة خارطة المنطقة العربية من خلال الأقطاب الدولية وبشكل خاص روسيا والولايات المتحدة!!!
abnajjarquds@gmail.com
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد