تحل الذكرى ال 68 لنكبة الشعب الفلسطيني، وقد اطلق الاسرائيليون ما يسمى صافرتهم معلنين استقلال دولتهم الرابضة فوق القرى المدفونة وذكريات اللاجئين المذبوحة في ذلك المكان وعلى مرّ الزمان، وكانت صافرة الشعب الفلسطيني التمرد على الخيمة والمنفى واثبات الحضور والوجود هوية وكيانا ومقاومة، صوت شاعرنا الكبير عبد الكريم الكرمي ابو سلمى :

 

 انشر على لهب القصيد

شكوى العبيد الى العبيد

شكوى يرددها الزمان

الى الابد الابيد

 

القصيدة السياسية المعبرة عن رفض الهزيمة والخنوع ، الصارخة في وجه التخاذل العربي والدولي، والذين تركوا فلسطين تموت امام غزو العصابات الصهيونية واطماع اساطيرهم وخرافاتهم المسلحة.

 

القصيدة التي انطلقت من ازقة المخيمات حاملة قوافي المقتولين والمهجرين في البر والبحر والسجون، ومرفرفة بأرواح المعدومين في مذبحة تتلو مذبحة، من دير ياسين حتى صبرا وشاتيلا والدم لا زال يجري هنا على كل حاجز عسكري وشارع ورصيف وفي غزة المحاصرة.

 

هي فلسطين:

كلما حاربت من اجلك أحببتك أكثر

أي ترب غير هذا الترب من مسك وعنبر

أي افق غير هذا الافق في الدنيا معطر

كلما دافعت عن أرضك عود العمر يخضر

وجناحي يا فلسطين على القمة ينشر

 

القصيدة الغاضبة التي حطمت سياج الخوف والضياع ، ورسمت الوان علم فلسطين عاليا بين الامم، والاسم لا زال فلسطينيا يحمل مفاتيح البيت والذكريات ورائحة الحنين المشتعلة، فالبيوت لم تمت لان سكانها لم يغيبوا ، عادوا شهداء واسرى، وعادوا انتفاضات على قوس قزح وحجر وإرادة.

 

ابو سلمى يعود الآن بذخيرته ودمه وبروحه ويخرج من المحرقة حيا ، يعيد ترميم جسده وصوته ويرفع السماء عن التوابيت ليتمكن من القول والنشيد، يحصي قتلانا وجرحانا واسرانا ويعلو معنا فوق هدير الصمت، يصغي الى خطواتنا القادمة ، يقترب من الباب ، لا فراغ هنا، لا عتمة ، للارض حاسة كونية اخرى، شجرة واقفة تستقبل الفجر والعائدين.

 

ابو سلمى هو التفات البعيد الى البعيد، يجر المسافات الى الامام، لا يسمع الا صوت الريح، فالزنزانة صارت اوسع من حديقة، والحجر صار برقا في فضاء النقب وعسقلان وعكا، وهنا في نابلس والخليل و بيت لحم و جنين، يختلط البخور بالنار والماء، وتولد الذاكرة.

 

نعود مع العواصف داويات

مع البرق المقدس والشهاب

مع الامل المجنح والاغاني

مع النسر المحلق والعقاب

 

انشر على لهب القصيد ، وقد انتشر اللهيب، وها هو نائب رئيس الاركان الاسرائيلي (يائير جولان) يدق ناقوس الخطر، وهو يبشر ان دولة اسرائيل تدمر ذاتيا ، لأنها لازالت دولة احتلال، سلاحها ليس طاهرا، بل متسخا، وضميرها غارقا في عمليات القتل والاضطهاد وسعار العنصرية والتطرف المخيف.

 

 

انشر على لهب القصيد، ف النكبة ليست ذكرى بل بصمة جرح على بلد، وفي الوقت الذي يتحول القتلة الى ابطال في دولة اسرائيل، تنهض من تحت الركام براهين الحق امام القوة المتمادية ، اولاد المدارس المذبوحين ، البيوت المدفونة تحت اسمنت المستوطنات، تتبادل الذكريات ازمانها جيلا بعد جيل ، لا عبودية ولا ذل ، فتمتليء الارض بما ينقصها من امل وسحاب ، هنا فوق القدس والصلاة.

 

ابو سلمى يخط بيراعه طريق العودة، لا يراهن على انظمة العرب، المأسورة والمشغولة بمصالحها وطوائفها وبربيعها الملتبس، بل يراهن على شعب يبني حياته من حطامه ، لا يموت ، ينهض ثانية ويواصل .

 

يامن يعزون الحمى

ثوروا على الظلم المبيد

بل حرروه من الملوك

وحرروه من العبيد

 

نبوءة القصيدة المشتعلة حملها الفدائيون من خندق الى خندق، ومن ساحة الى ساحة، بعد ان ادرك الشعب الفلسطيني انه وحيدا في الحصار، وان قراره المستقل يتجه فقط الى فلسطين، لتكون ثورة، وتكون دولة، وليكون اولادا تكاثروا ، يحفظون اسماءهم الخماسية، تاريخ الميلاد ، مكان السكن، طابو الارض، لون العاصفة، فالنكبة طعنة في القلب، ولكن حملتها رجرجات الزلازل كبرياء وكرامة.

 

يا فلسطين انظري شعبك في اروع منظر

 بلظى الثورة والتشريد للعالم يثأر

لم يحرر وطن الا اذا الشعب تحرر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد