هذا الحادث ستكون له انعكاسات كبيرة ومؤثّرة على سير الحرب ومعاركها، ولن يمرّ هذا الحادث قبل تصعيد عسكري لن تفصله عن حواف الحرب الشاملة إلّا قشرة هشّة رقيقة.

بعيداً عن حملات التهويش والتهويل الإسرائيلي في التعامل مع هذا الحادث حتى الآن، وأبعد ما يمكن عن التبنّي التام، وبصورة آلية (أوتوماتيكية) من قبل الولايات المتحدة للرواية الإسرائيلية، بصورة رسمية أو شبه رسمية، وعدم الانضمام المباشر حتى الآن من قبل الرسميّات الأوروبية و»الغربية» الأخرى، فإنّ هذا الحادث من حيث الأسباب التي يمكن أن تكون قد أدّت إليه، أو تقف خلف حدوثه، أو تستهدف حدوثه على وجه الدقّة لا يمكن له أن يخرج عن الاحتمالات الآتية:

أوّلاً: أن تكون دولة الاحتلال وراء هذا الحادث الكبير دون قصد منها، وأن يكون عامل الصدفة هو الذي أدّى إليه سواء تعلّق الأمر بصاروخ لـ»القبة الحديدية» أخطأ الهدف، ووقع، أو وقعت شظايا كبيرة منه في المكان، أو سواء تعلّق الأمر بقذائف أو صواريخ أخطأت هدفها، أطلقت من مسافات بعيدة من داخل الجولان.

أخطاء «القبّة الحديدية» تكرّرت، وسقطت بعض شظاياها على عدة بلدات في الجولان، وفي غير الجولان، في لبنان أو حتى على أطراف الضفة الغربية.

في هذا الإطار يستحيل على سلطات الاحتلال أن تعترف بمثل هذا الخطأ لأسباب كثيرة لعلّ من أهمّها هو شعورها بأنّ هذا الأمر بالذات سيلقي عليها، ويلحق بها أضراراً خاصة حول الإبادة، وحول الإجرام، خصوصاً أنّ أحداً في هذا العالم لن يصدّقها، وستتهم بصورة مباشرة، وليس ضمنية بتعمّد القتل، والاستمرار به ومواصلة تحدّي العالم كلّه بصورة سافرة وفجّة وخسيسة.

ومن الصعب على دولة الاحتلال ألا تذهب إلى الهجوم المضادّ، ليس فقط لأنّ هذا الهجوم سيبعد عنها كل الأنظار، ويبعد عنها الشبهات، بل من المؤكّد أن مثل هذا الهجوم المضادّ يمكن أن يتحوّل إلى فرصة نادرة، وقد لا تعوّض من أجل ضرب عدّة عصافير بحجر واحد فقط.

فمن ناحية يمكن أن تكون هذه «الفرصة» مناسَبة ومناسِبة لإثارة الفتن في لبنان بين الدروز والشيعة، كما أنّها تعيد ــ أو هكذا تتصور دولة الاحتلال ــ النقاش حول شرعية سلاح «حزب الله» اللبناني على الجانب «المسيحي» المناوئ للأخير، فيما يمكن أن يشكّل هذا الحادث ــ وهنا الأهمّ ــ الفرصة لتصعيد ميداني كبير «ينتهي» من وجهة النظر الإسرائيلية إلى «تفاهمات جديدة»، بإشراف وتدخُّل دولي وإقليمي مباشر [خوفاً من امتداد الحرب وتحوّلها إلى حرب إقليمية شاملة فيها الكثير الكثير من الأبعاد الدولية].

وفي هذه الحالة تكون دولة الاحتلال قد وجدت ضالّتها في الهروب من الصفقة على جبهة غزّة، إمّا تملُّصاً من الذهاب إليها، أو الظهور بمظهر من استطاع «إسكات» الجبهة اللبنانية، وعزلها عن مسار الحرب العدوانية في القطاع قبل الموافقة على الصفقة.

هذا كلّه إذا افترضنا صحّة مقاربة الخطأ الإسرائيلي.

الاحتمال الثاني، هو أن يكون قد وقع فعلاً مثل هذا الخطأ من جانب قوات «حزب الله»، أو من جانب الفصائل التي تقاتل من جنوب لبنان تحت قيادته وإشرافه.

من المستحيل بكل مقاييس المنطق أن يكون الاستهداف في هذه الحالة المفترضة والمستبعدة قصدياً أو متعمّداً، وذلك لأن أهل الجولان، وهم أهلنا كلّنا ومن دون استثناء، هم أقرب المقرّبين إلى «حزب الله»، وإلى بلدهم الأمّ، وإلى «محور المقاومة»، وهم يعلنون ليل نهار مواقفهم الوطنية والقومية المشرّفة.

إذا تبقّى احتمال الخطأ، وهو احتمال ضعيف للغاية، ويكاد يصل إلى درجة المستحيل في ضوء تجربة الاستهدافات التي تابعها الجميع وشاهد جزءاً منها في بثّ توثيقي لا تشوبه أيّ شائبة، حيث تميّزت استهدافات «حزب الله» بالتركيز على الأهداف العسكرية طوال فترة الشهور العشرة منها. كما أنّ الإصابات بين قوات الاحتلال ومستوطنيه كانت أقرب إلى الدقيقة.

ثمّ إنّ دولة الاحتلال لا يمكن أن تقيم قواعد عسكرية داخل بلدة عربية، عروبية، ومقاومة للاحتلال، وترفض أيّ تغيير على هويتها وانتمائها، فكيف للحزب أصلاً أن يتوجّه لقصف مناطق مثلها، خالية من أيّ أهداف عسكرية؟

أقصد أنّ احتمالات القصف الخاطئ هنا هي احتمالات تكاد تكون مستحيلة، وخارج كلّ تفكير عقلاني أو منطقي.

ثم إنّ الحزب لم يعوّد الناس على قول أكاذيب، ولم يسبق له أن تنصّل من أخطاء كهذه عندما كانت تقع ــ على قلّتها ــ وهو يمتلك كما هو معروف عنه الشجاعة الأدبية والأخلاقية للاعتراف بها لو كان الأمر يتعلق بمثل هذا الخطأ.

فإذا كان احتمال الخطأ ليس وارداً من جانب الحزب، وإذا كان الاستهداف القصدي مستحيلاً فمن الفاعل، وما هو الاحتمال المتبقّي إذا كانت الدولة العبرية تنفي أو تتنصّل من احتمال الخطأ الذي نجم عن «القبّة الحديدية»، أو صاروخ من أيّ نوع؟

هنا لا يتبقّى سوى أنّ الحادث كان بفعل فاعل، وهو حادث مدبّر لكي يكون مطيّة دولة الاحتلال للخروج من أزمة فشلها، ومن عجز قواتها عن تحقيق أيّ أهداف يمكن أن تعتدّ بها، وهنا علينا أن نذهب إلى أبعد من «الأنف» الإسرائيلي.

هنا ندخل في عوالم جديدة.

فهناك من داخل دولة الاحتلال من له مصلحة مباشرة وصميمية في افتعال حرب على الجبهة اللبنانية، وقد لا تكون قوات الجيش الإسرائيلي على علم مسبق بها.

وفي هذه الحالة فإنّ بعض قوى «اليمين الفاشي» يمكن أن تحيك حادثاً مدبّراً من هذا النوع من أجل «تفادي» ما تراه الكارثة المحدقة بدولة الاحتلال إذا انتهت هذه الحرب العدوانية بالفشل الإسرائيلي التام، وإذا بقيت جبهات الإسناد على حالها من القوّة، ومن الصلابة، ومن القدرة على تهديد الأمن الإسرائيلي.

وقد تكون مخابرات دولية كبرى قد حاكت الموضوع من أجل الذهاب إلى معركة قوية قبل إقناع «الجميع» بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، والذهاب إلى مخرج لا ينتهي بهزيمة الدولة العبرية، أو لمنع هذه الهزيمة لاحقاً.

وقد يكون الحادث مدبّراً لتفادي الحالة البائسة التي ستبدو عليها دولة الاحتلال إذا قام «أنصار الله» الحوثيون بتنفيذ تهديدهم، والذي يبدو أنّه تهديد جدّي وكبير، أيضاً.

تزداد «حظوظ» هذا الاحتمال كلّما غابت، أو استبعدت الاحتمالات الأخرى.

ويبقى السؤال: هل سينزلق الإقليم إلى مواجهة شاملة؟

الجواب على الأغلب هو: «لا»، دون أن يملك أحد ضمانةً لمنع هذا الانزلاق.

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد