تبنى مجلس الأمن الدولي، أول من أمس، الاقتراح الأميركي لصفقة وقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين. وأيّدته 14 دولة من أصل 15 من أعضاء المجلس، وتحفظت عليه روسيا لأنه يتميز بالغموض. هذا القرار الجديد لمجلس الأمن نسخة من المشروع الأميركي الذي قدم للأطراف المعنية في نهاية أيار الماضي. ويتضمن ثلاث مراحل: في المرحلة الأولى وقف كامل لإطلاق النار، وإطلاق سراح النساء وكبار السن والجرحى وإعادة بعض الجثامين، مقابل الانسحاب من المناطق المأهولة وعودة النازحين وإدخال المساعدات، والإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين. في المرحلة الثانية، يتم وقف العمليات العدائية بصورة دائمة والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ، مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين.
أما المرحلة الثالثة فتشمل بدء خطة لإعادة إعمار قطاع غزة، وإعادة رفات المتوفون من الإسرائيليين الذين تم أسرهم. ويتحدث القرار عن أن وقف إطلاق النار المحدد لستة أسابيع في المرحلة الأولى يجري تمديده طالما بقيت المفاوضات مستمرة. كما ينص القرار على رفض أي محاولة للتغيير الديموغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة. وتحدث عن الالتزام الثابت بحلّ الدولتين على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وتوحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية.
الولايات المتحدة تقول، على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن: إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أكد له خلال لقائهما، أول من أمس، أنه ملتزم بمقترح إطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار، وأنه ينتظر رد « حماس » غزة على المقترح، علماً أن حركة «حماس» قد رحبت بقرار مجلس الأمن وتطالب بالتفاوض حول تطبيق بنوده. ويبدو أن صدور القرار لم يحلّ الخلافات حول تفسير الغموض الذي يكتنفه بشأن وقف الحرب. ومع أن واشنطن ترغب في إنهاء الحرب لتحقيق إنجاز سياسي يخدم الرئيس جو بايدن في حملته الانتخابية، لا تزال هناك حاجة لتذليل العقبات، خاصة موقف نتنياهو. فهو لا يزال يصر على أنه لم يقبل فكرة وقف الحرب قبل تحقيق الأهداف التي وضعها لها. حتى أن مكتبه سارع لإنكار ما نشرته القناة «12» الإسرائيلية من تسريب لوثيقة إسرائيلية تنسجم مع الاقتراع الأميركي، وفيها توافق إسرائيل على وقف الحرب.
في الواقع، قرار مجلس الأمن يحاصر نتنياهو ويقلل مساحة المناورة لديه، فالحديث يدور عن وقف وإنهاء الحرب بشكل نهائي. وهذا غير مقبول إسرائيلياً من قبل حكومة نتنياهو، خاصة أحزاب الصهيونية الدينية بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وهذان الوزيران يهددان بإسقاط الحكومة إذا ما أقدمت على وقف الحرب. ومع أن الحزبَين المعارضَين («هناك مستقبل» بزعامة يائير لابيد، وحزب «المعسكر الرسمي» بقيادة بيني غانتس الوزير المستقيل من مجلس الحرب) مستعدان لتقديم شبكة أمان لنتنياهو في سبيل تنفيذ صفقة تبادل للإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين، إلا أن نتنياهو لا يجازف بالاعتماد على الدعم الخارجي في ظل عدم وجود ضمانة لاستمرار شبكة الأمان حتى نهاية ولاية الكنيست الحالي.
هكذا تم ضبط نتنياهو عارياً بعد صدور القرار؛ فهو مضطر لقبوله وفي نفس الوقت لمحاولة إفشاله أو عدم تطبيقه كاملاً. وربما يكون المدخل لإفشال كل المقترح في جعل المفاوضات حول المرحلتين الثانية والثالثة تطول لفترة طويلة، ويتم إيقافها بعد فترة، حيث ينص قرار مجلس الأمن على تمديد وقف إطلاق النار طالما بقيت المفاوضات قائمة. فلو قام نتنياهو بإفشال المفاوضات، والتسبب بوقفها، لا تعود هناك حاجة للالتزام بتمديد وقف إطلاق النار، على أساس الشرط الموضوع في النص. ولكن سيكون على نتنياهو مواجهة الإدارة الأميركية من جهة، والرأي العام الإسرائيلي من الجهة الأخرى. وسيكون ضغط الرأي العام ربما الأقوى بسبب وجود غانتس في المعارضة والتوافق بين كل أقطاب المعارضة على التصدي لحكومة نتنياهو وإسقاطها. وسيكون إفشال الصفقة مبرراً إيجابياً وجاداً لتأليب الرأي العام ضد حكومة نتنياهو - بن غفير - سموتريتش. وليس واضحاً كيف سيتمكن نتنياهو من المناورة بين كل هذه الأقطاب والبقاء في الحكومة.
بالنسبة لـ»حماس» هذا القرار يعتبر مناسباً لوقف إطلاق النار إذا ما ضمن الوسطاء التزام إسرائيل بذلك، كما أنه جيد لأنه لا يتحدث بوضوح عن اليوم التالي للحرب دون «حماس» حتى لو ذكر موضوع وحدة الضفة وغزة تحت السلطة الفلسطينية. وبالتالي يمكنها التعايش معه، إذا أدى لإنهاء الحرب. فهذا يعني أن إسرائيل لم تحقق كل أهدافها، خاصة القضاء على الحركة، وستظل «حماس» لاعباً رئيساً في غزة في أي ترتيبات وحلول لليوم التالي. بل تظهر الإدارة الأميركية نوعاً من التغاضي عن مطلب إسرائيل بإنهاء وجود «حماس». وفي نهاية المطاف، ما تريده الولايات المتحدة تنفيذ خطتها للشرق الأوسط المعاد تشكيله على قاعدة تحالف إقليمي مناهض لإيران والصين وروسيا، ويخدم مصلحة الولايات المتحدة أكثر من أي شيء آخر. وفي هذا السياق يصبح نتنياهو معيقاً لهذا الترتيب الجديد في حال عبرت «حماس» عن قبولها التام للمقترح الأميركي والتعاطي إيجابياً مع تطبيقه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية