تشكلت الحكومة في إسرائيل والتي وصفتها في المقال السابق بالحكومة الداعشية، هي كذلك فمن يقرأ ويستمع لتصريحات مكوناتها يمكن أن يلمس ببساطة السمات المشتركة مع داعش وخصوصا رؤيتها للآخر، وكان بن غفير الأكثر وضوحا في التعبير.

تشكلت الحكومة من خليط من الهذيان الديني والفساد، فقبل أن تدخل حيز التنفيذ كانت تفصل قانونا لكل فرد فيها تقريبا في حالة كاريكاتورية لا مثيل لها، قانون لسموتريتش والجيش، وقانون لبن غفير والشرطة، وقانون لدرعي للتحايل على القضاء وتمكينه من أن يصبح وزيراً بعد صفقة الفساد مطلع العام، وفي الطريق نحو قانون السمكة الكبيرة نتنياهو وهو التشريع الذي سيتوج هذا الفساد، وبالمناسبة في الولايات المتحدة يمنع الدستور تشريعات تخص أفراداً.

حكومة بن غفير سموتريتش التي تعتمد على نصوص التوراة كمرجعيات فكرية لبرامج سياسية بات واضحا ومن طبيعة الاتفاقيات الائتلافية أنها تتحضر لتحويل تلك النصوص إلى وقائع سياسية عنوانها الفلسطينيون والضفة الغربية. فمن جهة تعتبر أن الضفة الغربية كانت مسرح أحداث التوراة القديمة وبالتالي فإنها ترى أن الشعب الفلسطيني عبارة عن مجموعة بشرية زائدة على هذه الأرض، نُذُر ذلك ليس في التصريحات التي يطلقها هواة السياسة من الهذيانيين بل تم تنظيمها بتشريعات وصلاحيات في الشرطة والجيش والإدارة المدنية.

يتصرف أعضاء الحكومة النافذون الذين قاتلوا من أجل الاستحواذ على صلاحيات القوة من شرطة وجيش في الضفة الغربية وصلاحيات الاستيطان كأنهم وحدهم، وكأن الشعب الفلسطيني مجرد من ممكنات القوة التي يحتكرونها وخلفهم هذا الجيش وقنابل نووية، وهنا الخطورة لأن فائض القوة مع الشعور بضعف الآخر سي فتح الشهية على كل سيناريوهات الجنون.

كيف يمكن أن يقتنع هؤلاء بأن الصراع أكثر تعقيداً من سطحية الهواة، وأن الشعب الفلسطيني يقاتل بأسنانه منذ ثلاثة أرباع القرن صامدا وصاعدا نحو حقوقه الوطنية رغم فداحة الثمن. وأن كل تلك القوة التي يتسلح بها أعضاء الحكومة لم تردع الشعب الفلسطيني وأن تجربة التاريخ الدامي وصلت لنتيجتها بأنه يجب تقسيم الأرض طبعا بما يتناسب مع موازين القوى وحل الدولتين، يجيء هؤلاء لإعادة بداية درس التاريخ عند النقطة الأولى.

هذا الوهم بحاجة إلى التبدد لأن استمراره شديد الكلفة. وواضح أن أبرز علاج للوهم هو الصدمة وقد حدث ما يشبه هذه اللحظة قبل حوالى ربع قرن عندما فاز بنيامين نتنياهو العام 1996 برئاسة الحكومة، كان مثلهم شابا في الأربعينيات ابنا لواحد من أبرز مفكري اليمين هو بن تسيون نتنياهو، يجيء من إرث التاريخ المحمل بالكراهية للعرب ويترأس حزبا تعهد بإسقاط أوسلو وقد حانت الفرصة لفعل ذلك ووضعت كل الإمكانيات تحت تصرفه لتنفيذ برنامج غيئولا كوهين.

حينها أوقف المفاوضات ورفض لقاء ياسر عرفات، تصرف بعنجهية تشبه عنجهية ثنائي الصهيونية الدينية بن غفير وشريكه، فما كان من ياسر عرفات إلا أن يعالج الموقف بالصدمة وكانت انتفاضة النفق التي استعرض فيها الزعيم التاريخي القوة الفلسطينية، ليست القوة المسلحة بل قوة الإرادة والإصرار وجاهزية التحدي والاستعداد لفتح الصراع من جديد مهما كلف الثمن وأن ليس لدى الشعب الفلسطيني خيار ترف التنازل والتسليم بيمين مسكون بهواجسه الهاذية، لأن ذلك يعني القبول بالحياة الذليلة تحت الاحتلال للأبد والتفرغ لإحصاء دونمات الأراضي التي تتم سرقتها منهم يوميا.

أذكر حينها كيف صدم نتنياهو المستجد على السياسة عندما تلقى أول دروسها، وأذكر كيف جعلته الصدمة يتوسل للرئيس الأميركي آنذاك بيل كلنتون أن يجمعه بياسر عرفات وبسرعة. وفعلا تم اللقاء الذي كان محرما، تم بعد أن انكسر نتنياهو بل وكان هول المفاجأة يجعل نتنياهو جاهزا لأي شيء فقد تجددت المفاوضات وذهب أبعد من حزب العمل صاحب اتفاق أوسلو ليوقع على اتفاق واي ريفر وينسحب جزئيا من الخليل فيما عرف بالنبضة التي لم يفعلها شمعون بيريس «رجل السلام «.

هل كان هذا درسا كافيا جعل نتنياهو رجل سلام ؟ بالتأكيد لا، ولكنه جعله أقل جنونا حين أدرك الفرق الهائل بين نظرياته في كتابه الذي كان قد نشره قبل سنوات من وصوله آنذاك «مكان بين الأمم» الذي وصف فيه الضفة بأرض الآباء والأجداد تماما كما يقول بن غفير الآن وبين الواقع المعقد الذي يجلس فيه شعبنا منذ آلاف السنين رافضا مغادرة الجغرافيا والتاريخ رغم كل المحاولات.

يبدو أن حكومة الثنائي الجديد بحاجة إلى شيء كهذا كي تدرك أن التاريخ أكثر واقعية من الأحلام، وواضح أنها ستدفع نحو هذا السيناريو في بدايات حكمها حين تبدأ برنامجها في الضفة و القدس وسيكون الصدام، لكن هذه المرة بشكل أكبر لأن غزة ستدخل على الخط. لكن حكومة التطرف لا تعرف هذه المرة أن العالم من الخلف سيشجع الفلسطينيين على تأهيل حكومة نتنياهو الجديدة وسيكون مرناً حتى مع الفصائل المسلحة في غزة لأن له مصلحة في هذا التأهيل بسبب الإحراج الذي تسببه تلك الحكومة حتى للبيت الأبيض، ستنشأ مصلحة مشتركة للجميع بعقلنة هذه الحكومة والسياسة هي وليدة تقاطعات المصالح ..وهذا لن يكون بعيداً..!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد