نجاح دولة قطر في تنظيم المونديال بهذه الصورة المحكمة وغير المسبوقة أذهل الجميع. وحتى لو أن قطر قد أنفقت حوالي 220 مليار دولار، وكان الأكثر تكلفة على مستوى العالم، بفارق كبير جداً مع الرقم الأكبر الذي احتفظت فيه البرازيل وهو 15 مليار دولار عام 2014. صحيح أن الإيرادات المتوقعة من 8- 9 مليارات، ولكن الفائدة التي ستحصدها قطر على المستوى الاقتصادي ربما تكون كبيرة على المدى البعيد، خاصة وأن الاستثمار في البنية التحتية في الشوارع والجسور والفنادق وخطوط المترو والمطار والمدينة الجديدة والمنشآت الرياضية في قسم كبير يقع في خطة قطر 2030. والملاعب الفائضة عن الحاجة القطرية والتي كانت كلفة إنشائها حوالي 8 مليارات دولار ربما تستخدم لاحقاً في استضافة بطولات دولية كنهائي كأس أوروبا وغيرها. وكل محاولات التشويش على المونديال باتهام قطر بخرق حقوق الإنسان وخاصة حقوق العمال الوافدين وسواها لم تنجح، وبدأ المونديال بصورة مثيرة جداً للانطباع.
وبالنسبة لإسرائيل، كانت هناك توقعات كبيرة من المونديال بتعزيز التطبيع مع العالم العربي خاصة بعد السماح للمشجعين الإسرائيليين بالسفر إلى قطر واستخدام رحلات مباشرة من مطار بن غوريون إلى الدوحة. وكان يطلب من كل إسرائيلي أن يقوم بتعبئة طلب يذكر فيه تفاصيل تذكرة الطائرة وحجز الفندق وحجز تذكرة لمباراة واحدة على الأقل ليحصل على فيزا. وكانت التوقعات بسفر حوالي 20 ألف إسرائيلي لحضور المباريات والفعاليات المختلفة. وهذا يحدث لأول مرة، على الرغم من أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين تحايلوا على نظام التسجيل واستخدموا حجوزات تذاكر ملاعب لغيرهم لأكثر من مرة حتى يتفادوا دفع التذاكر، فبعضهم غير معني بالمباريات. ولكن السلطات الإسرائيلية وجهت تحذيرات وتعليمات للمسافرين حتى لا يكونوا عرضة للأذى. فعدا عن الخوف من قيام إيران باستهدافهم في قطر، كانت هناك خشية من العرب المعارضين للتطبيع. فمن التعليمات التي صدرت لهم عدم رفع الأعلام الاسرائيلية في الملاعب وعدم التحدث باللغة العربية في الأماكن العامة، حتى أنه قد طلب منهم عدم شرب الكحول. وما تصبو له اسرائيل هو فتح صفحة جديدة في العلاقة مع قطر من جانب والحصول على القبول والترحيب في العالم العربي من جانب آخر.
خيبة الإسرائيليين كانت في عدم قبول الجماهير لوجودهم وعدم الترحيب بهم، بل والإكثار من الإعراب عن التأييد للشعب الفلسطيني. وقد كان رفع الأعلام الفلسطينية لافتاً بصورة خاصة من مواطنين قطريين وعرب وحتى أجانب. وقد قوبلت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالرفض والمقاطعة حتى أن مراسل القناة 13 تحدث عن تنظيم مشجعين فلسطينيين احتجاجاً ضدهم وطالبوهم بالرحيل. والواضح أن هناك فرقاً شاسعاً بين التطبيع الذي تفعله الحكومات وبين الرأي العام العربي الرافض لقبول إسرائيل طالما هي دولة احتلال وتنكل بالشعب الفلسطيني. ويبدو أن الإسرائيليين ينسون التقارير الاخبارية اليومية التي تتحدث عن عمليات القتل اليومية والاجتياحات والاعتقالات وهدم البيوت واعتداءات المستوطنين ومصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني التي تستهدف الشعب الفلسطيني، والتي بدون شك تؤثر في توجهات المواطنين العرب من المحيط إلى الخليج.
وبدون شك تؤثر نتيجة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة على الموقف العام من إسرائيل اقليمياً ودولياً خاصة بعد فوز تيار الصهيونية- الدينية ليصبح الكتلة الثالثة في الكنيست ومن مكونات الحكومة القادمة الأساسية. وأصحاب هذا التيار، وداعمهم الرئيس بنيامين نتنياهو المكلف برئاسة الحكومة، يرفضون فكرة التسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني ويدعون إلى ضم أجزاء من الأرضي المحتلة ورض القانون الإسرائيلي عليها وتهجير الفلسطينيين وممارسة سياسة التمييز العنصري ضدهم، بطريقة لا تفتح أي مجال للتعايش بين الجانبين بل الذهاب نحو مواجهة مفتوحة، وصراع دموي. والمواطن العربي يراقب ويتفاعل مع هذه التطورات وبالذات في وسائل التواصل الاجتماعي المليئة بالدعوات الرافضة للتطبيع مع إسرائيل. وعليه فإن نتائج اتفاقات "أبراهام" التطبيعية ليست أفضل حالاً من نتائج الاتفاقات مع مصر والأردن والتي لم تؤد إلى التطبيع مع الشعبين المصري والأردني.
ولكن رفض قبول الإسرائيليين لا يثني السلطات الإسرائيلية عن جهودها بدفع قضية التطبيع وخاصة مع قطر والسعودية. ويتشجع الإسرائيليون من حقيقة أن قطر فتحت مكتباً قنصلياً مؤقتاً لمعالجة أمور سفر الإسرائيليين ووجودهم خلال المونديال. وأن قطر تقيم علاقات مع إسرائيل بصورة مباشرة حتى لو لم تكن رسمية. والتطور المهم الذي حصل مؤخراً في العلاقة مع قطر كان في موافقة قطر السرية على فتح مكاتب للتجار الإسرائيليين في إطار إقامة منطقة حرة لتجارة الماس والذهب. وكانت قطر قد طالبت بالانضمام إلى مجلس الماس العالمي وميثاق كيمبرلي، والأمر كان بحاجة لموافقة إسرائيل وقد حصلت الموافقة والطريق أصبحت مفتوحة أمام قطر، بعد مصادقة المجلس. ولكن الثمن هو اتفاق اقتصادي مع قطر يناقض معارضة قطر لاتفاقات "ابراهام".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية