ما أن هبت رياح التغيير في المنطقة العربية، حتى وصلت بشائرها إلى قطاع غزة المحاصر. وصارت الثورة المصرية تحديداً أيقونة مقدسة لإعادة الروح لجسد غزة الميت إكلينيكياً منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007. حتى إذا جاءت الثورات المضادة إلى المنطقة مجدداً عاد الحصار إلى قطاع غزة بشكل أكبر. وظل المواطن الفلسطيني في غزة يعاني ويلات دمار هائل خلفته حروب ثلاثة لم تجد فيها نصيراً حقيقياً تجاه عدو لا يعرف غير الدم. وظل المواطن حبيساً بين فكي حلفاء توحدوا ضد مشروع تقوده سلطة الأمر الواقع المتمثلة في حماس كأحد رموز الإسلام السياسي في المنطقة العربية ومات المواطن بين بحور الدم والمرض والحصار.
ربما أخطأت حماس حين اعتقدت بإمكانية عودة الإخوان إلى سدة الحكم بعد هيمنة العسكر على الكنانة. فأعملت مؤسساتها الإعلامية لنصرة ذلك الجسد الهش المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين والذي يعتبر الحاضن لحركة حماس، ففشل الإخوان في العودة إلى سدة الحكم وكذلك فشلت معه حماس في حماية قوتها، خصوصاً بعد خسارتها لأحد أهم حلفائها وهو النظام السوري وإيران ومن يدور في فلكهما. كما تأثرت قوة حماس بشكل كبير بعد الحرب الأخيرة الطاحنة التي تمت بمباركة بعض الأنظمة العربية، وربما بتمويل من تلك الأنظمة أيضاً.
ونظراً لأن التحالفات اليوم في المنطقة تعاني هشاشة واضحة، فقد تغير حال الأنظمة ونظرتها تجاه حركة حماس. خصوصاً بعد وفاة الملك عبد الله وتسلم الملك سلمان الحكم في المملكة السعودية. ولقد عجلت عملية عاصفة الحزم بإنضاج تلك العلاقات بين الطرفين، فتورط السعودية في حربها مع الحوثيين في اليمن سيدفع بتحالف مستمر مع قيادات الإخوان وربما يصل مصر ذاتها. وذلك في سبيل إيقاف التمدد الشيعي على تخوم الحدود السعودية.
أما على صعيد آخر، فإن عداء السلطة الفلسطينية ومصر لحماس والإخوان دفع كلتاهما للتحالف لإسقاط المشروع الحمساوي بأي ثمن. وحين فشلا في ذلك، تدخل العالم لإنقاذ إسرائيل التي بات أمنها في خطر، خصوصاً سكان المستوطنات الجنوبية المحاذية للقطاع والتي تشكل عبئاً على دولة الاحتلال حال هروب سكانها إلى تل أبيب ومدن اخرى. وكذلك توقف الملاحة الجوية والبحرية في دولة الاحتلال، لذلك توجب منع قطاع غزة من الانفجار.
لقد أدرك الطرفان –السلطة وجمهورية السيسي- متأخراً أن الغرب تقودهم أمريكا لا يعينهم سوى أمن إسرائيل وإسرائيل فقط. وهما اليوم يحاولان ركوب الموجة من خلال فتح مصر ل معبر رفح وإدخال البضائع التجارية. كذلك إدعاء السلطة لقيامها بدور الوسيط لعقد اتفاقية تهدئة بغزة.
فمصر إن تم نجاح مشروع ميناء غزة، ستخسر (2 مليار دولار) كانت تجبيهما من تجارتها مع القطاع. كذلك ستسخر دورها الريادي تجاه فلسطين لأن البوصلة اليوم تتمثل في غزة. أما عن السلطة، فهناك تخوفات حقيقية من تحويل أموال الضرائب لمالية حماس التي ما زالت تسيطر على قطاع غزة، الأمر الذي سيكلف السلطة ثمناً باهظاً للغاية حال حدوث ذلك فإسرائيل أبلغت السلطة من أنها المسؤولة عن ذلك لتنصلها عن تملك زمام الأمور في غزة وحل مشاكلها.
ربما نشهد في الأيام القادمة زيارة لما يسمى -حكومة الوفاق- إلى قطاع غزة لممارسة مهامها الشكلي والمؤقت حتى تجني شيئاً من الكعكة التي فاحت رائحتها. وكي لا تخسر ما كانت تجبيه من ضرائب كانت تكفي جميع موظفي غزة و رام الله بالإضافة إلى الموازنات التشغيلية للوزارات التي تعمل دون أي شيكل يدخل موزنتها من تلك الحكومة.
غزة تتجه نحو التهدئة التي قد تمتد لأكثر من خمس سنوات ستحاول خلالها حركة حماس تعزيز قوتها الأمنية والعسكرية والسياسية كطرف قوي له تأثير قد يفوق منظمة التحرير وكذلك إسرائيل ستسعى لتطوير قبتها الحديدية ومنظومتها الأمنية وكذلك ستسعى لتطوير منظومتها في كشف الأنفاق التي وصلت الأراضي المحتلة داخل فلسطين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية