لم يفطر الرئيس عباس على شق تمرة او كوب لبن في العاصمة عمان قبل أيام، بل كسر صيامه على تطمينات من ملك الاردن، بأن الموقف العربي موحد بأهمية الحفاظ على السلطة الفلسطينية من الانهيار، وأنه سيم الحفاظ على الهدوء في مدينة القدس ، وعلى الوضع القائم، ولا مزيد من الاستفزازات لمشاعر المسلمين، وأن السماح للجماعات الإسلامية والمسلحة في الضفة الغربية بالعمل بحرية هو بمثابة رصاصة الرحمة على ما تبقى من اتفاق أوسلو في ظل أوضاع متوترة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة .
حَمل الرئيس عباس في حقيبته خلال زيارته إلى الاردن مجموعة من التخوفات، باحثاً عن بريقٌ من التطمينات، بعد لقاء القمة في قصر الاتحادية الذي جمع مصر والاردن والإمارات، الذين يبحثون عن مستقبلاً للقضية الفلسطينية بعيداً عن الانجرار إلى موجة من العنف وتبادل إطلاق النار.
ليس الصدام مع الإسرائيليين وحدة ما يثير الرئيس عباس بل هناك تخوفات أكبر وأعمق لها علاقة مباشرة بالأزمة الداخلية التي تعيشها حركة فتح، التي تستعد لعقد المؤتمر الثامن لحركة فتح، والرئيس البالغ من العمر 85 عاماً لا زال مُتمسكاً بنتائج اتفاق أوسلو، ومحافظاً على الارث الممتد منذ عام 2005، والذي حمل شعار المقاومة الشعبية والتنسيق الأمني، في ظل رفض اسرائيلي للدخول في معركة تفاوضية جديدة وهي بالأساس ترفض عقد أي لقاء مع الرئيس عباس، وتُفضل الحلول الاقتصادية على الحلول السياسية.
دواعي حراك الرئيس عباس الأخير متعددة الأغراض، إلا أنه جاء لحفظ ماء الوجه، وإن كان ذلك الحِراك المتأخر يحمل تقصيراً في تبني سياسة المواجهة من أجل الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، فمدينة القدس يَحكمها أبنائها المخلصين المُدافعين عنها، وأمام سطوة الاحتلال الاسرائيلي والاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى، يجد الرئيس عباس نفسه في مأزق وأمام سؤال كبير ما الحل؟
لا يملك الرئيس عباس حلاً سحرياً، سوى أنه يُجري مجموعة من الاتصالات مع بعض رؤساء الدول العربية والمبعوث الاوروبي والأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام للأمم المتحدة، وتحذيرهم بضرورة الحفاظ على الوضع القائم، وضمان حرية العبادة والتنقل للمسلمين في المدينة.
مجموعة من البيانات والتصريحات المبنية للمجهول حسب ما تحدث الدكتور محمد اشتيه، لا تمنع اسرائيل من القيام بما تخطط له في المدينة المقدسة، وفي ظل حكومة يمينية متطرفة، تجد ضالتها في مواصلة الاقتحامات والاستفزازات لمشاعر المسلمين خاصة في رمضان ومع اقتراب أعيادهم.
مشهد الاستقرار الأمني في الضفة الغربية هو ما تسعى السلطة الفلسطينية للحفاظ علية، وعدم فتح الباب أمام قيادات المخيمات الفلسطينية المُسلحة، وبعض الجماعات الاسلامية من فرض سيطرتها على المخيمات والمدن الفلسطينية في الضفة واستغلال حالات التوتر الامني، وذلك ما كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي، أن الرئيس عباس، التقى، نهاية الأسبوع الماضي، رونين بار رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي، في ضوء التوتّرات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال في المسجد الأقصى.
واستعداداً للمؤتمر الفتحاوي، الذي يأتي في ظل صراع الجغرافيا مع الحرس القديم في حركة فتح، والمتمثل في الرجوب والعالول وعباس زكي والطيراوي، في وقت تطفو على السطح شخصيات جديدة مُقربة من وزير الشئون المدنية حسين الشيخ ، تبحث لها عن مكانة تحت الشمس في ظل الصراعات الخفية الممتدة بين محافظات الضفة الغربية، وتبحث لها عن موطئ قدم في قطاع غزة، المُنقسم تنظيمياً بين الحرس القديم والحرس الجديد.
بات واضحاً أن هناك تقارب فتحاوي من نوع أخر، يفتح الباب أمام وحدة حركة فتح، فقد نظم أنصار دحلان مهرجاناً خطابياً في قطاع غزة، بمناسبة يوم الأسير وذكرى مرور 20 عاماً على اعتقال مروان البرغوثي، واحياء للذكرى الـ34 لاغتيال خليل الوزير أبوجهاد، طالب فيه نجل البرغوثي أمام عشرة آلاف من أنصار دحلان في غزة، بتوحيد حركة فتح، ما أثاره نجل البرغوثي هو تجديد خط الأزمة من خلال فتح باب التكهنات أمام اقامة العلاقات التنظيمية الداخلية والخارجية، وتجديد صراع التحالفات الانتخابية بصيغتها التشريعية، أو التحالفات الانتخابية بصيغتها التنظيمية داخل رواق حركة فتح.
ما يخشاه الرئيس أن يتوحد المفصولين والمظلومين والمضطهدين، ويُصبحوا قوة تُنافس المُقربين منه على مناصب اللجنة المركزية بأدوات انتخابية وثورية تمتد من مخيمات الضفة الغربية، إلى رافضي التمييز العنصري ما بين كوادر حركة فتح في الضفة وغزة.
صناعة الصراعات داخل اللجنة المركزية في حركة فتح، على المناصب السيادية وأمانة سرها، دون الالتفات نحو توحيدها حتماً سيؤدي إلى هدم المعبد فوق الرؤوس.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية