منذ أن استقالت عضو الكنيست عيديت سيلمان من حزب «يمينا» الذي يتزعمه نفتالي بينيت رئيس الحكومة الإسرائيلية، فقد الائتلاف الحكومي الأغلبية الضئيلة التي كان يتمتع بها وهي النصف زائد واحد من عدد أعضاء البرلمان (61 صوتاً من أصل 120). وأصبح لدى الحكومة 60 عضو كنيست فقط، بمعنى أنها غير قادرة على سن أو تمرير أي قانون دون الحصول على دعم من المعارضة. وهذا على ما يبدو غير وارد في هذه المرحلة. وقد لا تسقط الحكومة خلال الأشهر المتبقية حتى نهاية العام، أي حتى موعد إقرار الموازنة العامة للدولة، ولكن بشرط التزام جميع أعضاء الائتلاف بالتصويت لصالح الحكومة، وعدم انسحاب أي عضو كنيست والانضمام للمعارضة على غرار ما فعلته سيلمان التي كانت تشغل رئيسة الائتلاف في الكنيست.
نفتالي بينيت يقاتل من أجل البقاء، وهو مستعد لفعل أي شيء حتى لا يغادر أي عضو من حزبه وينضم لحزب «الليكود» الذي يمارس ضغوطاً هائلة على عدد من أعضاء الكنيست من حزب «يمينا»، ومن أحزاب أخرى من أجل إسقاط الحكومة. حيث تظهر استطلاعات الرأي أن «الليكود» يتصدر قائمة الأحزاب في أي انتخابات قادمة، وهناك احتمال أن يتمكن بنيامين نتنياهو من تولي منصب رئيس الحكومة القادمة في حال انهار الائتلاف. ويتوقع أن يعود نتنياهو بصورة أقوى وقد يتفكك و يتلاشى حزب «يمينا»، وكذلك حزب جدعون ساعر «أمل جديد». حتى لو كانت الأحزاب التي في المعارضة اليوم غير قادرة على تشكيل حكومة حسب التركيبة الحالية بسبب موقف «القائمة العربية المشتركة»، فاحتمال حدوث تطورات سياسية مفاجئة أمر وارد، خاصة من جهة رئيس «أزرق- أبيض» بيني غانتس الذي قد ينضم إلى نتنياهو.
هناك أعضاء آخرون من حزب «يمينا» يهددون بالانفصال والخروج من الائتلاف إذا لم تلبِ الحكومة مطالبهم، وعلى رأسهم نير أورباخ الذي يطالب بدعم الإسكان العائلي لطلبة المدارس الدينية والمصادقة على 4000 وحدة استيطانية جديدة في الضفة المحتلة، وربط المستوطنات المصنفة «غير قانونية» بشبكة الكهرباء. وقد استجاب بينيت لمطالب أورباخ هذا من خلال الضغط على وزير الأمن «الدفاع» غانتس بعقد لجنة التنظيم للمصادقة على المشاريع الاستيطانية، وقد وعد الأخير بذلك.
غير أن المخاطر التي تهدد بقاء حكومة بينيت لا تقتصر فقط على الانسحاب من ائتلافه، بل هناك خطر إضافي ملموس يتمثل في العمليات الفلسطينية التي تضرب العمق الإسرائيلي. وهذه العمليات تظهر عجز الحكومة عن التصدي لها وحتى الرد عليها بصورة قد تمنعها. فالطابع الغالب عليها يتمثل في كونها عمليات فردية لا تخضع لتنظيمات معينة، وقسم منها نفذه مواطنون من الداخل وليس من الضفة. وتعترف الأوساط الأمنية الإسرائيلية بعدم قدرتها على التنبؤ بهذه العمليات وإحباطها. ويعاني بينيت من اتهامه بالضعف والعجز في مواجهة الهجمات الفلسطينية، وأنه لا يسيطر على الوضع، وفي المقابل يظهر تنازلات للفلسطينيين بالسماح باستمرار «التسهيلات».
بينيت الذي يصارع من أجل البقاء في الحكم اختار أن يدفع الثمن بالعملة الفلسطينية علّها تنقذه ولو إلى حين. وبعد أن أقنع وزير الحرب بالبدء بعملية المصادقة على البناء الاستيطاني، يذهب الآن نحو عمليات تصعيد خطيرة ضد الفلسطينيين في الضفة المحتلة، حيث يتم التركيز على محافظة جنين كعنوان للاستهداف. وهناك تحضيرات لعملية اجتياح قد تطال المخيم وأحياء من المدينة في محاولة لرد الاعتبار لحكومته الآيلة للانهيار. وفي الواقع تشهد الضفة أعمال قتل يومية تنفذها وحدات جيش الاحتلال التي أثبتت فشلها في حماية مركز إسرائيل الحيوي من الهجمات الفلسطينية. والقتل هذا يطال النساء والأطفال بأوامر واضحة من وزير الحرب ورئيس الحكومة اللذين منحا قوات الأمن رخصة القتل دون حدود.
السياسة التي يتبعها بينيت تقوم على ممارسة أقصى القوة مع الفلسطينيين، في محاولة لردعهم ومنعهم من القيام بعمليات على غرار ما حصل خلال الأيام الماضية، ومعاقبة المناطق التي ينطلق منها منفذو العمليات كما يجري في جنين. وفي نفس الوقت عدم القيام بعقوبات تشمل جميع المناطق وجميع الفلسطينيين كما اعتادت إسرائيل على ذلك طوال السنوات الماضية. والسبب في العقوبات الجزئية هو توصيات الجهات الأمنية التي تعتقد أن العقوبات الجماعية الشاملة ستزيد من التوتر والمواجهات مع الفلسطينيين، وهو ما لا يريده بينيت وشركاؤه في الحكومة في هذه المرحلة. ومشكلة الحكومة تكمن في عدم وجود ضمانات لنجاح سياستها. وهناك صعوبة جدية في اعتماد خطط استيطانية جديدة بسبب معارضة الولايات المتحدة وعلى الأغلب ستذهب الحكومة لإعلان المصادقة على خطة، والتنفيذ يتم التباطؤ فيه بالتنسيق مع واشنطن لضمان عدم سقوط الائتلاف.
أما فيما يتعلق بالعدوان الإرهابي على الشعب الفلسطيني، فعلى الأغلب سيقود إلى نتائج عكسية، وكما فشلت الحكومات الإسرائيلية السابقة في القضاء على المقاومة الفلسطينية ستفشل هذه المرة أيضاً إجراءات حكومة بينيت، التي على ما يبدو لا تفهم بعد كل هذه العقود من الاحتلال أن الأمن مرتبط بالسلام، وأن السلام يقوم على حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد