تشير تصريحات قادة إسرائيل، إلى أنّ التوصّل إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني بات قريباً جداً، كافة هذه التصريحات تعرب عن قلقها، وبعضها إدانتها للرئيس الأميركي جو بايدن، لتوجه إدارته لإبرام هذه الاتفاق، في وقت ذكرت فيه تقارير إسرائيلية موازية أنّ إسرائيل لم تتلق رداً أميركياً للموافقة على الحصول على ضوء أخضر من واشنطن لتنفيذ عمليات سرية ضد إيران، مع اعتراف أنّ الجهود الإسرائيلية التي بذلت للتأثير على الاتفاق قد فشلت، بما في ذلك الضغط على ضرورة موافقة الكونغرس على الاتفاق النووي حتى يصبح نافذاً، باعتبار ذلك يمنع عملياً إدارة بايدن من إبرامه.
وإذا ما راجعنا هذه التصريحات والتقارير المتعلقة بالملف النووي الإيراني من الجانب الإسرائيلي، للاحظنا بسهولة أنّها تصدر عن رئيس الحكومة بينيت وأحياناً وزير الحرب غانتس ووزراء وقيادات أخرى، لكن هناك غياباً كاملاً تقريباً لوزير الخارجية يائير لابيد، وما ذكرناه في الفقرة السابقة، أحد الأدلّة على غياب وزير الخارجية وطاقم وزارته عن القيام بالمهام والصلاحيات الموكلة له ولها.
واقع الأمر أن تردّي الأوضاع لدى وزارة الخارجية الإسرائيلية بدأ قبل تسلّم لابيد هذه الحقيبة وتحديداً منذ أن تسلّم رئيس الحكومة السابق نتنياهو الذي احتفظ بهذه الوزارة مع رئاسته للحكومة، فقد أحال مهامها لطاقمه في رئاسة الحكومة بدلاً من دعم وزارة الخارجية، ويلاحظ في هذا السياق، أنّ هناك إنجازات حققتها السياسة الإسرائيلية الخارجية أثناء رئاسة نتنياهو للحكومة، كالتطبيع العربي وإقامة علاقات جديدة وواسعة مع دول القارة الافريقية، إلاّ أنّ متابعة هذه الإنجازات تشير إلى توفّر شروط ليس لها علاقة مباشرة بنتنياهو ووزارة خارجيته، كوصول الرئيس الأميركي ترامب إلى البيت الأبيض ودور المؤسسة الأمنية والاستخبارية التي لعبت دوراً تمهيدياً لإحراز هذه الإنجازات، وإذا عدنا إلى الوراء لوجدنا أنّ جهود المؤسسات الأمنية كانت العامل الأهم في تحقيق كل ما تقدّم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ضرورة أن يكون هناك ترابط بين مختلف الجهات إلاّ أنّ دور هذه المؤسسات كان الأبرز على حساب وزارة الخارجية.
الأوساط الإسرائيلية، تشير إلى أنّ نتنياهو نجح في تحويل جهود قادة الأمن والاستخبارات وتوجهات الرئيس ترامب إلى انتصارات شخصية له، في حين أنّ لابيد بدوره يجني ثمار ما تمّ من إنجازات سياسية سبقت توليه حقيبة الخارجية، وربما ما يفسّر تقاعس لابيد عن القيام بمهامه الأساسية يعود إلى تردّي علاقته مع إدارة بايدن، فقد سبق وأن أعلن عن موافقته على فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية لتقديم خدماتها للفلسطينيين في حين رفض رئيس الحكومة بينيت ذلك، إلاّ أنّ لابيد أرجع موافقته إلى ما بعد إقرار الميزانية، لكنه تراجع بعد أن تمّ هذا الإقرار، ما دفع وزير الخارجية الأميركي بلينكن إلى الحديث عن نية واشنطن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية بوجود لابيد إلى جانبه خلال لقائهما في واشنطن خريف العام الماضي، في إشارة تحدّثت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية باعتبار أنّ بلينكن يشير إلى أنّ لابيد نجح في تضليله والكذب عليه، الأمر الذي لا يوفّر مصداقية يجب أن تكون بين الحلفاء، وهو الأمر الذي يمكن أن يفسّر توجيه الدعم السياسي الأميركي للسياسة الإسرائيلية عبر قنوات تتجاوز لابيد ووزارته خاصة عبر وزير الحرب غانتس.
ومن المرجّح أن تقف إسرائيل من خلال وزارة خارجيتها إلى جانب الولايات المتحدة إزاء تداعيات الأزمة الأوكرانية – الروسية، إلاّ أنّ ذلك يتطلب ما تشير إليه بعض الأوساط إلى "السير على البيض" لكي لا تسيء إسرائيل بموقفها هذا إلى العلاقة مع روسيا، وهناك شكوك بأنّ لابيد ووزارته على قدر هذه المسؤولية الدقيقة.
إلاّ أنّ غياب وزارة الخارجية الإسرائيلية عن القيام بمهامها لا يعود إلى الأسباب التي ذكرناها آنفاً حسب بعض الآراء التي تعيد هذا التعطيل في دور الوزارة إلى سببٍ أساسي يتمثّل في معاناتها من أزمة مالية، حيث إنّ هناك عجزاً في ميزانيتها يصل إلى 400 مليون شيكل بسبب التقليصات التي تمت في عهد نتنياهو، وهو ما أدّى إلى تراجع دورها، مع ذلك فإن الانتقادات اللاذعة من قبل أوساط موزونة لاتزال تنتقد الأداء غير الفعّال لوزارة لابيد!.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية