يستغرب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أنه لم يحصل على ربع أصوات اليهود في الولايات المتحدة، ويذهب أبعد من ذلك قائلاً: «اليهود في أميركا لا يحبون إسرائيل».
فقد عمل كل شيء لإسرائيل وأعطى أكثر مما طلبت حتى وتفاخر بأنه أكثر الرؤساء خدمة لها، وفي النهاية يمكن القول إن أصوات اليهود هي من أسقطت الرئيس الجمهوري غير العاقل لأن الكثير من الولايات تقاربت فيها الأصوات لصالح منافسه بايدن وفاز بأصوات قليلة، وفعلاً لو صوت يهود أميركا لترامب في تلك الولايات ربما لكان قد فاز.
بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة أجري استطلاع لصالح منظمة «جي ستريت» وهي منظمة يهودية أميركية مؤيدة للسلام أظهر أن 77% من اليهود صوتوا لصالح الرئيس بايدن فيما حاز ترامب فقط على 21% من الأصوات، وهو اللغز الذي لم يفهمه حتى الآن الرئيس الذي وضع نفسه خادماً لإسرائيل ليعترف لها بالجولان و القدس وحاصر إيران، وأكثر من ذلك عززها بالقرارات التي صدرت تباعاً ضد الفلسطينيين، ومع هذا فقد دعم يهود أميركا خصمه وأسقطوه.
والحقيقة أن تلك لم تكن مفاجأة لترامب وحده بل لجميع المراقبين الذين يعتقدون أن الغطاء الذي وفره ترامب لتل أبيب كان مدعاة لأن يتمسك به كل مؤيد لإسرائيل، إذا في المسألة ما يثير الانتباه.
في مقابلة مع صحيفة «عامي» الأسبوعية التي تصدر من بروكلين في نيويورك قال ترامب إنه لو كان اليهود الأميركيون أكثر ارتباطاً بإسرائيل لكان قد نال دعماً من عدد أكبر منهم، وهنا ربما بيت القصيد الذي يحمل ما هو جديد وهي حقيقة لا يمكن تجاهلها في سياق قراءة العلاقة بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة.
وإذا كان ترامب قد أصيب بالمفاجأة فإن هذه المفاجأة يجب أن تصيب إسرائيل بالقلق، فقد تشير تلك النتائج إلى قدر من عدم اهتمام يهود الولايات المتحدة بإسرائيل ولقدر من التباعد وإن كان  يحدث منذ سنوات بشكل هادئ ولكننا بحاجة إلى نتيجة بهذا القدر كي نرى الظاهرة التي باتت مؤكدة.
حتى اليوم اعتبرت إسرائيل أن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة هي الذخر الاستراتيجي بالنسبة لها، إذ حتى سنوات قليلة كانت الجالية الأكبر في العالم وحتى أكثر من اليهود في اسرائيل قبل أن ينكسر الميزان لصالح اسرائيل في العقد الأخير بل إن تأثير اليهود واللوبي اليهودي في واشنطن اعتبر سلاح اسرائيل الأقوى في التأثير على الدولة الأقوى في العالم والتي تعتبر بمثابة شركة تأمين سياسية وأمنية لإسرائيل تمكنت من توفير غطاء لكل جرائمها، واستطاع اللوبي التأثير على أعضاء الكونغرس والخارجية والدفاع وعلى الرئيس كما حصل مع ترامب وتمكن من توفير تأييد ورأي عام لصالح اسرائيل بشكل لم يكن يسمح بذكر أي معارضة أو انتقاد بل تسابق لصالح دعم اسرائيل.
لم نشهد أي معارضة للسلوك الاسرائيلي في الولايات المتحدة، وعلى امتداد عقود ماضية أصيب الفلسطيني باليأس من أي صوت لصالحه في تلك الدولة التي كان يجري الحديث عن سيطرة اسرائيل عليها، لكن ما شهدناه من تظاهرات الشهر الماضي يعتبر تطوراً غير مسبوق ومفاجئا تماماً كما مفاجأة ترامب، والأهم أنها لم تكن تظاهرات عابرة، فقد صدرت الأسبوع الماضي بيانات عن 15 نقابة للعمال والمعلمين والمحامين وجمعيات أميركية كلها تدين اسرائيل وتصفها بأنها دولة فصل عنصري في تطور مهم يستخدم مصطلحات «التطهير العرقي».
بل إن نقابة عمال ولاية فيرمونت اعتبرت أن كل ذلك تم بسبب المساعدات الأميركية البالغة 3.8 مليار دولار والدعم السياسي الذي تقدمه الإدارات الأميركية المتعاقبة لدولة الاحتلال كما سماها البيان.
كذلك استخدمت نقابة معلمي مدينة سياتل نفس المصطلحات وكذلك نقابة المعلمين في مدينة فرانسيسكو ورابطة المدرسين من حملة درجة البروفسور في حراك غير مسبوق تشهده النقابات والفعاليات الأميركية، وهو تطور لا يجدي معه تجنيد أعضاء كونغرس أو استمالة مسؤولين، لأن المسؤولين هم من يحتاجون للنقابات وهذا ما أدركه النشطاء والمؤيدون في الولايات المتحدة الذين راقبوا سيطرة اللوبي على الطبقة السياسية ليلتفوا لها من خلال النقابات والتي ستفعل فعلها في التأثير على تلك الطبقة التي تحتاجهم للتصويت.
إسرائيل منذ سنوات تجري دراسات يشوبها قدر كبير من القلق حول وضع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، وقد أجمعت تلك الدراسات والتي نشر بعضها في مجلة «قضايا إسرائيلية» التي يصدرها مركز «مدار» للدراسات الإسرائيلية، وظهر الخطر الأبرز حول مصير يهدد الجالية وتأييدها لإسرائيل وهو الزواج المختلط واندماج الجالية وخروجها من مجتمع الغيتو وبروز جيل جديد متحرر من إرث الماضي والدعاية القديمة وجيل باهتمامات مختلفة تقع إسرائيل في أسفل سلم تلك الاهتمامات، ويشير بعض الإحصائيات إلى أن الزواج المختلط يصل إلى حدود 80%.
المسألة الأخرى هي أن اسرائيل التي كانت تحكمها قيادة علمانية كانت قادرة على احتواء تناقضات اليهودية، ولكن شهدنا انزياح اسرائيل نحو الدين والقيادة اليمينية ما يعني سيادة اليهودية الأرثوذكسية في الدولة فيما يهود الولايات المتحدة هم من اليهودية المحافظة.
ومع سيادة القوانين الأرثوذكسية التي تم تشريعها في الكنيست أصبح هناك تباعد كبير لدرجة أن صرخ أحد قيادات الجالية اليهودية ذات مرة في نائبة وزيرة الهجرة في زيارتها لواشنطن قائلاً: «ما الذي تفعلونه؟ إنكم تخسروننا».
ومن هنا كانت تبرز منظمات موازية ومعارضة لإيباك الذي أخذ يخفت لصالح منظمات يسارية مثل «السلام الآن» و»جي ستريت» أكثر تأييداً للحقوق الفلسطينية.
واللافت أن المعارضة المتنامية لإسرائيل في الحزب الديمقراطي يتزعمها يهودي هو السناتور بيرني ساندرز، ما يعطي مشروعية كبيرة لانتقاد إسرائيل والعمل ضد الاحتلال.
وإذا تمكن نتنياهو من الحفاظ على تجنيد الرئيس الأميركي والحفاظ على ولاء ودور الايباك فإن وصول شخصية مثل نفتالي بينيت ينتمي للصهيونية الدينية الأكثر أرثوذكسية من نتنياهو والليكود سيزيد الهوة بين يهود إسرائيل ويهود أميركا ...عوامل كثيرة وتطورات جديدة ربما تجعل من مقولة ترامب «إن يهود أميركا لا يحبون إسرائيل» هي مقولة قريبة من الواقع ولكنها شديدة الأهمية إذ ت فتح على تغيرات هائلة قد تغير الكثير من وقائع التاريخ.
 

المصدر : وكالة سوا

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد