دأبت حركة حماس على القول أن العلاقة مع بعض الجماعات السلفية الجهادية في قطاع غزة مرتبطة بمدى التزام تلك الجماعات بالتفاهمات التي جرت بينهما و اقترابها وابتعادها عن العبث والتدخل في الساحة الغزية ومحاولة فرض تلك الجماعات الشريعة الإسلامية واتهامها لحركة حماس بعدم الالتزام بتطبيق الشريعة وحدودها، ومنعها من القيام بعمليات جهادية انطلاقا من قطاع غزة أو اطلاق الصواريخ والسماح لها بالقيام بنشاطاتها الدعوية بحرية والترخيص لمؤسساتها ومساجدها، و بإقامة مواقع تدريب أسوة بباقي فصائل المقاومة الفلسطينية.
خلال الأعوام السابقة كانت العلاقة بين حركة حماس بتلك الجماعات وما زالت علاقة صراع و تناقض وتنافس على من يحكم بأصول الدين، وشهدت العلاقة صعود وهبوط وغض البصر احيان والتشديد والمتابعة الدقيقة أحيانا أخرى، كما شهدت العلاقة وضع عبوات ناسفة في أماكن خاصة وعامة وقتل مواطنين أبرياء، ووقعت مواجهات مسلحة عنيفة قتل فيها عدد من الطرفين واعتقال وملاحقة واستدعاء عدد كبير من السلفيين وبعضهم تمت محاكمتهم أمام محاكم عسكرية وصلت حكم الاعدام لبضعهم، وبعد فترة من الزمن كانت تجري مصالحات ومراجعات فكرية لبعض منهم ويتم الافراج عنهم ولم يمضوا فترات حكمهم.
وكانت العلاقة وما زالت تطفوا على السطح وتخبوا فجأة لكن يبقى فتيل الزيت مشتعل إلى ان يتحول إلى قنبلة متوسطة الانفجار أو شديدة الإنفجار كما جرى في العام 2009، مع إمام مسجد إبن تيمية في رفح الشيخ عبد اللطيف موسى الذي أعلن عن إمارة رفح وأدت إلى مقتله، وكما حدث مع المجموعة السلفية التي قامت باختطاف المتضامن الإيطالي وقتله، وتم محاكمة عدد منهم بإحكام مختلفة.
وظل الخلاف والإتهامات قائمة بين الطرفين، وفي عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي شهدت العلاقة تطور إيجابي بالتوصل الى تفاهمات، وشهدت العلاقة فترة من الهدوء النسبي وغض الطرف عن نشاطات الجماعات السلفية الجهادية طالما لم يتدخلوا بشكل منفرد في أعمال المقاومة أو التدخل في شؤون الناس، إلى أن ظهر تنظيم الدولة الإسلامية داعش وبدأت العلاقات في السوء بعد مبايعة عدد ليس قليل من بعض الجماعات السلفية داعش، وكان للمسيرة التي انطلقت في غزة قبل عدة أشهر ومبايعة عدد من الشباب السلفي تنظيم داعش علناً وأحداث اليرموك تأثير سلبي للعلاقة بين حماس والجماعات السلفية الجهادية، وبعد إتهام الاجهزة الامنية في غزة و إعتقال أفراد منهم للتحقيق معهم حول وضع عبوات ناسفة في اماكن عامة.
الخلاف الجاري الآن بين حركة حماس وبعض المجموعات السلفية ليس جديد، و المواجهة قادمة أجلاً أو عاجلاً، وعدم مواجهتها منذ البداية بحكمة سواء تمنينا حصولها أو عدم حصولها، فالأسباب قائمة و التعامل الأمني مع أزمات غزة بما فيها الأزمة مع بعض من مجموعات السلفية الجهادية سيعمق الأزمة، والتفجيرات التي وقعت في أنحاء مختلفة من قطاع غزة أمس وخلال الفترة السابقة يجب توضيحها والإعلان عن مرتكبيها بشفافية وتقديم الجناة للعدالة وعرضهم أمام المحاكم النظامية وليست العسكرية، وعدم الطبطبة ولملمة الخلاف القائم بين حماس وأجهزتها الأمنية وتلك الجماعات بذريعة التفاهمات التي تمت قبل سنوات بين الطرفين لن يحل الأزمة، إنما سيضاعفها.
المعالجة الأمنية ضرورية كما المعالجة والمراجعة الفكرية، لكن ليس من قبل مشايخ بالأصل بعض منهم متطرفين وبحاجة إلى علاج، ويزايدوا على أولئك الشباب بتطبيق الشريعة، الحل بإشراك المجتمع والفصائل الفلسطينية، وما يجري من عنف سواء من تلك الجماعات أو غيرها هو نتيجة استدعاء داعش خلال السنوات الماضية والأشهر القليلة الماضية فضحت ذلك بتهديد المجتمع وتخويفه.
التطرف الفكري والفتاوى السريعة والتعليم في بعض الجامعات والمدارس ودروس العلم والفقه والدين الحزبي والنصوص المفصلة والمفسرة على المقاس، وخطباء ومعلمين يفصلون الدين على أهوائهم، والإنقسام والتفرد والتطرف والإقصاء والتخوين والتكفير وغياب الحريات والتعددية وعدم قبول الآخر والتسامح كل ذلك نتيجة متوقعة، و مواجهة أي عبث بأمن وسلامة المواطنين و المجتمع وتكفيره يجب أن يواجه بالقانون وإقامة العدل و العدالة و سيادة القانون على الجميع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية