أحيا فلسطينيو مناطق 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ذكرى يوم النكبة ، على أرض قرية «الحدثة» المدمرة قرب بحيرة طبريا ومدينتها، وهو إحياء سنوي تقليدي، تذكيراً بالنكبة التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني بطرد وتشريد نصفه، وتمزيق جغرافية وطنه بعد احتلال ثلثي أراضيه قبل استكمال مشروع الاحتلال لكامل أرض فلسطين عام 1967، وتمسكاً بحق العودة إلى القرى والمدن التي تم تشريدهم منها وطردهم عنها، واستعادة ممتلكاتهم فيها وعنها ومنها، وهي رسالة موجهة للمجتمع الإسرائيلي برمته، على أن شعب هذه البلاد ما زال جزء منه موجوداً على أرضه، ومتمسك ببقائه، ويناضل مدنياً وسلمياً وحضارياً وديمقراطياً لاستعادة حقوقه الكاملة غير المنقوصة، وأن هذه الحقوق لن تموت بتقادم الزمن، وأن موازين القوى لصالح المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المتفوق، لن تجعل الشعب الضعيف بإمكاناته الاستسلام لمعطيات الواقع الراهن، والاستكانة لتفوق الآخر والرضوخ لعنصريته وفاشيته وشهوته التوسعية، بل أن حقيقتين ناصعتين، تجعل نتنياهو وفريقه وتياره وقواعده الانتخابية وحلفاءه، كلما دققوا في الواقع الإنساني على خارطة أرض فلسطين، وكلما تذكروا أن شرعيتهم حصلوا عليها من الأمم المتحدة، تجعلهم يشاهدون الحقيقة الأولى وهي أن نصف الشعب العربي الفلسطيني ما زال مقيماً صامداً ثابتاً على أرض وطنه فلسطين سواء في مناطق 1948 أو في مناطق 1967، وأن خيار هؤلاء وأولئك، هو خيار واحد لا غيره وهو البقاء على أرض وطنهم الذي لا وطن لهم سواه، وأن تجربتي النكبة 1948 والنكسة 1967، لن تتكررا، فكل المآسي والمجازر والجرائم التي اقترفها جيش الاحتلال والمستوطنون لجعل الأرض الفلسطينية طاردة لشعبها لن تدفع فلسطينياً واحداً نحو الرحيل أو الاستجابة للتوسعية العدوانية الصهيونية الإسرائيلية المتطرفة.

والحقيقة الثانية أن قرارات الأمم المتحدة التي صاغها المجتمع الدولي والشرعية الدولية هي الحكم الفيصل بين المشروعين: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي والمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، فالقرارات 181 بشأن التقسيم، و194 لحق العودة، و242 بالانسحاب وعدم الضم هي التي تحكم وستحكم الصراع على الأرض والمفاوضات على الطاولة، وهي المرجعية التفاوضية للطرفين المتصارعين على الأرض الواحدة، وأن كلاً منهما فشل في إنهاء الآخر أو إقصائه.
مبادرة أهل الداخل، المكون الثالث للشعب الفلسطيني، إلى جانب المكون الثاني أهل الضفة و القدس والقطاع، مع المكون الأول أبناء اللاجئين في بلدان الشتات والمنافي، مجرد خطوات تراكمية حسية على الطريق الطويل، مهما بدا طويلاً وشاقاً وصعباً، ولكن مسيرة هذا الشعب متواصلة بلا توقف، مهما بدت بطيئة للبعض، ولكنها تراكمية إضافية حازمة. كل مكون من المكونات الفلسطينية الثلاثة يؤدي دوره في سياق المجرى الطبيعي والجمعي، الكفاحي الإنساني السياسي القانوني لاستعادة حقوق هذا الشعب غير القابلة للتبديد أو التلاشي أو الاندثار.
فإذا كان بعض اليهود يتطلعون وفق نظرية الحركة الصهيونية وثقافتها وبرنامجها وتحريضها، على العودة إلى إسرائيل، فالشعب الفلسطيني يتعلم من برنامج عدوه ويحفزه للتمسك بالعودة من المنفى إلى وطنه فلسطين، واستعادة ممتلكاته فيها ومنها وعليها، تلك هي الثقافة الوجدانية والعملية للإنسان الفلسطيني الذي يعيش ويتحرك وفلسطين تسكنه ولا تنفصل عنه.
لجنة المتابعة العليا للوسط العربي الفلسطيني في مناطق 48، وهي بمثابة القيادة المركزية واليومية لفلسطينيي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ومعها ومن ضمنها قيادة القوى السياسية والقائمة البرلمانية المشتركة العربية اليهودية وضعت برنامج عملها الكفاحي للحفاظ على هذا التقليد السنوي، خاصة يوم الأرض في آذار ويوم النكبة في أيار، لإبراز عناوين احتياجاتها وأولوياتها النضالية في مسألتي وقضيتي المساواة والعودة، إضافة إلى حق فلسطينيي الضفة والقدس والقطاع بالاستقلال، ما يعكس الترابط بين المكونات الفلسطينية الثلاثة، في رفض التمييز العنصري في مناطق 48، ورفض الاحتلال والاستيطان في مناطق 67، وفي رفض استمرار اللجوء وتشرد اللاجئين، وأن ما جرى لأبناء اللاجئين في سورية اليوم وما جرى لهم في العراق وليبيا وحتى في الكويت، يدلل أنه لا خيار ولا استقرار ولا أمن للفلسطيني إلا بالعودة إلى وطنه فلسطين، حيث لا وطن له سواه، وأن المنفى والتشرد إنما هو تجسيد معلن وعملي للمحرقة الفلسطينية، وسببها أولئك الذين عانوا من المحرقة في أوروبا على أيدي النازيين والفاشيين.
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد