تتصاعد وتيرة الحرب الخفية بين إسرائيل وإيران، وهي وإن كانت غير معلنة بشكل واضح وصريح، فالتسريبات التي تأتي من واشنطن وإسرائيل حولها تؤكد أنها باتت تتوسع وتأخذ أشكالاً أكثر حدة قد تؤدي إلى مواجهة واسعة وربما شاملة، وهذا ما باتت تحذر منه أوساط إسرائيلية عديدة، فالتفجير الذي حصل في منشأة نطنز النووية الإيرانية وهو الثاني الذي يحدث في هذا الموقع خلال عام، حيث حصل الأول في شهر تموز من العام الماضي، ليس نادراً ومعزولاً عن سلسلة من الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت المواقع والقوات الإيرانية والموالية لإيران في سورية، بل وتلك التي تعرضت لها السفن الإيرانية في البحر المتوسط والتي قيل أنها كانت تنقل النفط المهرب لسورية لصالح الحرس الثوري، بما في ذلك بعض السفن التي كانت تحمل عتاداً عسكرياً- حسب المصادر الإسرائيلية، وآخرها مهاجمة السفينة «سافيز» في يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، التي كانت راسية قبالة اليمن والتي قالت مصادر إسرائيلية أنها تعود للحرس الثوري وكانت تجمع معلومات عن السفن السعودية التي تعمل ضد الحوثيين. وقد نشرت الصحيفة الأميركية «نيويورك تايمز» خبراً مفاده أن إسرائيل تقف وراء هذا الهجوم. وإسرائيل بدورها لم تنف الخبر.
في السابق لم تكن إسرائيل معنية بنشر أي معلومات تشير إلى مسؤوليتها عن هذه الهجمات، حتى أن التسريبات التي حصلت من قبل الصحافة الأميركية قيل عنها أنها تستهدف تحريض الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن ضد إسرائيل. ولكن مع الوقت بدأت إسرائيل نفسها تسرب الأخبار بشكل مقصود، وأهم تسريب في الواقع هو ما تم بشأن المسؤولية الإسرائيلية عن التفجير في المنشأة النووية نطنز. وقد اتهم وزير الحرب بيني غانتس المقربين من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بهذا التسريب. ومن الواضح أن نتنياهو كان يقصد تبيان أن هذا من فعل إسرائيل لأسبابه الخاصة. فإسرائيل تحت قيادة نتنياهو تخوض حرباً ايديولوجية واستراتيجية ضد إيران في كل الأماكن التي تتواجد فيها قوات إيرانية، في سورية والعراق والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط وحتى في إيران نفسها، حيث عمليات التفجير في المنشآت النووية واغتيال علماء الذرة الإيرانيين وأهمهم محسن فخري زادة المعروف بأنه أبو المشروع النووي الإيراني. ولكن لنتنياهو أهدافاً أخرى داخلية. فهو يريد أن يثبت لكل الإسرائيليين أنه سيد الأمن وأكثر القادة دفاعاً عن مصالح إسرائيل وأمنها، وهذا يخدمه انتخابياً كما يخدمه في تشكيل الحكومة.
أما الأهداف الأخرى الخارجية فعلى رأسها محاولة تخريب فرصة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، حيث أن الولايات المتحدة أعلنت أنها تريد العودة إليه وأنها متمسكة به، وقد بدأت فعلاً المباحثات الدولية مع إيران حول العودة للاتفاق، وهناك وساطات لحل مشكلة الشروط المتبادلة بين واشنطن وطهران وأسبقية الالتزام الإيراني بشروط الاتفاق أم رفع العقوبات الأميركية أولاً. وقد أعلنت إسرائيل أكثر من مرة رفضها فكرة العودة إلى الاتفاق «خمسة زائد واحد» مع إيران. وهي تريد تضمينه مسألة تطوير الصواريخ الإيرانية والتدخلات الإيرانية في العديد من بلدان العالم وخاصة في سورية ولبنان والعراق واليمن.
بعض المحللين الإسرائيليين يعتقدون أن نتنياهو استخدم الحرب ضد إيران لتجنيد نفتالي بينت للانضمام لحكومته طبعاً بالإضافة إلى إغراءات أخرى كثيرة قدمها للأخير. وهناك من يرى أن نتنياهو ربما يذهب إلى حرب مع إيران لضمان تشكيل حكومة طوارئ في حال عجزه عن تركيب حكومة من أطراف اليمين الإسرائيلي. وبناء على هذا التحليل، وهو بلا شك يحتمل الصواب، فربما تكون موافقة بينيت وإعلانه الأخير عن نيته الانضمام لحكومة اليمين، التي يريد نتنياهو تشكيلها، مرتبطة بالمعلومات التي يقدمها نتنياهو لبينيت حول الحرب الخفية مع إيران واحتمالات التصعيد وربما الحرب الواسعة معها. ولا تزال أمامه مهمة اقناع «الصهيونية- الدينية» بزعامة بتسليل سموتريتش وإيتمار بن غفير بقبول فكرة الانضمام لحكومة تدعمها «القائمة العربية الموحدة» (الحركة الإسلامية الجنوبية) من الخارج. وبعد الحصول على موافقة بينيت أصبحت مهمته أسهل، وهو قد يلجأ إلى حاخامات الصهيونية- الدينية لضمان موافقة الكتلة على الدخول في حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي. طبعاً نتنياهو مطمئن لدعم «القائمة العربية الموحدة» التي قدم رئيسها بعض المطالب التي تبدو مقبولة على نتنياهو وزعماء اليمين كشرط لدعم حكومة نتنياهو.
وبالرغم من الفوائد التي يجنيها نتنياهو وإسرائيل عموماً من الحرب شبه العلنية على إيران إلا أن وزير الحرب غانتس ورئيس هيئة أركان الجيش وحتى رئيس «الموساد» باتوا يتحفظون على توسيع نطاق الحرب مع إيران وخاصة في البحر بالنظر إلى عدم امتلاك إسرائيل لأسطول بحري يمكنها من العمل بعيداً عن حدودها وخاصة في البحر الأحمر وربما في الخليج. ويمكن لحرب السفن أن تؤذي إسرائيل أكثر من إيران بالنظر إلى أن معظم صادرات وواردات إسرائيل تمر عبر خطوط الملاحة التي لإيران قدرة في التأثير عليها. والشيء الآخر المهم في هذا السياق هو الموقف الأميركي من هذه الحرب. فواشنطن تحاول الاتفاق مع إيران وليس الصراع معها. وبدون تعاون وتنسيق بين إسرائيل والولايات المتحدة لا يمكن لإسرائيل أن تخوض حرباً واسعة من هذا القبيل والتي قد تبدو مناقضة لموقف الإدارة الأميركية.
المصدر : وكالة سوا
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية