نبارك أولاً، لديمقراطية "بيرزيت" التي جعلت من انتخاباتها السنوية استطلاعاً للرأي العام. وأكبر دليل على ذلك هذا الاهتمام الجماهيري والإعلامي بها.
ثانياً - نتمنّى أن تعي الكتل الطلابية وأطرها السياسية أن الديمقراطية كلٌّ متكامل لا يمكن تجزئته وفق المصلحة أو المنفعة... متطلعين إلى أن تصل ديمقراطية "بيرزيت" إلى قلب غزة ... ونرى انتخابات حرّة ديمقراطية شفافة في مؤسسات التعليم العالي كلها.
ثالثاً - لا يوجد أغبى من صوت يقول إن هذه الانتخابات لا قيمة لها؛ لأنها تمثل شباباً صغار السن... مثل هذا الادعاء من ناطق باسم "فتح" يعبر عن جهلٌ فاضح بحقيقة الأوضاع أو انسياق إلى مزيد من الضعف والارتباك في صفوف الحركة إذا لم تتعلم من هذا الدرس القاسي.
رابعاً - نعجب لموقف " حماس " التي تتحدث عن إنجازات... وعندما تخسر في الانتخابات، فلديها أجندة كاملة من المبررات أولها تدخل الأجهزة الأمنية وليس آخرها التنسيق الأمني... .
في المقابل، أدعو إلى أن تكون هذه الانتخابات حافزاً لتغيير سياسة إعلامية جهوية أقل ما يقال عنها إنها رديئة.
والآن دعونا نتحدث بلغة الأرقام عن سبب هزيمة حركة الشبيبة، وسنبدأ هنا بطلبة السنة الأولى وهم الأكثر تأثراً بالخارج بمعنى الوضع السياسي، والمزاج العام تجاه السلطة الوطنية... طلبة السنة الأولى يقترعون في صندوقين: الأول في قاعة الشهيد كمال ناصر، والثاني في كلية الآداب.
في العام الماضي حصلت الشبيبة الفتحاوية على 766 صوتاً مقابل 446 صوتاً لكتلة "حماس" أي بفارق 320 صوتاً لصالح الشبيبة، ولكن في هذا العام تراجعت الشبيبة بفارق 29 صوتاً وحصلت على 763 صوتاً، في ما حصلت كتلة الوفاء "حماس" على 792 صوتاً. أما في الصندوق الثاني للطلبة الجدد في كلية الآداب فقد حازت الشبيبة العام الماضي 661 صوتاً مقابل 460 صوتاً لـ"حماس"، أي بفارق 201 صوت لصالح الشبيبة. في هذا العام خسرت الشبيبة بفارق 93 صوتاً وحصلت على 566 صوتاً مقابل 659 صوتاً لكتلة الوفاء "حماس".
وفي لقاءات واستفسارات من عدد من الطلبة، فإن الوضع السياسي والاقتصادي بمعنى المزاج الشعبي العام هو العامل الأول، إضافة إلى أن الشبيبة الطلابية لم تقدم للطلبة الجدد الذين قارب عددهم هذا العام 3000 طالب أي خدمات نقابية يمكن أن تكون حافزاً للطالب الجديد لتغيير بعض قناعاته. وربما كان للعدوان على غزة وطريقة الدعاية العسكرية في الجامعة تأثيرٌ أيضاً في هذا الاتجاه.
من النقاط الأخرى في هذا السياق، عدم وجود خطاب إعلامي فتحاوي منطقي يخاطب مشاكل الشباب وقضاياهم، وما زال بعض الفتحاويين يتعامل مع هذا المخزون الهائل بنوع من الفوقية... إضافة إلى الخلافات الفتحاوية الداخلية... وهناك أسباب أُخرى يصعب سردها في هذا المجال.
أما بالنسبة للطلبة القدامى، وهم الأقل تأثراً بالوضع الخارجي (خارج الجامعة) وأكثر اهتماماً بالقضايا النقابية والحراك داخل الجامعة... فقد جاءت نتائجهم على النحو الآتي:
صندوق كلية التجارة ويقترع فيه طلبة السنة الخامسة، وهم بالأساس طلبة الهندسة والمتأخرون من الكليات الأخرى، فقد حصلت كتلة الشبيبة هذا العام على 343 صوتاً مقابل 644 صوتاً لكتلة الوفاء، أي بفارق 301 صوت لصالح كتلة "حماس"، علماً أن نتائج هذا الصندوق في العام الماضي كانت 275 صوتاً لحماس مقابل 414 صوتاً للشبيبة، أي أن الشبيبة كان قد تفوقت بـ 129 صوتاً.
وبالنسبة لصندوق كلية العلوم وهو لطلبة السنة الرابعة والثالثة فقد جاءت النتائج على النحو الآتي:
حصلت كتلة الوفاء "حماس" على 552 صوتاً مقابل 353 صوتاً للشبيبة الفتحاوية، أي بفارق 194 صوتاً لصالح كتلة "حماس" في ما حصلت الشبيبة العام الماضي على 356 صوتاً مقابل 354 صوتاً لـ "حماس" أي بفارق صوتين لصالح الشبيبة الفتحاوية.
أما في صندوق كلية الهندسة وهو لطلبة السنة الثالثة والثانية فقد جاءت النتائج على النحو الآتي:
حصلت الشبيبة الفتحاوية على 518 صوتاً، وكتلة الوفاء "حماس" على 753 صوتاً بفارق 235 صوتاً لصالح "حماس"، في ما حصلت الشبيبة الفتحاوية العام الماضي على 387 صوتاً مقابل 372 صوتاً لـ "حماس" أي بفارق 15 صوتاً لصالح "فتح".
بلغت نسبة التصويت العام الماضي 71.6% في ما وصلت هذا العام إلى 77%، علماً أن عدد الطلبة زاد هذا العام بما يقارب 3000 طالب.. في النتيجة حصلت حماس على فائض أصوات قدره 1253 صوتاً، وإذا ما تمت قسمتها على 135 صوتاً يمثل كل مقعد فيها عدد المقاعد الستة التي حصلت عليها "حماس"، فهذا يعني أن "فتح" خسرت أربعة مقاعد عن العام الماضي فيما خسر اليسار مقعدين.
أما عدم تصويت الطلبة بشكل عام، فيعود إلى مجموعة من الأخطاء التي ربما ارتكبتها حركة فتح، ومنها إلحاق الجامعات بالأقاليم، وهنا لا يمكن تفسير ما هي علاقة الإقليم بالحياة الأكاديمية للطالب أولاً، وثانياً كيف يمكن للإقليم أن يؤثر في تغيير آراء وأفكار الطلبة خلال يومين أو حتى أسبوعين قبل الانتخابات؟.
وعلى حد قول إحدى الطالبات، كيف سيؤثر علي والدي إذا ما اتصل به أحدهم يحثه على أن نصوت لهذه الكتلة أو تلك...
أستاذ جامعي أحتفظ باسمه لدي قال: إن أحد الطلبة أكد له أن أحد الذين شاركوا في الدعاية الانتخابية من خارج الجامعة هو صاحب محل تجاري... فكيف نفسر ذلك.
في السنوات الماضية كنت شاهداً على الانتخابات، حينها كان الخارج أبعد قليلاً عنها، ولم يكن يزج نفسه بها بشكل مباشر، ولذلك كانت النتائج أفضل، ولدي كثير من الأدلة لمن يرغب.
وفي هذا العام لم تتم استشارة أو حتى طلب المساعدة بكافة أشكالها الديمقراطية والمشروعة من أي من العاملين المحسوبين على "فتح" في الجامعة... ولم يتم حتى إعلام قيادة "فتح" في الجامعة بكل "طبخة" هذه الانتخابات... لماذا؟ ومن اتخذ هذا القرار؟. حتى الدعاية الإعلامية واختيار المُناظر والأخطاء التي وقعت في هذا المجال، ولعل صورة الفتاة التي تحمل راية "حماس" كان لها تأثير مدمر... سبب حجب أصوات كثيرة...، ولا ادري لماذا رفعت صورة دحلان وهنية وما هو الهدف من ذلك.
ربما الحل أن تكون الحركة الطلابية من مسؤولية اتحاد طلبة فلسطين المشلول والميت الذي لا نعرف لمصلحة مَن تم دفن جثمانه منذ سنوات طويلة... ويجب أن تكون للشبيبة الفتحاوية وللطلبة الشباب والصغار الدور الأول والأهم... والاستشارات فقط من الخارج... .
بالمجمل، فإن ما حصل في "بيرزيت" هو ناقوس خطر، فهل ستعتبر حركة فتح، هل ستغير، هل سيعاد النظر في لغة المصالح؟... أي ربما لو نجحت الشبيبة لكان للفوز مائة أب، أما الخسارة فقد يتحملها مجموعة من الطلبة الصغار... .
أما عن لجنة التحقيق التي قيل عن تشكيلها، فالأسباب أكثر من واضحة ولا تحتاج إلى لجنة تحقيق، فقط اسألوا الطلبة واستطلعوا آراءهم... واستنيروا بآراء أساتذة وموظفين أكثر أهمية مما يعتقد البعض، ولهم دورهم الوطني والفتحاوي الأصيل... ممن تم تهميشهم...
شكراً ل جامعة بيرزيت قلعة الديمقراطية والتعددية، ونعم للغيورين الذين بشجاعة سيعملون على التغيير من أجل مستقبل شعبنا، وحتى لا نرى "داعش" بعد سنوات قليلة تدق أبوابنا.

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد