صحفي اسرائيلي يكتب.. أبو مازن في الفخ الحمساوي

القدس / سوا / أحد نشطاء فتح المعروفين، والذي يقطن حالياً في رام الله ، اعتاد على زيارة عائلته في قطاع غزة كل بضعة أسابيع، مثله مثل الكثيرين من زملائه الذين فروا من القطاع أثناء (الانقلاب) الذي قامت به حماس في العام 2007 ويشعر أيضاً ومنذ قيام حكومة الوفاق الفلسطينية (يونيو 2014) بأنه لا خطر على حياته، في رحلته الأخيرة الى غزة حظي بزيارة مفاجئة قام بها إسماعيل هنية رئيس مكتب حماس السياسي في قطاع غزة، طالباً ان يقابله خصيصاً، وحضر الى بيت عائلته.


"ربما تستطيع ان تشرح لنا ما الذي يريده أبو مازن؟" سأله هنية، رجل فتح الذي تحدث عن هذا الحوار للمونيتور شعر وكأنه واقع بين المطرقة والسنديان؛ فمن جهة الشخص الذي ترأس حكومة حماس جامله وأطرى عليه كثيراً وطلب منه ان يساعده في التعرف على كوامن قلب رئيس منظمة التحرير، ومن الجهة الأخرى يشعر بالمسؤولية والالتزام الأعمق لرئيس السلطة الفلسطينية.


"أعطوه كل ما طلب" واصل هنية محاولاً ان يستخلص منه تفسيراً "ولكنه ما يزال يضع الصعوبات، ويبدو غير معني بمواصلة عملية المصالحة معنا، لماذا؟"، رجل فتح قال انه لا يعرف بالضبط ما الذي يحرك أبا مازن، وحمل اسرائيل مسؤولية الأزمة بين الجانبين ومساعدي عباس المقربين، ولكن التفسير الحقيقي ظل دفيناً في نفسه.


الدم الفاسد بين حماس والسلطة بلغ مستويات لم تٌعهد منذ إقامة حكومة الوحدة، ثمانية أعوام منذ طرد قادة السلطة صاغرين من قطاع غزة، في لقاء مع صحيفة "كل العرب" الأسبوع الماضي (4 ابريل) اتهم أبو مازن قادة حماس بأنهم يمنعون إجراء الانتخابات في قطاع غزة والضفة، ووضع العراقيل أمام المصالحة الفلسطينية الداخلية، وقبلها بأسبوع أذهل رئيس السلطة سامعيه في مؤتمر وزراء الخارجية في شرم الشيخ (28 مارس) عندما اشتكى كون الدول العربية لم تتحرك بإصرار في غزة لضرب حماس بيد من حديد عندما قام التنظيم بالانقلاب في غزة.


لكن المعركة بين فتح وحماس لا علاقة مباشرة لها الآن بالانقلاب، قادة حماس لا ينكرون ان كتائب عز الدين القسام طردت بالقوة الأجهزة الأمنية الفلسطينية وسيطرت على مؤسسات الحكم في القطاع، ولكن قضية الانقلاب قد انتهت في الحقيقة في اليوم الذي أقيمت فيه حكومة الوفاق الفلسطيني وأبدى الطرفان رغبتهما في رأب الصدع وأعلنا انهما فتحا صفحة جديدة، وفق اتفاق المصالحة الذي أقيمت على إثره حكومة الوفاق في يونيو 2014 كان من المفترض ان تشكل لجنة مشتركة تجهز السلطة الفلسطينية للتوجه للانتخابات خلال ستة شهور؛ فترة انتهت بقدوم العام 2015.


في الأسابيع الأخيرة، وسيما بعد دعوة أبي مازن للتدخل الخارجي في قطاع غزة، خلصت حماس الى ان التفسير الوحيد للوضع والتصريحات هو ان عباس يحاول التملص بأي طريقة من إجراء الانتخابات في السلطة الفلسطينية، سامي أبو زهري المتحدث باسم الحركة في غزة قال في الـ 2 من ابريل ان "أبا مازن انتخب بموافقة الفصائل الفلسطينية لمنصب الرئيس لمدة محددة، انتهت فترة صلاحياته، وعليه ان يعرف حدوده".


أبو مازن الذي انتخب في انتخابات ديمقراطية لمنصبه بعد وفاة ياسر عرفات (2004) ما يزال يشغل منصبه منذ حوالي عقد من الزمن، إجراء انتخابات الآن في ذروة عملية دبلوماسية للاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية قد يكون الأمر صعباً جداً عليه من عدة نواحي، حتى إن فاز أبو مازن فيها بأغلبية ساحقة فإن الانتخابات في السلطة ستجعل من حماس جزءاً رسمياً في الحكم الفلسطيني وبشكل علني، في وضع كهذا لن يضطر أبو مازن لأن يدرس مطالب حماس للمشاركة في الحكم وتحديد سياسات السلطة الخارجية فحسب؛ وإنما قد يستبعد مؤيدين تقليديين للعملية في الأمم المتحدة، والذي يخطط لها بإحكام منذ وقت طويل.


لكن أبو مازن يخشى من عدو آخر يتربص به من كل زاوية، وينتظر بشغف فرصة العودة الى الحلبة، محمد دحلان مبغوض رئيس حركة فتح، والذي يجمع في الأشهر الأخيرة المزيد ثم المزيد من المؤيدين في أوساط جماهيرية واسعة في الضفة وغزة، دحلان الذي دشن بنفسه عملية مصالحة تاريخية مع حماس لا ينوي الجلوس مكتوف اليدين في حال جرت الانتخابات في السلطة الفلسطينية، ومن شأنه ان يمثل تهديداً حقيقياً على انتخاب عباس لفترة رئاسية أخرى، جند دحلان في العام المنصرم عشرات ملايين الدولارات في دول الخليج، وبالأموال التي كان يفترض ان توزع على الفقراء في الضفة وغزة اشترى دحلان لنفسه مكانة المنقذ.


محمد دحلان يخطط تخطيطاً محكماً ليعود الى الحلبة، في الفترة الأخيرة التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ويمهد لنفسه طريق العودة الى حركة فتح التي طرد منها بتعليمات من عباس، ومن غير الواضح إذا ما كانت خطواته هذه كافية في هذه المرحلة لتجلب له التأييد الذي يهدد بشكل كبير مكانة الرئيس عباس، ولكن عندما يقول دحلان على المكشوف في لقاء مع مجلة "نيوزويك" الأمريكية (2 مارس) انه ينوي التنافس أمام أبي مازن "إذا جرت المفاوضات غداً فسأعود"، لن يسمح له ان يركب مخاطر لا لزوم لها.


ساعة يخطط الفلسطينيون للتوجه الى الأمم المتحدة، وبينما يعود أبو مازن والقادة الفلسطينيون ويهددون بالتوجه الى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي في قضايا كثيرة، والجمود في اتفاق المصالحة بين فتح وحماس يقحم عباس في الفخ؛ فمن ناحية وبعدم إجراء الانتخابات فإن مكانته القانونية كرئيس للسلطة يواجه علامات استفهام، ولكن من الناحية الأخرى يخشى من ان حماس قد تستغل ثانية المسيرة الديمقراطية التي هرسوها بالعنف قبل ثماني سنوات، والى ذلك فليس لديه الكثير من الوقت ليتلكأ.


كشخص يرغب بالقيام بخطوات تاريخية في العام القريب؛ سيكون مضطراً لأن يحسم عدداً من نقاط الانطلاق بشأن صورة الدولة الفلسطينية التي ينوي تأسيسها بدعم من الأمم المتحدة: هل ستكون ديمقراطية؟ وهل ستشمل قطاع غزة، حتى وإن مثلت حماس جزءاً رسمياً من نظام الحكم فيها؟

نقلا عن المونيتور العبري

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد