صادق البرلمان الإسرائيلي « الكنيست » أول من أمس، على اقتراح حل الوسط الذي طرحه عضو الكنيست تسفي هاوزر بتأجيل التصويت على الموازنة العامة لإسرائيل لمدة 120 يوماً، وهذا يعني أن شبح الانتخابات المبكرة في إسرائيل قد تم إبعاده لفترة قد تصل حتى نهاية العام. وكان يمكن أن يحل الكنيست نفسه أمس (الخامس والعشرون من آب) لو لم يتم تأجيل المصادقة على الموازنة. وتمثل الخلاف الجوهري بين أطراف الائتلاف الحاكم، «الليكود» من جهة و»أزرق- أبيض» من الجهة الأخرى، في رفض رئيس الحكومة إقرار موازنة لمدة عامين حسب الاتفاق الائتلافي بين الطرفين وإصراره بدلاً من ذلك على موازنة لعام واحد، وهو ما يفهمه بيني غانتس زعيم «أزرق- أبيض» بأنه الحيلولة دون وصوله لرئاسة الحكومة بالتناوب بعد عام ونصف على تشكيل الحكومة، حيث من المستحيل أن ينجح «أزرق- أبيض» بتمرير موازنة جديدة بعد انقضاء العام، وبهذا يحل الكنيست نفسه وتذهب إسرائيل لانتخابات جديدة.
في الواقع استطاع نتنياهو بالموافقة على حل الوسط هذا أن يضمن استمرار الحكومة لمدة أربعة شهور دون الذهاب لانتخابات جديدة، وبهذا هو يشتري الوقت دون تقديم تنازلات لاختيار الظرف المناسب لحل الحكومة، وعندها قد يلجأ لتشكيل حكومة ضيقة إذا استطاع الحصول على دعم 61 عضو كنيست، أو اختيار الانتخابات المبكرة إذا اعتقد أنه سيفوز مع ائتلاف اليمين بأغلبية مستقرة. والسؤال هنا لماذا لم يختر نتنياهو حل الكنيست والانتخابات الآن؟
    هناك أسباب عديدة وراء عدم التسرع بالسير نحو الانتخابات، أهمها أن استطلاعات الرأي بغالبيتها تمنح ائتلاف اليمين الذي يضم «الليكود» و»يمينا» بزعامة نفتالي بينت وحركتي «شاس» و «يهدوت هتوراه» الأصوليتين تفوقاً محدوداً لا يتجاوز ثلاثة مقاعد، بمعنى أنه قد يعود لنفس المشكلة التي واكبت جولات الانتخابات الثلاث الماضية، أي عدم حصول ائتلاف اليمين على 61 مقعداً أو أكثر لتشكيل حكومة. كما أن هناك مشكلات صعبة ومعقدة تواجه نتنياهو، منها الفشل في إدارة أزمة كورونا والوضع الاقتصادي المتدهور، والقضايا المرفوعة ضده في المحكمة الإسرائيلية بتهم الرشوة والفساد وخيانة الأمانة، وأخيراً احتمال حصول الإمارات على صفقة سلاح أميركي متطور للغاية يشمل طائرات 35 F التي قيل إن نتنياهو قد وافق عليها سراً مقابل اتفاق التطبيع مع الإمارات. وكل تطور في أي قضية من هذه المذكورة يمكن أن يقضي على فرصه في تشكيل حكومة جديدة.
وبالرغم من التهليل للتطبيع مع الإمارات لم يستطع نتنياهو أن يستفيد من الاتفاق بزيادة نسبة المصوتين له، بل الصحيح هو أن هذا الاتفاق قد يكون السبب في إزاحته إذا استطاعت أبو ظبي أن تمتلك طائرات F35، وحسب ما نشر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، يتضح أن نتنياهو ضالع في التحضير لصفقة الأسلحة للإمارات، فرئيس جهاز «الموساد» حاول اقناع وزارة الدفاع بالموافقة على صفقة السلاح بعلم ودعم نتنياهو، ولكنه لم يفلح في ذلك بسبب معارضة الجيش الشديدة خوفاً من فقدان التفوق النوعي وخوفاً من تسرب المعلومات الحساسة الخاصة بالأسلحة بالغة التطور لجهات معادية. وفي هذا السياق يتوقع جاريد كوشنر مستشار الرئيس ترامب أن فرصة الإمارات في الحصول على الطائرات قد ازدادت مع التوقيع على اتفاق التطبيع مع إسرائيل. وإذا تمت الصفقة فإن التحقيق مع نتنياهو سيتشعب، ليس فقط حول موافقته على تزود الإمارات بالطائرات التي لا تملكها سوى إسرائيل في المنطقة وأنه يضحي بمصالح إسرائيل مقابل مصلحته الشخصية وبقائه السياسي، بل سي فتح هذا الباب أمام عودة ملف الغواصات الألمانية التي حصلت عليها مصر، وقيل إن نتنياهو وافق على الصفقة دون علم ومصادقة الجيش، وهو ما يعني فتح النار على نتنياهو في أكثر القضايا حساسية. وهنا ليس فقط الفساد بل المساس بأمن إسرائيل وبيعه بثمن شخصي.
نتنياهو لا يريد المغامرة بتقديم موعد الانتخابات حتى يرى ما يمكن أن يحصل في الشهور القادمة على مستوى هذه القضايا الداخلية الملتهبة، وأيضاً على مستوى ما يمكن أن يحصل في الانتخابات الأميركية التي إذا اتفقت نتائجها مع استطلاعات الرأي الحالية في الولايات المتحدة سيفقد حليفه الرئيس دونالد ترامب، وقد يفقد الجمهوريون الأغلبية في مجلس الشيوخ، كذلك بمعنى أنه سيكون في مواجهة مع إدارة أميركية جديدة لا ترغب في رؤية صفقة ترامب ولا ترغب في قيام إسرائيل بأي خطوات أحادية الجانب، وبالتالي أفضل لنتنياهو أن يتفق مع شريكه في الائتلاف الحاكم بيني غانتس، ويمرر على الأقل السنة والنصف الأولى قبل التناوب من الذهاب لانتخابات قد تؤدي إلى خروجه من الحلبة السياسية والزج به في السجن دون فرصة للمقايضة بين بقائه في موقع سياسي وبين الحبس. وهو في الواقع يعيش ظرفاً صعباً لأنه لم ينجح في تغيير طريقة اختيار المناصب العليا في الدولة مثل المدعي العام والمستشار القضائي للحكومة، لأنه لم يلتزم بشقه الخاص من الاتفاق مع «أزرق- أبيض» حول الموازنة، وبالتالي سيبقى يواجه أدوات الدولة القضائية التي يعتبرها معادية له لأنها تصر على محاكمته دون أية تسهيلات وتنازلات.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد