على مدى أحقاب التاريخ المتعاقبة، كان الشرق الأوسط والبلدان العربية بالذات، ساحة صراع أجندات نفوذٍ كبرى، وكان دور سكانه العرب إما ملحقا ثانويا لهذه الأجندات أو ضحية أكيدة لها.
وعلى مر التاريخ شهدت المنطقة العربية انقسامات كثيرة، إلا أن أكثر الانقسامات تأثيرا في مصائرها هو الجنوح نحو التطرف والاتجاه نحو الاعتدال، وكانت النتيجة البديهية لكل ذلك هو تراجع النفوذ والدور على صعيد معسكر الاعتدال، وتوليد المآسي والكوارث على صعيد معسكر التطرف، الذي كان يسمي نفسه تارة بالثوري ودائما بالتقدمي المعادي للإمبريالية والاستعمار.
وظلت الأمور تتراكم عقودا طويلة وجرت خلالها انتكاسات كثيرة وسالت دماء وتمزقت أوطان ومجتمعات، وسقطت عواصم في قبضة محتلين واقتطعت أراضٍ وتبدلت جغرافيات، إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن ولا لزوم للحديث تفصيلا عن المصائب التي نكابدها في كل ركن من أركان عالمنا العربي، فمن لا تقع على أرضه مجازر وانفجارات وانهيارات، يشعر بالقلق على مصيره كما لو أن العرب انقسموا إلى قسمين؛ قسم يدفع الاستحقاقات المتراكمة عليه، وقسم يحاول النأي بنفسه عن الكارثة المتسلسلة الحلقات التي تقف على أبوابه، وهذه الحالة التي تبدو بديهية لو أحسنا قراءة حركة التاريخ، ضغطت بقوة وإلحاح على الذين يتحملون مسؤولية رئيسية في درء الخطر عن شعوبهم وكياناتهم في زمن لا مجال فيه للحياة والأمان إلا للقوة بكل مكوناتها وأشكالها، وحين يدق الخطر أبواب الكيانات الرئيسية في عالمنا العربي، فإن تهديدا مصيريا يلم بالجميع بصرف النظر عن الجغرافيات والنظم والثقافات.
وهذا الذي نحن فيه أملى وبإلحاح شديد إعادة النظر في سياسات ومناهج عمل وصياغة علاقات، وفي هذا السياق أقرأ ما حدث في مصر وخصوصا حين اتخذت القوات المسلحة والشعب المصري قرار استعادة الدولة بكل الوسائل، وكذلك حين استعاد المجتمع المدني في تونس حضوره فعدّل الموازين من خلال خلق معادلة وئام مجتمعي راسخ، أخذ كل فريق حقه في المغارم والمغانم (إن جاز التعبير)، وفي هذا السياق كذلك أقرأ دوافع وآفاق عاصفة الحزم التي وإن تأخرت بفعل الرهان على تعقل محتمل في اليمن، إلا أنها أخيرا جاءت بعد أن لم يبق في القوس منزع، كما يقال.
صحيح أن عاصفة الحزم ذات طابع وقائي، وذات أبعاد أمنية موضعية وإقليمية ودولية، إلا أن ما بني عليها عربيا حتى الآن يمكن أن يجيب عن السؤال الأزلي: كيف يمكن للعرب أن يتفادوا ما عانوا منه تاريخيا، أي أن لا يكونوا مادة ألعاب الآخرين وأقل اللاعبين شأنا في تحديد مسار اللعبة وخلاصاتها؟
إن الاحتشاد القائم الآن له هوية سياسية يمكن تسميتها... بالاعتدال، وما يراهن عليه العرب ليس فقط إخراج اليمن من محنته، فهذا أمر مقدور عليه، بل يراهنون على بلورة تحالف دائم وراسخ يؤهل أصحابه للدخول شركاء في كل المعادلات الإقليمية والدولية ويجنبهم أن يكونوا ضحايا من جديد، بهذا يكون الاعتدال قد أوجد لنفسه أنيابا حادة لأنه وحين كان بلا أنياب لم يجد مكانه الحقيقي على الأرض وفي المعادلات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية