طريقة تعاطي وكالة " الأونروا " مع أزمة المياومين سواء من العمّال أو الموظفين في مناطق عملياتها الخمسة نتيجة فيروس كورونا ومكافحة إنتشار الفيروس كشفت حالة من الإرباك وعدم التوازن الإداري في الوكالة، وكان يمكن الحل بالقليل من الممارسات الإدارية السليمة وهو ما لم يحصل.
واهم من يعتقد بأنه وعلى الرغم من إنشغال العالم بأزمة فيروس كورونا بأن استهداف القضية الفلسطينية عموماً وقضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل خاص من خلال استهداف وكالة "الأونروا" قد توقف ولم يعد أولوية، والهدف الآن هو إضعاف الوكالة، وشل قدراتها عن القيام بدورها من خلال تقليص الدعم المالي، وبالتالي تقليص خدماتها كمّا ونوعاً، وتشجيع مؤسسات أهلية للقيام بأدوار الوكالة، وتعزيز فكرة أن "الأونروا" خصم للاجئين، وتحميل الدول المضيفة عبء تقديم الخدمات بدلاً عن الوكالة.
لا شك هو تحدٍ أمام المفوض العام للأونروا لازاريني الذي تسلم مهامه رسمياً في الأول من نيسان/ابريل 2020 والذي شَهِد للمفوض العام بالإنابة كريستيان ساوندرز، من إعادة "الأونروا" إلى "مسارها الصحيح"، واستعادة ثقة الموظفين والشركاء والداعمين الخارجيين، وكان ساوندرز قد تسلم منصبه بعد استقالة المفوض العام السابق للأونروا بيير كرينبول في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بعد أن ظهرت نتائج التحقيق في تقرير مزاعم الفساد بأن لدى الوكالة شوائب إدارية يجب معالجتها، ونجح ساوندرز في تحقيق بعض الاختراقات على مستوى السعي لعودة 116 من الموظفين الذين اتخذت الوكالة قراراً بفصلهم في تموز/يوليو 2018.
طلبت "الأونروا" مبلغ 14 مليون دولار لمكفاحة فيروس كورونا في مناطق عملياتها الخمسة والتي تستهدف من خلالها أكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني في 58 مخيماً وأكثر من مائة تجمع للاجئين الفلسطينيين، لم تتمكن الوكالة من جمع سوى 4 ملايين دولار كتبرعات وكهبات وليس من دول مانحة، وفي عملية إعادة تدوير غير موفقة لميزانيتها عملت الوكالة على تحويل الأموال المستحقة للعمال والموظفين المياومين في الوكالة لاستخدامها للإنفاق على مكافحة انتشار الفيروس على الرغم من أن البعض من المياومين في بعض الأقاليم قد وقّع على عقود عمل لمدة 3 أشهر (آذار ونيسان أيار 2020) وبموجب هذا العقد لا يحق للموظف أن يعمل عملاً آخر، ناهيك عن أن المياومين قد أخذوا إجازة قسرية بطلب من وكالة "الأونروا" حفاظاً عليهم وعلى عائلاتهم.
برزت حالة الإرباك وعدم التوازن الإداري في مسألتين رئيسيتين، الأولى أنه كان بإمكان الوكالة العمل في ثلاث مسارات تم تجاهلها، ولا نظن بأنها كانت غائبة عن صاحب القرار في الوكالة سواء بهدف إعطاء المياومين حقوقهم كاملة أو مكافحة إنتشار الفيروس، وبذلك تكون قد استثمرت الوكالة من فرصة تاريخية استعادت فيها ثقة الموظفين والعمال المياومين والموظفين المثبتين، وبتعزيز أو باستعادة ثقة شريحة كبيرة من اللاجئين، والعاملين المثبتين، وثقة كل من يؤمن بالعمل الإنساني، لكن هذا لم يحدث.
إذ ما أقدمت عليه الوكالة في غزة من دفع رواتب للعمال المياومين في سنوات سابقة وهم في بيوتهم، تدحض المبررات بقطع رواتبهم أثناء الإجازات القسرية في حالات الطوارئ الشبيهه بأزمة كورونا؛ أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في سنوات 2009 و 2012 و 2014 و 2018 و 2019، وخلال أيام الطقس السيء وضرورة التوقف عن العمل.. حينها لم يتغير قانون "الأجر مقابل دوام العمل" ولكن تم الأخذ بالأسباب الموجبة والتكيف مع الواقع الصعب.
عن المسارات الثلاثة؛ المسار الأول: بأنه لدى المفوض العام للأونروا السيد لازاريني الحق بنقل ميزانيات الوكالة والتصرف فيها في حالة "الطوارئ"، ولا يمكن الإنتظار أكثر مع تفشي الفيروس، كما ويمكن الإستفادة من ما تم توفيره من الميزانية التشغيلية لحوالي 1000 مركز تابع للوكالة مغلقة أو شبه مغلقة في مناطق عملياتها الخمسة، ناهيك عن توفير تكلفة تذاكر السفر والميزانيات المرافقة، وهو ما لم يحدث ؟!.
المسار الثاني: تُعتبر الوكالة جزء من بروتوكولات منظمة الصحة العالمية لذلك كان مطلوب من الوكالة استثمار هذه العلاقة والتقدم بطلب الدعم المالي واللوجستي من المنظمة، وهذه أولوية ويمكن الإستجابة لها وعلى جناح السرعة بسبب الخطورة التي تهدد الجميع، وهو ما لم يحصل ؟!.
المسار الثالث وهو الأهم: يمكن للوكالة الحصول على قرض مالي لتلبية احتياجاتها الطارئة من الأمم المتحدة أو من إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وحصل سابقاً في تشرين الثاني/نوفمبر 2019 أن حصلت على قرض بقيمة 30 مليون دولار من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) لدفع رواتب الموظفين حتى نهاية العام 2019، فلماذا لم يتم الإقتراض ودفع رواتب المياومين وتغطية إحتياجات مكافحة الفيروس ؟!.
أما المسألة الثانية التي تبرز حالة الإرباك وعدم التوازن الإداري فهي تعاطي الوكالة مع العمال والموظفين المياومين في مناطق عملياتها الخمسة بطريقة غير موحدة وغير منظمة، ففي غزة والضفة الغربية مثلاً، تم دفع رواتب عمل لسبعة أيام الأولى فقط من شهر آذار/مارس مع قرار نهائي بالتوقف، أما في الأردن، وحتى إعداد هذه المقالة لم تدفع الوكالة راتب شهر آذار (كاملاً)، مع إشعار للمياومين بعدم إستئناف العمل في شهر نيسان/ابريل، إلا بعد قرار من قسم الموارد البشرية، وحتى الآن لا قرار، أما في سوريا، فقد تم دفع راتب 10 أيام فقط من شهر آذار/مارس مع قرار بالتوقف عن العمل بشكل نهائي، وفي لبنان فقد وُعد المياومون بإعطاء راتب شهر آذار/مارس خلال الثلث الأول من شهر نيسان/ابريل، ولم ينفذ الوعد، مع قرار باستمرار العمل اليومي للمعلمين بشهر نيسان/ابريل، وتوقيف المياومين من الممرضين والأطباء عن العمل بشكل نهائي.
مما يدفع للإعتقاد بأن هناك "فريقاً" من الموظفين الكبار في الوكالة وبدعم أمريكي وإسرائيلي مُنكباً على لعب دور مقصود وممنهج في استمرار حالة الإرباك وعدم التوازن الإداري، يريد من خلاله الفشل لإدارة لازاريني ووضع العراقيل لتحقيق هدفاً سياسياً يتماشى مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية لإنهاء عمل "الأونروا" كمقدمة لشطب قضية اللاجئين وحقهم بالعودة، وهي ليست المرة الأولى التي "يَنشط" فيها هذا "الفريق" لا سيما منذ مجيئ ترامب إلى الرئاسة الأمريكية مطلع العام 2017 وبدء الإستهداف المنهجي والشرس للوكالة.
في هذا السياق يحقق "الفريق" أهدافاً قوية مستغلاً الظرف القائم والمتعلق بأزمة فيروس كورونا للمزيد من إضعاف الوكالة وتقليص كم ونوع الخدمات، وزعزعة الثقة فيها، وهذا برز من قبل الإطار الرسمي اللبناني كدولة مضيفة للاجئين حين اتهم وزير الصحة اللبناني الدكتور حمد حسن الوكالة بالتقصير في القيام بواجباتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في مكافحة فيروس كورونا خلال تصريح له في 11/4/2020، وكذلك ما جاء على لسان الدكتور أحمد هولي رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية خلال لقاء متلفز في 7/4/2020 من انتقاد للوكالة في مكافحة الفيروس وبأنها تقوم بأدوار "احترازية ووقائية وهذا غير كاف ونحن في حالة طوارئ".
لذلك على الفريق الآخر أن يأخذ دوره لمساندة ودعم المفوض العام في حماية والحفاظ على الوكالة، وتشكيل جبهة لمواجهة هؤلاء، بالتنسيق مع اللجنة الإستشارية للوكالة بشكل عام، والأهم التنسيق مع الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين لا سيما الأردن الذي يستضيف العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين (2,376,481 لاجئ حتى سنة 2019) ويترأس اللجنة الإستشارية للوكالة.
نشير إلى مسألة مهمة بأنه وحسب مصدر مطلع في الأمم المتحدة فقد جرى إستبعاد السيد ساوندرز من منصب المفوض العام نتيجة تصريحاته وهجومه الكاسح والمعلن على كل من الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال بالعمل على "وقف تمويل الوكالة والتضييق على عملها"، وربما كذلك بسبب إصلاحاته الإدارية، وقد جيئ بالسيد لازاريني في 4/3/2020 مباشرة وفي نفس اليوم بعد إلقاء خطاب مهم جداً لساوندرز أمام الدورة 153 لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في القاهرة في 4/3/2020 فقال: "إن كثافة وعدد اللاعبين المنخرطين في محاولة نزع شرعية الأونروا في تزايد يوماً بعد يوم، وهم يستهدفون بشكل متزايد صانعي القرار والبرلمانيين في مختلف الأطياف السياسية في عواصم الدول المانحة، بهدف قطع التمويل عن الأونروا"، حينها قدّم الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش اسم لازاريني للجنة الإستشارية للوكالة كمرشح لمنصب المفوض العام والذي حظي بالموافقة وتم الإعلان الرسمي عن تعيينه للمنصب في 19/3/2020.
لذلك يجب أن نعي جيداً ونحذر بأننا وإن اختلفنا مع الوكالة في سلوكها وأدائها بهدف الإصلاح وتحسين الأداء.. لا يمكن ولا يجب أن نختلف عليها، لما تعكس من مسؤولية سياسية للأمم المتحدة تجاه اللاجئ الفلسطيني نتيجة النكبة عام 1948 وطرد الفلسطينيين من بيوتهم وممتلكاتهم.
بقي أن يحدد السيد لازاريني باستشرافه للمستقبل مع المخلصين من فريق عمله، إما بالصمود ومواجهة التحديات الجسام داخل وخارج الوكالة ويحقق إنجازات نوعية، وإما التماشي مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية لإنهاء عمل الوكالة ودخول التاريخ من بابه الأسود، وإما الإستقالة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية