يجب أن نعترف بأن نتنياهو على الرغم من كونه أيديولوجيا حتى النخاع، وهناك الكثير من الدلائل والشواهد والوثائق التي تؤكد ذلك، إلاّ أنه ومع ذلك لاعب بارع وعلى أعلى درجات القدرة الاتقانية في اللعبة السياسية المباشرة بما في ذلك، وربما قبل ذلك اللعبة الاعلامية والانتخابية. لم يكن نتنياهو لا خائفاً ولا مرعوباً على معسكر اليمين بقدر ما كان خائفاً ومرعوباً على الليكود نفسه، وذلك من موقع أن تكليفه من قبل رئيس الدولة بتشكيل الحكومة أمر مشكوك فيه بل وغير مرجح إذا كانت مقاعد الليكود مساوية لمقاعد المعسكر الصهيوني.
يدرك نتنياهو أن رئيس الدولة لا يهيم به حباً، كما يدرك أن حظوظ هيرتسوغ كانت ستكون موازية لحظوظ نتنياهو في القدرة على تشكيل الحكومة لو بقيت المعادلة كما أظهرتها العينة بعد الساعة العاشرة مباشرة. لذلك كان نتنياهو قد أعدّ المفاجأة.
ما هي هذه المفاجأة؟
ببساطة لعب نتنياهو على أصوات جماعة ليبرمان، وعلى أصوات جماعة بينيت وأغلب الظن أنه قام «بإقناعهم» بفكرةٍ، مفاوضاً: إذا خسر الليكود أمام المعسكر الصهيوني فلا أمل بتشكيل حكومة يمين ويمين متطرف، وبالتالي التصويت لليكود هو الحل الوحيد للوصول إلى هذه الحكومة. أما عكس ذلك فإن الحكومة القادمة هي حكومة (اليسار) وفي هذه الحالة سينهار كل شيء. هذه كانت لعبته الأولى.
أما لعبته الثانية الأذكى والأهم فكانت تزوير نتائج العينة!! كيف؟؟
لا أقصد بالتزوير هنا المعنى المتعارف عليه وإنما أقصد تضليل نتائج العينة.
أغلب الظن هنا أن الكثيرين من مصوتي الليكود عند استطلاع آرائهم أخفوا الحقيقة عن عمد وربما أنهم ساهموا بهذا التضليل عبر الاعلان عن تصويتهم لهيرتسوغ أو لأية قوة أخرى بهدف إظهار نتائج العينة على شاكلةٍ تبدو فيها النتائج الأولية كأنها انتصار لليكود وتبدو فيها النتائج النهائية (شبه النهائية) وكأنها انتصار ساحق.
أما اللعبة الثالثة فقد كانت قبل الانتخابات وقبل العينة.
فقد سرب الليكود أخباراً مفبركة عن الفوارق، كما سرب أخباراً ملفقة حول الاستطلاعات «الداخلية» التي «أجراها» الليكود والتي كانت تعطي حزب الليكود ما لا يتجاوز العشرين مقعداً.
استخدم نتنياهو اللعبة الثالثة للتجييش والحشد باعتبار أن الليكود أمام معركة مصيرية حاسمة وأنها (أي المعركة) معركة البقاء من عدمه، كما استخدمها نتنياهو لإقناع مصوتي كل جماعة ليبرمان وجماعة بينيت «لإنقاذ» الليكود قبل أن يصل «الطوفان». أراد نتنياهو أن يحقق المفاجأة فأعد لها جيداً، وقام بكل الألاعيب التي يتقنها جيداً من أجل الظهور بمظهر المنتصر الهمام.
هذا ما أزعم أنه الخلطة السرية التي تفسر «المفاجأة» وهذه هي اللعبة التي أدارها نتنياهو بكل حنكة وفهلوة. أما وأن الأمور قد وصلت إلى ما وصلت إليه فإن الضرورة تقتضي أن ننبه نتنياهو لبعض القضايا التي يمكن أن يكون قد أغفلها في غمرة انهماكه في الحملة الانتخابية.
الأولى، هي أن نتنياهو فقد كل الأوراق التي كان يحاول التلاعب بها أو التحايل عليها مرة والى الأبد.
فقد «حرص» نتنياهو على التحريض على العرب الفلسطينيين في الداخل بصورة ليس فقط لا تختلف عن المواقف «التقليدية» لكل من كاهانا وبينيت وليبرمان، وإنما حرض بما يفوق كل ما كانوا يتحدثون به علانية أو بين السطور.
الثانية، هي «الإعلان» الرسمي وبصورة نهائية عن أنه هو الذي «يضمن» عدم قيام دولة فلسطينية.
الثالثة، هي أن نتنياهو الذي كان ضعيفاً في الحكومة السابقة بات اليوم قوياً وبصورة خاصة، ولم يعد حلفاؤه من اليمين قادرين على ممارسة ضغوط كبيرة عليه، وهو الأمر الذي سيعرّيه بالكامل ويضعه أمام المجتمع الدولي بدون أية رتوش أو ملابس تذكر. كل هذه القضايا تحول نتنياهو إلى رئيس وزراء للاستيطان والجدار والضم والتهويد والحروب والأزمات، وهي نفس القضايا التي ستطيح به في أسرع وقت ممكن، لأن نتنياهو لا يملك ما يقدمه للإسرائيليين اجتماعياً واقتصادياً أو معيشياً، وفي النهاية ليس لديه ما يقدمه للمجتمع الدولي بعد افتضاح أمره نهائياً، وليس لديه ما يناور به على المستوى الإقليمي، وهو ذاهب إلى حكومة لا يمكنها أن تقدم شيئاً خاصاً ولا على أي صعيد.
يستطيع نتنياهو أن يتذاكى في اللعبة الانتخابية، لكنه فقد زمام المبادرة في كل ما هو سياسة، وسبق أن فقد هذه المبادرة في كل ما هو اقتصادي ومعيشي بالنسبة للإسرائيليين.
أما محاولة تجاهل القضية الفلسطينية فقد أعطى نتنياهو الآن كل ما هو ممكن من أجل خوض معركة مفتوحة لإعادته إلى الواقع بعد أن حاول إنكار هذا الواقع، وقد تكون المعركة السياسية والقانونية ضد حكومة نتنياهو هي نهاية الحقبة اليمينية في إسرائيل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية