مع صدور عدد «الأيام» اليوم تكون نتائج الانتخابات الإسرائيلية قد اتضحت، وإذا صحت التوقعات التي جاءت بها استطلاعات الرأي المتعددة التي أجريت في الفترة الماضية التي سبقت التصويت لن يكون هناك حسم في النتيجة لصالح أحد المعسكرين اليمين أو اليسار وإن كان عدد الأصوات بشكل عام يميل لصالح معسكر اليمين، إلا إذا حصلت مفاجأة وكانت النتيجة فوزا كبيرا لكتلة ( المعسكر الصهيوني) برئاسة إسحق هرتسوغ بفارق يتجاوز الستة أو السبعة مقاعد، عندها تكون الفرصة مهيأة أكبر لتشكيل حكومة يسار وسط ويسار أي حصول انقلاب في الخارطة السياسية، والنتيجة الأهم ربما تكون فوز القائمة العربية المشتركة بعدد كبير من المقاعد يتجاوز سقف الأربعة عشر مقعداً، وهذا رهن بنسبة التصويت في صفوف الفلسطينيين في إسرائيل. كما أن النتيجة العامة ستتأثر بحجم التصويت في اوساط مواطني إسرائيل عموماً لأن من يتغيب عن التصويت هم الذين ينتمون للمعسكر الليبرالي المعتدل.
على كل الأحوال هناك ثلاثة سيناريوهات لتشكيل الحكومة، وكل واحد منها يحمل في طياته خيارات سياسية معينة فيما يتعلق بالعملية السياسية ومستقبل العلاقة بين إسرائيل وفلسطين. الأول، تشكيل حكومة يمين بزعامة بنيامين نتنياهو بالرغم من كون حزبه «الليكود» يجيء في المرتبة الثانية- حسب التقديرات حتى كتابة هذه السطور- عندها لن يحدث تغيير في الوضع القائم، وتبقى العملية السياسية في حالة موات ويكمل الفلسطينيون خطواتهم نحن المجتمع الدولي وتتوالى الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وتظل إسرائيل في وضع دولي صعب قد تزداد فيه عزلتها، وقد يحدث ما يخشاه الإسرائيليون وهو صدور قرار من مجلس الأمن بالاعتراف الصريح بدولة فلسطينية في حدود عام 1967 والبدء بتطبيق نوع من العقوبات ضدها تتجاوز عملية وضع علامات على بضائع المستوطنات في أوروبا، وفي أضعف الحالات سيكون العالم بأسره معنيا بتثبيت حق الفلسطينيين في دولة حتى لو كانت تحت الاحتلال.
السيناريو الثاني هو حدوث الانقلاب وتشكيل حكومة برئاسة هرتسوغ مدعومة بمشاركة الأحزاب التي يمكن أن تكون في كلتا الحكومتين( يوجد مستقبل) بزعامة يائير لبيد، و(كلنا) برئاسة موشي كحلون وحركة «شاس» التي يقودها أرييه درعي. وفي ظل هذا الاحتمال قد يحدث أحد أمران: تعاون إسرائيلي- أميركي لانقاذ عملية السلام بشكل يُحدث اختراقا حقيقيا في هذه العملية قد يصل إلى مستوى الاتفاق مع الجانب الفلسطيني، بما يحقق لإدارة الرئيس باراك أوباما الإنجاز الملموس في أحد الملفات المهمة، ينهي فيه أوباما حياته السياسية ويسمح للديمقراطيين بفرصة اكبر للفوز في الانتخابات الأميركية القادمة، أو حصول الأسوأ هو أن تنجح حكومة برئاسة (المعسكر الصهيوني) في تحسين صورة إسرائيل على المستوى الدولي دون تحقيق أي تقدم حقيقي في ملف التسوية، ما يسمح لإسرائيل بأن تكسب المزيد من الوقت لتكريس الأمر الواقع الاحتلالي، وفي ظل مثل هذا الاحتمال تكون حكومة إسرائيلية برئاسة «الليكود» أفضل لنا على الأقل على الحلبة الدولية، وفي ملف الاعتراف وتفعيل الضغوط على دولة الاحتلال.
أما السيناريو الثالث فيتمثل بتشكيل حكومة وحدة إسرائيلية من (المعسكر الصهيوني) و»الليكود» وأحزاب أخرى فهذه ستكون حكومة شلل، وسيئة لإدارة ملف الصراع تكون أكثر عدوانية وجاهزة بصورة أكبر للحروب سواء في جبهة غزة أو في الجبهة الشمالية، وستكون هناك احتمالات ضئيلة جداً أو شبه معدومة للتقدم ولو بصورة طفيفة نحو عملية سياسية جادة على أي مستوى، خاصة في ظل تراجع نتنياهو حتى عن مواقفه السابقة التي لا ترقى حتى إلى الحد الأدنى لإطلاق مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
بناء على ما تقدم لا يبدو أن تغييراً جدياً في الأفق السياسي، وإذا ما حصل ذلك سيكون مفاجأة كبيرة، وفي إسرائيل يتوقعون أن تكون نتيجة هذه الانتخابات مقدمة لانتخابات جديدة تجري هذه المرة بسرعة تفوق سابقاتها، حيث لم تكمل حكومة إسرائيلية ولايتها بعد أي انتخابات منذ العام 1999، ولكن يمكن تسجيل تطور نوعي على أداء الأحزاب العربية التي توحدت ويحتمل أن تزيد قوتها بشكل ملموس، فهي ستكون قوة برلمانية يحسب حسابها، ليس فقط في تشكيل الحكومات بل وفي أي تصويت في الـ»كنيست» القادمة، بما يمكنها من لجم التشريعات اليمينية المتطرفة والتمثل في مختلف لجان الكنيست ، ما يمنح العرب قوة تأثير أكبر من السابق.
بغض النظر عن نتيجة الانتخابات في إسرائيل، هناك حاجة لرسم استراتيجية فلسطينية لكل سيناريو من السيناريوهات أعلاه، فما حققناه على الحلبة الدولية يجب أن يتعزز ويتواصل حتى تصبح إسرائيل جاهزة للحل، بناء على حدوث نوع من التوازن في وضع الطرفين، خاصة بعد حصول فلسطين على الاعتراف الواسع والقاطع بكونها دولة تحت الاحتلال على أساس حدود العام 1967. ولكن أي استراتيجية أو خطة فلسطينية للتعامل مع نتائج الانتخابات الإسرائيلية لا تبدأ بإنهاء الانقسام وتوحيد شقي الوطن والمؤسسة القيادية باعتبارنا في دولة واحدة تحت الاحتلال ستكون قاصرة وضعيفة وتمس بفرص استقلالنا ودعم العالم لنا. نحن بحاجة لوحدة على قاعدة التهيؤ لانتخابات جديدة تؤدي إلى إحداث تجديد في المؤسسات السلطوية ومنظمة التحرير وإحيائها من حالة الجمود التي تعيشها، بما يمكنها من القيام بأعباء إدارة دولة فعلية، وهذا ليس مجرد شعار لدغدغة عواطف المواطنين كما تتغنى بذلك القيادات الفلسطينية المختلفة، بل حاجة ملحة ومقدمة مهمة للاستقلال.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية