غادر الأخ إسماعيل هنية ، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ،  قطاع غزة حيث يقيم، يوم الاثنين الموافق للثاني من شهر كانون الأول من العام الماضي 2019، أي منذ أكثر من ستة أسابيع، ولم يعد بعد، ولم يهتم المتابعون كثيراً بما يعنيه هذا الخروج كل هذا الوقت، الذي قد يطول ليصل إلى أشهر عدة، وبالتحديد إلى ستة أشهر، كما قالت بعض أوساط حركة حماس نفسها، وهذا أمر مثير للاستغراب، لأنه ليس من عادة رجال السياسة أو المسؤولين أن يخرجوا في جولات سياسية خارجية بمثل هذا الوقت الطويل جداً، إلا إذا كانوا مضطرين لذلك، كأن يخرجوا من أجل العلاج أو في رحلة استجمام بعد أن يتقاعدوا من العمل السياسي.
قد يكون مفهوماً ومستوعباً أن يخرج المسؤول الحمساوي لعدة أيام أو حتى لعدة أسابيع، وهو شخصياً قد فعل هذا من قبل، حتى في زيارته السابقة لمصر، حيث قضى بضعة أسابيع، وقد يكون الأمر مفهوماً أكثر بالنظر إلى أن غزة المحاصرة تجعل كل من هو مقيم فيها بحاجة إلى أن يخرج منها لوقت طويل، ومن ثم يعود ولو حتى على مضض، لكن بالطبع مثل هذه الإقامة بالخارج لرجل هو المسؤول الأول في تنظيم فلسطيني يزاحم على الموقع الأول بين فصائل العمل الوطني، هو أمر ليس مستغرباً وحسب، ولكنه يستحق التوقف عنده، والتساؤل حول أسبابه الحقيقية.
أولاً وقبل كل شيء، نحن لا نعتقد بأن السبب يعود إلى شأن داخلي، فالحركة لا تعاني من مشكلة اتصالات داخلية، في ظل كل ما تقدم به العصر من وسائل اتصال، وبالنظر إلى أن نائبين لهنية مقيمان بالخارج، والى أن جزءاً كبيراً من قيادتها مقيم بالخارج أيضاً، ونحن نرجح أن يكون السبب في ذلك شخصياً، وله علاقة بما يشعر به الرجل من أن موقع الرجل الثاني يلازمه منذ أن تقدم منذ العام 2006 إلى مقدمة المسرح السياسي.
ومكانة الرجل الثاني، أو البطولة الثانية تكاد تكون معروفة في المسرح والسينما وحتى السياسة، ففي السياسة، ظهر كثير من نواب الرئيس في الدول العربية، دون أن ينجحوا في أن يحتلوا الموقع الأول، حتى بعد رحيل الرئيس، ومن هؤلاء عبد الحليم خدام، الذي لم يحتل موقع الرئيس بعد رحيل حافظ الأسد، بل إن النظام السوري قام بتعديل الدستور ليملأ موقع الرئيس نجله بشار، وربما كان هذا الدافع الرئيسي الذي دفع بخدام ليلتحق فيما بعد بالمعارضة السورية التي اندلعت عام 2011.
وحتى في أميركا التي تحتكم للنظام الرئاسي حيث ينتخب الرئيس مباشرة من الشعب، مع نائب رئيس يملأ الموقع في حالة شغوره لأي سبب، قليلاً ما ينجح نائب الرئيس في أن ينتخب لاحقاً لموقع الرئيس.
المهم أن الأخ إسماعيل هنية، ومنذ أن وجد نفسه فجأة في مقدمة المسرح السياسي، عام 2006، بسبب «برايمريز» حماس الداخلي، احتل الموقع الثاني في السلطة، بعد رئيسها، وهو قبل بهذا الموقع، لكن «حماس» هي التي لم تقبله لها، وواجه تحدي محمود الزهار، الذي كان يرى بنفسه أكثر أهلية من أخيه بموقع «حماس» الأول، إن كان موقعها التنظيمي في غزة، أو مكانها الأول في السلطة، لكن تولي خالد مشعل، في تلك الفترة مكانة الموقع الأول لـ «حماس» قد حسم الأمر، أو أنه لم يجعل من هذا الواقع قصة داخلية، أو مشكلة داخل قيادة «حماس».
ومع مرور الوقت، وابتعاد غزة بـ «حماس» عن السلطة، ومع تولي إسماعيل هنية للموقع الأول في «حماس» نفسها، منذ عدة أعوام، لم يشعر أحد بأن الرجل يحتل الموقع الأول فعلياً، فقد ظل مشعل بمثابة «المرشد» أو الأب الروحي للحركة، فهو لم يخرج تماماً من المشهد، ولعل ما حدث في الآونة الأخيرة قد أعاد هذه الصورة إلى الأذهان، لتصبح مثيرة مجدداً، وإن كان من وراء الكواليس، ودون صخب.
ورغم أن مركز ثقل الفصائل الفلسطينية قد انتقل منذ انتفاضة العام 1987، إلى داخل الوطن، وتأكد هذا الأمر بعد تأسيس السلطة عام 1994، إلا أن «حماس» تبدو على غير شقيقاتها من الفصائل، مثل «فتح» و»الشعبية»، حيث أن أمين عام «الشعبية» يقبع في السجن الإسرائيلي منذ عقد ونصف، أي أن وجود رأس التنظيم بداخل الوطن، صار ميزة وليس مثلبة، لكن تقدم هنية لموقع رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» دفعه إلى ترك موقع رئيس الحركة في قطاع غزة لغيره، أي ليحيى السنوار، وهكذا فإن صورة الرجل بالموقع الأول باتت كما لو كانت حبراً على ورق، أو مجرد مظهر شكلي، لذا فهي تحتاج إلى تأكيد أو إلى تعزيز على أقل تقدير.
وفي الآونة الأخيرة، وحين أعلن الرئيس محمود عباس في نهاية أيلول الماضي عن نيته إجراء الانتخابات التشريعية ورئاسة السلطة، تسربت معلومات تشير إلى أن «حماس» التي فاجأت الجميع بالموافقة على إجراء الانتخابات، تنوي التقدم بترشيح خالد مشعل لمنصب رئيس السلطة، وهذا يعني بأن مكانة الرجل الأول ما زال يحتفظ بها مشعل في ذاكرة «حماس» السياسية، تماماً كما كان محمد مرسي بالنسبة لإخوان مصر، وحتى وهو رئيس جمهورية مصر، كان هناك المرشد محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر أكثر أهمية من مرسي، وأكثر تأثيراً على القرار الإخواني وحتى على القرار الرئاسي.
وربما كان ظهور مشعل إلى جانب رؤساء الدول الحاضنة لـ «حماس»، نقصد كلاً من تركيا، إيران، قطر وماليزيا قبل بضعة أشهر، في كوالالمبور بالمؤتمر الذي عقد هناك، قد أثار حفيظة هنية، الذي نعتقد بأنه ما زال يواجه هذه الإشكالية، لذا فإن مستشاريه يعتقدون بأن إقامته الطويلة بالخارج، قد توفر له شبكة علاقات إقليمية/ دولية تزيد من صورته كـ «رجل دولة»، بعد أن لازمته صورة الرجل الثاني طويلاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد