بالرغم من الأهمية القصوى لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والقاضي بتجديد التفويض للوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين « الأونروا »، إلاّ أن طغاة السياسة الإسرائيلية، لا تشغلهم هذه الهزيمة النكراء.
مئة وسبعون دولة صوتّت إلى جانب قرار تجديد التفويض، بعد أن كرست الولايات المتحدة وإسرائيل كل إمكانياتهما من اجل الغاء «الأونروا»، قانونياً ووجودياً ودوراً وأبعاداً، لكن النتيجة جاءت لتؤكد العزلة المتزايدة التي تتعرض لها الدولتان.
لعلّ ما يشغل بال ووقت نتنياهو، هو الخوف على مستقبله السياسي وحتى مستقبله الشخصي والعائلي، ولذلك فإنه يكثف كل ما تعلمه من فنون التضليل والكذب لإفشال منافسه بيني غانتس ، الذي يضيق وقت تفويضه لتشكيل حكومة، الأمر الذي قد يقوده إلى حكومة مصغرة بغطاء من النواب العرب في الكنيست .
بعد أن انفضح أمر، الدوافع التي قادته، لاتخاذ قرار نفذه الجيش وأدى إلى اغتيال القائد في «سرايا القدس » بهاء أبو العطا وزوجته، وفشل محاولة اغتيال القائد في «الجهاد» أكرم العجوري، يحاول نتنياهو أن يخلق فزاعة الخطر الوجودي.
في الحقيقة، فإن الجيش أعلن في اليوم الأول من عمليتي الاغتيال انه لا يفهم الى أين يأخذ نتنياهو البلاد، وأما بعد أن توقف إطلاق النار، فقد اندلعت موجة من الانتقادات التي وصل بعضها إلى حد السخرية من رئيس الحكومة.
لقد تآكل الردع الإسرائيلي، خلال جولة قصيرة مع حركة الجهاد الإسلامي وحدها، ووقع نصف إسرائيل في حالة شلل للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
كان بإمكان نتنياهو أن يرفض الشروط البسيطة التي طرحتها حركة الجهاد الإسلامي لوقف إطلاق النار، لكنه كذب على الوسطاء، وعلى المجتمع، حين أوحى بالموافقة، لكن الموافقة كانت فقط على وقف إطلاق النار.
يعلن الجيش، ويتبجّح نتنياهو بعد توقف جولة الاشتباك، بأنه يرفض شروط حركة الجهاد، وأنه مستمر في التمسك بالسياسة ذاتها، سواء فيما يتعلق بالاغتيالات، أو بإطلاق النار على المدنيين في مسيرات العودة.
غريبة عجيبة هذه الدولة، التي يعلن رئيس حكومتها أن الدولة تواجه خطراً وجودياً، إذ لا يوجد في هذا العالم، الذي يعيش فيه ما يقرب من مئتي دولة، لا يوجد أي مسؤول أو أي حكم يخشى على وجود دولته وشعبه إلاّ إسرائيل.
تخشى الدول من فقدان الأمن، أو تهديدات الإرهاب، وتخشى على النظام السياسي، وربما من اعتداءات خارجية، ولكن لا أحد يخشى على وجود دولته وشعبه.
يعلّل نتنياهو التهديد بوجود خطر على الدولة، بالتساؤل عن نتائج سعي بيني غانتس تشكيل حكومة مصغرة، بغطاء من النواب العرب، الذين لن يسمحوا للأجهزة الأمنية والجيش، بمواصلة تسديد الضربات لعناصر التهديد الأمني الكثيرة، التي تحيط بإسرائيل.
حتى الأربعاء القادم، الموعد الذي ينتهي فيه التفويض الذي منحه الرئيس ريفلين لبني غانتس، لن يتوقف نتنياهو عن المحاولة لإفشاله في تشكيل حكومة، وبالتالي من غير المستبعد أن يبادر إلى مغامرات أكثر ضجيجاً مما فعله خلال الأسبوع الماضي.
الإسرائيليون غاضبون على نتنياهو بسبب الفشل الذريع في جولة القتال الأخيرة، مع حركة تعتبرها إسرائيل صغيرة، غير أن نتنياهو يدعي أن العملية حققت أهدافها بنجاح.
لا أحد يمكن أن يصدق حتى من أنصار نتنياهو أن اغتيال شخصية مهما كانت قيمتها ومهما كان دورها مهماً، يمكن أن تغلق واحدة من الجبهات التي تهدد الأمن الإسرائيلي.
لقد أثبتت التجارب الطويلة، التي تطفح صفحاتها بعمليات اغتيال القادة وشخصيات مركزية ومهمة جداً للحركة الوطنية والشعب الفلسطيني، بأن غياب أو تغييب هؤلاء، لا يؤدي إلى تقليل المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل بسبب احتلالها وعدوانها على الشعب الفلسطيني.
ينبغي للإسرائيليين أن يتذكروا المقولة الشهيرة التي أطلقتها غولدا مائير التي قالت: «الكبار يموتون والصغار ينسون»، فهل وجدوا من خلال التجربة العملية، أن الصغار أقلّ تمسكاً بحقوقهم الوطنية؟ الإسرائيليون غاضبون من حكومة نتنياهو، والفلسطينيون، أيضاً، غاضبون، فلقد خرج الناس في أكثر من مكان في قطاع غزة يطالبون بمواصلة الرد على العدوان الإسرائيلي.
بعض قواعد حركة «الجهاد» عبرت عن غضبها من خلال إطلاق صواريخ على غلاف غزة، بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، ولم تثنهم عن المواصلة الاعتداءات الإسرائيلية، وإنما عادوا للالتزام بقرارات قيادتهم.
الوضع في غزة تسوده حالة من الحذر، إزاء إمكانية معاودة إسرائيل تفعيل القصف ومواصلة العدوان، لكنهم مستعدون لكل لاحتمالات.
أخيراً، ومرة أخرى، فإذا كان على الفلسطينيين أن يشكروا مصر على دورها، إلاّ أنهم يفقدون الحد الأدنى من الثقة، بتوفر أي ضمانات تلزم إسرائيل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية