قرأت بإمعان، ما كتبه الصديق هاني حبيب في "الأيام"، العدد الصادر بتاريخ 25/2/2015، بعنوان: "هكذا نحتفي بانطلاقة الجبهة الديمقراطية". في الأعوام الماضية، ومنذ العام 1969، وحتى العام الفائت، كانت هذه المناسبة والذكرى، تحظى باهتمام فلسطيني، وغير فلسطيني واسع، وكانت عشرات بل ومئات الأقلام تتناولها، بحفاوة وتمجيد على اعتبارها حدثاً تاريخياً بارزاً، تمكن من خلاله اليسار الفلسطيني، من الإعلان عن نفسه، بوضوح وجلاء، ما شجع التيارات اليسارية، في الفصائل كافة، وفي المقدم منها "فتح" على الظهور ولعب دور أساسي داخل فصائلها.
لعل ما يفسر ذلك هو قانون حكم م.ت.ف، وتحكم في مساراتها، وهو "التطور في ظل الصراع".
من يتابع التطور السياسي الفلسطيني، منذ العام 1964، عام تأسيس م.ت.ف، وحتى الإعلان عن الاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، يمكنه أن يلحظ وبوضوح، بأن الفكر السياسي الفلسطيني، قد تطور، عندما كانت البرامج السياسية تتصارع، فيما بينها، وعندما تتباين وجهات النظر إزاء قضية سياسية بعينها.
مما لاشك فيه، أن الفكر السياسي الفلسطيني، تطور تطوراً مهماً للغاية، عندما تباينت وجهات النظر السياسية فيما بينها حول مسألة التسوية السياسية، وبرز ما سمي في حينه جبهة الرفض ـ جبهة القوى الرافضة للحلول السياسية.
لعل أبرز ما قدمته الجبهة الديمقراطية، هو طرحها لبرنامج النقاط العشر. شكّل هذا البرنامج في حينه، ما يشبه المنعطف السياسي، في مسار الفكر السياسي الفلسطيني. دار صراع حاد، بين "تيار التسوية" وبين تيار الرفض.
دعا برنامج النقاط العشر، للمرحلية، في وقت وجد به تيار الرفض، بأن ذلك يمثل التفريط بالحقوق الوطنية والتاريخية، دارت رحى معارك ضروس ما بين التيارين، لدرجة كان فيها هتاف: "سحقاً سحقاً بالأقدام يا دعاة الاستسلام" ولدرجة أن فصيلاً أساسياً من فصائل العمل الوطني، "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" قام بتجميد عضويته في اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف.
وتوافقت فصائل الرفض، وهي أربعة: الشعبية ـ القيادة العامة، جبهة النضال الشعبي، العربية، على إصدار مجلة مركزية، للتعبير عن رأيها، وكان اسمها "الصمود".
تصارعت البرامج المختلفة، بحرية ووضوح، وكانت النتيجة هي، تطور الفكر السياسي الفلسطيني، وتعميق الطروحات، وبروز المزيد من الصحافيين والإعلاميين.
عندما غاب الصراع السياسي، داخل م.ت.ف وأطرها، تراجع الفكر السياسي الفلسطيني، وأضحى أصحاب الرأي، معظمهم أو جلّهم، من المستقلين، أو من سبق لهم وأن لعبوا دوراً في الفصائل الفلسطينية، خاصة داخل أطر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية.
فبعدما كان هذان الفصيلان، هما الفصيلين الأبرزين والأقويين فعلاً وتأثيراً، داخل أطر منظمة التحرير الفلسطينية، بعد "فتح"، تراجع دورهما في ظل تراجع الصراع داخل المنظمة وأطرها.
ما يمكن استحضاره في هذه الذكرى، برنامج الوحدة والإصلاح، حيث مثل هذا البرنامج أيضاً، برنامجاً محورياً، ورافعة قوية، لخروج م.ت.ف من حالة الانقسام الداخلي، إلى حالة الوحدة.. لعب الرفيق والحبيب ممدوح نوفل، دوراً بارزاً في نجاح هذا البرنامج، وفي حوارات الوحدة... وفي الليلة الظلماء، يفتقد البدر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية