بعد مرور أقل من أربعة اسابيع على تكليفه بإنشاء حكومة، أعاد بنيامين نتنياهو التكليف للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين بعد ان فشل تماماً في تشكيل حكومة جديدة.  وهذه المرة كما المرة السابقة بعد انتخابات شهر نيسان من هذا العام يخفق نتنياهو في هذه المهمة بسبب رئيس حزب «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان. ولكن الفرق في المرة الثانية هو في عدم قدرة نتنياهو على تعطيل تكليف خصمه بيني غانتس زعيم تكتل «أزرق- أبيض» بتشكيل الحكومة القادمة. فكما هو معلوم حرص نتنياهو في المرة الماضية على حل الكنيست قبل أن يمنح الرئيس التفويض لغانتس بتركيب الحكومة. وقد ساعده في حل الكنيست ليبرمان الذي كان معنياً بإعادة الانتخابات. ولا يبدو هذه المرة أن غالبية الأحزاب ترغب في انتخابات جديدة لا يريدها الجمهور وقد يعاقب أحزابه عليها. لكنها قد لا تكون مستبعدة في حال فشل غانتس في مهمة تشكيل الحكومة.
الآن بعد فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة وتكليف الرئيس لغانتس بالمهمة، هناك عدة خيارات لإقامة حكومة جديدة، مع أنها جميعها ليست سهلة حتى لو لم تكن مستحيلة: من هذه الخيارات نجاح غانتس في تشكيل حكومة واسعة بمشاركة «الليكود» بدون نتنياهو أو بقبول الأخير بأن يكون رئيس الحكومة في الفترة الثانية في التناوب على رئاسة الحكومة، حيث إن اي حكومة واسعة مع «الليكود» ستفضي بالضرورة إلى تقاسم فترة رئاسة الحكومة بين الحزبين الكبيرين. وهذا الاحتمال ضعيف طالما لم تقدم لائحة اتهام ضد نتنياهو، ويصبح أكثر منطقية بعد حصول ذلك. وفي هذه الحالة سينضم ليبرمان للائتلاف الحكومي. وهنا سيكون «الليكود» قد تخلى عن شركائه من اليمين والأصوليين، وهذا يحدث في السياسة الإسرائيلية.
الخيار الثاني، حكومة ضيقة بمشاركة كل من «أزرق- أبيض» و حزب «العمل- غيشر» و «المعسكر الديمقراطي» و»إسرائيل بيتنا» بدعم من القائمة العربية المشتركة دون المشاركة في الحكومة. وهذه خيار قد يكون مستحيلاً بالنظر إلى تعهد ليبرمان بعدم تشكيل حكومة ضيقة وعدم الاعتماد على دعم القائمة العربية. وهذا رهن فقط بتغيير ليبرمان موقفه بصورة جذرية ودراماتيكية، وغالباً هذا لن يحصل لأن ليبرمان سيخسر صدقيته وقسماً من ناخبيه.
أما الخيار الثالث، فهو حكومة ضيقة بالاستناد إلى تحالف بين «أزرق- أبيض» و «اليسار» والمتدينين بدون ليبرمان، وأيضاً بالاعتماد على دعم القائمة المشتركة من الخارج. وهذا الخيار صعب لأنه يفترض وجود حلول وسط صعبة بين مواقف الأحزاب الدينية ومواقف يائير لابيد الشخص الثاني في ائتلاف «أزرق- أبيض» الذي يتمسك بالعلمانية والابتعاد عن الفرض الديني. وإذا تم حل المشاكل المتعلقة بالمواقف من القضايا الدينية وتجنيد المتدينين ستبقى مشكلة تعهد الأحزاب الدينية بالولاء لحزب «الليكود» وتكتل قوى اليمين. وهذه المشكلة الأخيرة تبدو الأقل صعوبة بالنظر لانتهازية هذه الأحزاب وتاريخها الطويل في البحث عن مصالحها في الحكومات وليس خارجها.
والخيار الأخير، هو تشكيل حكومة ضيقة تستند إلى «أزرق- أبيض» و»اليسار» ودعم القائمة العربية من الخارج وامتناع «إسرائيل بيتنا»، أي الحصول على دعم 57 عضو كنيست فقط، وامتناع ليبرمان عن التصويت ضد أو مع الحكومة. وهذا الخيار يبدو واقعياً في هذه المرحلة، وهو بالأساس يمكن أن يكون لمرحلة قصيرة جداً هدفها الرئيس القضاء على فرص نتنياهو وابعاده تماماً عن رئاسة الحكومة. وقد يترتب على مثل هذا الخيار لاحقاً إما توسيع الائتلاف بضم « الليكود» أو أحزاب أخرى للحكومة، أو الذهاب لانتخابات جديدة تحت رئاسة غانتس للحكومة. وفي الفترة حتى الانتخابات سيتقرر مصير نتنياهو ومستقبله السياسي. وأهم ما يحمله هذا السيناريو هو رؤية شخص آخر غير نتنياهو رئيساً للحكومة وإنهاء عهد رئاسة نتنياهو التي كانت الأطول في تاريخ إسرائيل. وتعويد الجمهور بمن في ذلك أعضاء وناخبو «الليكود» على أن نتنياهو «الملك» انتهى بلا رجعة.
 ولا شك أن نجاح غانتس في تشكيل حكومة، أي حكومة، ومهما كانت قدرتها على الصمود، سيدفع قيادات في حزب «الليكود» إلى التفكير في مستقبلها السياسي بعيداً عن نتنياهو الحصان الخاسر. وقد يقود هذا للتمرد على نتنياهو والبحث عن زعيم آخر أو حتى حصول انقسام في «الليكود» وذهاب مجموعة من أعضائه لتشكيل إطار جديد والانضمام للحكومة.
الاحتمالات أمام غانتس ليست سهلة، ولكن فرصته في تشكيل الحكومة أكبر من فرصة نتنياهو، وهو سيبني على فشل الأخير واحتمالات أن ينفض الناس من حوله، وهو المهدد بالذهاب للمحاكمة بتهم الفساد. ومهما كانت الصعوبات يفضل الجمهور الإسرائيلي عدم الذهاب مرة ثالثة للانتخابات في بداية العام القادم. مع ذلك كل شيء، ممكن حتى فشل غانتس وحل الكنيست وتنظيم انتخابات جديدة، قد لا تفضي إلى تغيير جوهري، وتعيد الأزمة السياسية من جديد إلى الواجهة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد