أثار كشف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن مواقع نووية إيرانية جديدة جرى فيها تطوير برنامج عسكري إيراني حسبما تدعي إسرائيل، ردود فعل كثيرة في الأوساط السياسية والإعلامية وحتى الأمنية الإسرائيلية. وأجمع غالبية المعلقين على أن الكشف من حيث المضمون والتوقيت جرى لاعتبارات انتخابية ويهدف لتجيير معلومات أمنية حساسة لصالح حملة نتنياهو الانتخابية ولتحسين صورته في أوساط الجماهير، في وقت هناك خشية جدية من فقدانه رئاسة الحكومة. فقد أظهرت استطلاعات الرأي المختلفة في الفترة الأخيرة توازناً بين «الليكود» بزعامة نتنياهو وبين «أزرق أبيض» الذي يرأسه بيني غانتس ، وعدم قدرة اليمين على تشكيل حكومة بدون حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان. وعليه فقد اضحى نتنياهو يصارع بشكل مستميت من أجل الفوز بتشكيل الحكومة وهو صراع ليس فقط على مستقبله السياسي بل على دخوله أو عدم دخوله السجن.
داني ياتوم رئيس جهاز «الموساد» السابق قال في تصريحات له يوم أمس في فضائية «كان» (11) العبرية أن نتنياهو بكشفه معلومات حساسة عن عمل الموساد في إيران يشكل خطراً على أمن إسرائيل وعلى نشاطات عملاء الموساد الذين يعملون هناك. كما أن رئيس حزب «العمل» وجنرالات من «أزرق أبيض» انتقدوا عملية الكشف هذه. وهناك معلومات تقول بأن ما تم نشره كان موجوداً لدى الحكومة منذ أكثر من شهر وأن نتنياهو اختار التوقيت قبل أسبوع من الانتخابات حتى يظهر للجمهور أنه يحقق انجازات أمنية، تماماً مثل إظهار لقاءاته مع زعماء العالم وعرضها في ملصقات كبيرة في مختلف أنحاء البلاد. وهو ما يعتبر دعاية رخيصة يستخدم فيها نتنياهو الحكومة وعلاقات إسرائيل لأغراض دعائية.
والمهم في هذا السياق هو أن نتنياهو بكشفه ما يقول إنها معلومات سرية عن برنامج إيران لتطوير السلاح النووي لم يحدد متى كان المشروع وليس لديه أي إثبات على أن إيران خرقت الاتفاق النووي منذ العام 2015 ، بل إنهم في إسرائيل يقولون إنه سيفشل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث إنه لن يساهم في تمكين الوكالة من التحقق من دقة المعلومات. ومن باب أولى كان على إسرائيل أن تزود المؤسسة الدولية بالمعلومات التي لديها للتحقق منها قبل نشرها. والصفعة الكبرى التي تلقاها نتنياهو كانت من حليفه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي صرح في اليوم التالي لعرض نتنياهو المسرحي أنه يرغب في لقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني وأن هذا قد يحدث، وليس لديه مشكلة في ذلك.
ويمكن القول كذلك أن موضوع تركيب الكاميرات في صناديق الاقتراع الذي هو موجه بالأساس ضد الجماهير الفلسطينية لتخويفها ودفعها لعدم التصويت هو أيضاً جزء من محاولات نتنياهو الحصول على مقاعد إضافية تضمن له تشكيل الحكومة القادمة. ولكن المعارضة وليبرمان الذي صوت ضد هذا القانون المقترح من الحكومة في لجنة الكنيست أفشلوا خطة نتنياهو هذه. ولهذا السبب هاجم نتنياهو ليبرمان واتهمه بالانضمام لليسار.
ولدى نتنياهو مشكلة أخرى تتعلق بالتوتر على الجبهات الشمالية والجنوبية حيث نجح حتى اللحظة في السيطرة على الوضع من خلال عملية «حزب الله» الاستعراضية غير المؤذية والتزام « حماس » بالتهدئة حتى في ظل الادعاء الإسرائيلي بأن «حماس» تفقد السيطرة على الحدود مع قطاع غزة . ولكن لا توجد ضمانات كافية لعدم حدوث تصعيد في الاسبوع الأخير ما قبل الانتخابات، فأي عملية يقوم بها «حزب الله» أو «حماس» أو حتى فصيل صغير في قطاع غزة ستثبت فشل السياسة الأمنية لنتنياهو التي هي أساساً عرضة للانتقاد. حيث يتهم بالضعف في مواجهة غزة.
والسؤال هو: ماذا بقي في جعبة الساحر نتنياهو لكي يضمن فوزه وحصوله على فرصة ليست مؤكدة لعدم دخوله السجن كفاسد كبير؟ ربما يذهب نتنياهو في اللحظات الأخيرة لإعلان كبير يخص الأراضي الفلسطينية المحتلة كضم المستوطنات أو فرض القانون الإسرائيلي على جزء منها واستغلال صمت الإدارة الأميركية وربما تأييدها لهكذا خطوة، ليحظى بدعم أكبر في أوساط اليمين يمكنه من الحصول على مقاعد تؤهله لنيل الأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة مع اليمين المتشدد بدون ليبرمان. وحتى لو فعل ذلك فهناك شكوك في حصول ائتلافه الحالي على أكثر من 60 مقعداً، إلا إذا حصل تطور غير عادي وانقلاب في تصويت الناخب الإسرائيلي.
الشيء المؤكد هو أن تصويت الفلسطينيين بكثافة ورفع نسبة التصويت إلى ما فوق70% من شأنه أن يقضي على فرص نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة. وربما يكون الخيار الأبرز هو تشكيل حكومة وحدة بين «أزرق أبيض» و»الليكود» إذا لم ينضم ليبرمان لائتلاف مع غانتس بدعم كتلة عربية مانعة. وفي كل الأحوال ليس متوقعاً أن يحدث تغيير جذري في سياسة إسرائيل حتى في حال فوز ائتلاف «ازرق أبيض» في تشكيل الحكومة، ولكن اسقاط نتنياهو يشكل بلا شك تغييراً نحو الأفضل قد يقود إلى عودة العقل لإسرائيل ولو بعد حين. ونحن لدينا دور في إعادة الإسرائيليين إلى جادة الصواب لو أحسنا استخدام الأوراق التي لدينا ولو بدأنا بخطوة واحدة كبيرة ومصيرية هي الوحدة الوطنية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية