ثلاث رسائل هامة بعثتها القيادة الفلسطينية مؤخراً للاتحاد الأوروبي تنطوي على معان تتصل بطبيعة المرحلة، وناجمة عن مراجعة للمرحلة السابقة، وما آلت إليه الأمور، إزاء السياسة الإسرائيلية التي تغلق الطريق على كل محاولة لتحقيق السلام.
الرسالة الأولى والمباشرة، هي أن الفلسطينيين فقدوا الثقة بالولايات المتحدة الأميركية، وبدورها، وإلاّ لكانت الرسائل موجهة للإدارة الأميركية، ولأن الاتحاد الأوروبي أكثر تفهماً وأكثر استعداداً للتفاعل الإيجابي ولو بحدود معينة غير حاسمة، مع السياسة الفلسطينية، فإن الرسائل تعبر عن تطلع نحو دور إيجابي وأكثر فاعلية للاتحاد الأوروبي.
تدرك القيادة الفلسطينية وكل الفلسطينيين أنه لا يمكن انتظار سياسات ومواقف من قبل إدارة أميركية لا تحسن الدفاع عن كرامتها، وهيبتها وان من لا يستطيع الرد على الإهانات الإسرائيلية المتكررة ضد إدارته لا يستطيع تقديم حلول ومساعدة الفلسطينيين على استرجاع حقوق.
أميركا التي فشلت في مساعيها السلمية، بعد أن احتكرت الملف وهمّشت دور الرباعية الدولية، التي غابت عن الأنظار لنحو ثلاث سنوات، أميركا عادت لتصدر أزمة عجزها وفشلها للرباعية الدولية، التي اجتمعت على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ قبل بضعة أيام، واكتفت بمطالبة باهتة، باستئناف المفاوضات.
أوروبا الموحدة التي اتخذت مواقف أكثر إيجابية، ومتقدمة عن المواقف الأميركية مطلوب منها أن تصعد دورها، وأن تستعيد استقلاليتها عن السياسة الأميركية إزاء ملف الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، وهي قادرة على التأثير، خصوصاً وأنها السوق الاقتصادية الأولى لإسرائيل والتخلي عن الدور الذيلي الذي لعبته خلف الولايات المتحدة.
تجربة أوروبا مع الولايات المتحدة، من خلال التحالفات التي جندتها أميركا لغزو العديد من البلدان، هذه التجربة تقول بأن الولايات المتحدة، تستدعي الآخرين بما في ذلك حلفاؤها الأوربيون لخوض حروبها هي، ومن أجل مصالحها هي، وبأنها لا تعرف منطق الشراكة مع الآخرين.
الرسائل الثلاث، تطرح ثلاث قضايا: الأولى، سياسية وتتصل بملف المفاوضات والعملية السلمية، وتشرح مسؤولية إسرائيل عن تعطيل هذه العملية، وتحذر من مخاطر السياسة التي يتبعها اليمين المتطرف في إسرائيل وتدعو إلى دور أوروبي مبادر ورائد.
القضية الثانية، وتتصل بملف القرصنة الإسرائيلية لأموال الضرائب الفلسطينية، والمسألة هنا تتجاوز الفعل بحد ذاته، وتتجاوز الحديث عن نتائجه المباشرة، إلى المخاطر المترتبة عن وجود السلطة الوطنية ذاتها. لقد سلبت إسرائيل السلطة معظم صلاحياتها، حتى أصبحت أقل من سلطة حكم ذاتي معقول، ما جعل الرئيس محمود عباس يتذمر مراراً من استمرار السياسة الإسرائيلية التي ترغب في تحويل السلطة إلى أداة لتسهيل دور الاحتلال، وتقليل تكلفته، فما بالنا، وهي تحتجز أموال الضرائب، ما يؤدي إلى تعجيز السلطة عن القيام بأبسط واجباتها تجاه موظفيها. قبل الرسائل الثلاث، كان مسؤولون أمنيون وعسكريون إسرائيليون قد حذروا من أن استمرار احتجاز أموال الضرائب قد يؤدي خلال الأشهر القليلة القادمة إلى تقويض السلطة، وربما انهيارها. إذا كان هذا ما يحذر منه إسرائيليون، فإن من الطبيعي أن يكون المنطق الفلسطيني أكثر جذرية، وأكثر استعداداً لقلب الطاولة في وجوه الجميع.
المطلوب من الاتحاد الأوروبي لا أن يعوض المبالغ التي تحتجزها إسرائيل أو السعي من أجل حلول ترقيعية، أو الاكتفاء بإدانة السلوك الإسرائيلي ومطالبة نتنياهو بالإفراج عن الأموال الفلسطينية، وإنما المطلوب الضغط على إسرائيل لإرغامها على تغيير سلوكها.
نحتاج من أوروبا الموحدة، سلوكاً ملموساً، يعاقب إسرائيل على ما تفعل ويحذرها من أن الاستمرار فيما تفعله، ينطوي على المزيد من العقوبات والمزيد من المخاطر التي تتصل بمصالح إسرائيل.
ومطلوب من الاتحاد الأوروبي أن تنتقل دوله من مرحلة التوصيات التي ترفعها البرلمانات، إلى الاعتراف الصريح، والسريع بالدولة الفلسطينية ودعم التوجهات الفلسطينية الساعية نحو البحث عن العدالة من قبل المجتمع الدولي، ومؤسسات الأمم المتحدة.
الملف الثالث، ويحذر من تزايد التطرف في صفوف الفلسطينيين، وهو تحذير له موجباته الموضوعية. ينبغي على أوروبا وغير أوروبا أن تدرك بأن الفقر والتهميش والحصار والتجويع، والتعدي على الكرامة الوطنية، كل هذه أسباب لنشوء التطرف والعنف، الذي لا يستطيع أحد التحكم فيه. قد يقال اليوم إن حركة « حماس » قادرة في قطاع غزة على ضبط الأوضاع الأمنية، وهذا صحيح، ولكن استمرار الأوضاع على ما هي عليه، قد يؤدي إلى فلتان لا يستطيع أي طرف السيطرة عليه.
الجوع كافر، وقطع الأرزاق من قطع الأعناق، فكيف إلى جانب ذلك، حين تجتمع كل المآسي والهموم فوق رؤوس الجياع، ومن يملك الحق في توجيه اللوم لأحد، أو إدانة أي رد فعل من باب الشعور بالاحباط، وبأن ثمة من لم يُبق للفلسطينيين ما يخسرونه؟
نفهم بأن هذه الرسائل في توقيتها، قد تنطوي على سياسة سحب ذرائع أو من باب «اللهم إني قد بلّغت». ولتبرير ما سيأتي في قادم الأسابيع، حين سيتم تفعيل انضمام فلسطين إلى معاهدة روما، ومعاودة طرح مشروع إنهاء الاحتلال على مجلس الأمن الدولي ولكنها أيضاً تذكّر من عليه أن يتحمل المسؤولية، لأن يبادر قبل فوات الأوان أن يقوم بما يتوجب عليه أن يفعل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية