قد لا يكون من المبكّر قراءة نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ولكن ما زال هناك ما يغير في هذه القراءة، وما زال هناك ما يمكن أن يعقّد المعادلة الداخلية في إسرائيل.
فإذا سيق نتنياهو إلى المحكمة قبل أن يتمكن من سنّ قانون يخرجه من مأزق الفساد المتورط فيه حتى أذنيه، وإذا ما أحسنت الأحزاب الدينية المتطرفة، الشرقية والغربية ابتزازه حتى الرمق الأخير وإلى التنكيل به تحت طائلة الفساد، وفي ظل رفض «غانتس» الدخول في حكومة وحدة وطنية يظل المشهد ملتبساً، ويظل مرشحاً للارتداد والانتكاس التام.
حتى أن إعادة دخول بينيت إلى الكنيست ما زال وارداً كاحتمال حتى وإن كان ضعيفاً، ولن تنعدم هذه الإمكانية حتى فرز آخر صوت من الاصوات التي لم يتم فرزها بعد.
لهذا فإن قراءة الانتخابات الإسرائيلية من زاوية دور وتأثير الصوت العربي ربما تكون هي الأهم والأجدى الآن.
لم تتجاوز نسبة التصويت العربي في هذه الانتخابات 49%في حين كانت قد بلغت هذه النسبة في الانتخابات السابقة حوالي 64.7%.
أي أن نسبة التصويت قد انخفضت حوالي 15% ما يعني في الواقع خسارة مزدوجة لجهة التمثيل العربي في الكنيست، ولجهة زيادة نسبة التمثيل اليميني فيه.
ولولا المناشدات في الساعات الأخيرة والاستنفار غير المسبوق والمحموم في هذه الساعات بالذات لما تجاوزت النسبة حاجز الأربعين، ولكنا أمام انتكاسة سياسية شاملة.
وبالحسابات البسيطة كان يمكن أن لا تعبر قائمة التجمع والحركة الإسلامية نسبة الحسم، وكان يمكن أن لا تتجاوز قائمة الجبهة والتغيير الأربعة مقاعد، علماً بأن دخول بينيت إذا ما تحقق فسيكون على حساب المقعد السادس لهذه القائمة.
هناك ثلاثة عوامل كبيرة أثرت على التصويت العربي لهذه الانتخابات:
الأول، هو ارتفاع نسبة المقاطعة المنظمة والمخطط لها بوعي وعناية.
هذه المقاطعة تقف خلفها بصراحة ووضوح الحركة الإسلامية الشمالية التي «تفضل» نتنياهو على غيره، وذلك من وحي تفضيل حركة حماس لنتنياهو عن غيره.
واضح أن حركة حماس قد «جنّدت» الحركة الإسلامية الشمالية في هذه المعركة لأن نتنياهو بعد «تشكيل» الحكومة (إن شُكِّلت) سيذهب بعيداً في خيار «دولة غزة »، وهو مستعد من أجل ضمان دوام وبقاء وترسيخ الانقسام الفلسطيني أن يعطي لحماس كياناً يكون بمثابة «الدولة» وبذلك يلتهم الجزء الأكبر من الضفة و»ينهي» بصورة عملية مسألة القدس ، ويحول مناطق (أ) و (ب) إلى منعزلات سكانية بين أحزمة استيطانية تحيطها من كل جانب.
هناك طبعاً من تجنّد للمقاطعة من خلفيات قومجية وأخرى وطنجية ويسراوية مراهقة، ولكن حجم تأثير هذه «المقاطعات» ليس بالوزن الكافي لإحداث هذا الانخفاض الكبير في نسبة التصويت العربية.
الثاني، هو حالة الاحباط الكبيرة التي نتجت عن انشقاق أحمد الطيبي وقائمته عن القائمة المشتركة.
لم يتم في الواقع تقدير البعد النفسي لهذه الواقعة، ذلك أن الجماهير العربية في الداخل كانت قد توسمت خيراً في القائمة المشتركة، ورأت فيها علامة خير ونضج ومسؤولية بالمقارنة مع حالة التشرذم التي تسود الساحة الفلسطينية وتضرب كل الوطن العربي في مفاصل حيوية منه.
لم يتوقف كل الذين كانوا مطالبين بالتوقف أمام بعد الاحباط الذي انطوت عليه الحالة الانشقاقية، ولم يقدروا جيداً أن البحث عن المصالح العليا للأقلية الفلسطينية هو الشغل الشاغل لها، وليس «حمّى» التنافس بين قائمتين في ظل استعار هجمة اليمين المتطرف على حقوق هذه الأقلية.
يكفي بهذا الصدد مراجعة «رزمة» القوانين التي أقرتها الكنيست في دورتها المنتهية، وكذلك «الرزمة» القادمة من هذه القوانين لكي تقف على الشعور بالاحباط لدى فئات واسعة من أهلنا في الداخل جرّاء الانشداد إلى المصالح الفئوية، والمصالح الحزبية والمكتسبات الخاصة.
الثالث، هو حالة الاحباط الاجتماعي الناجمة عن عجز قيادة الجماهير العربية في إسرائيل عن حل المشكلات التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وخصوصاً انتشار السلاح والمخدرات والقتل على خلفية (الشرف) والكثير الكثير من مشكلات الشجار العنيف لأسباب تخلو من اي مبررات مقنعة.
ذلك أن هذه الجماهير لم تلاحظ بما يكفي أن الطليعة السياسية قد تمكنت من التصدي الفاعل لكل هذه الظواهر، وانحصر دور هذه الطليعة غالباً بالعلاقة السياسية مع هذه الجماهير، علماً بأن التجربة الحسية في عالم اليوم تفيد بأن الحزب السياسي ينجح بقدر ما يكون اجتماعياً، وأن كل المنظمات الاجتماعية تفشل عندما لا تكون سياسية بالقدر الكافي. 
اليسار والوسط في إسرائيل يدفع ثمن جبنه وثمن عدم قدرته على الانفصال الحقيقي عن اليمين واليمين المتطرف. والعرب في إسرائيل يدفعون ثمن عدم إدراكهم للأهمية الكبيرة لدورهم ومكانتهم بالقدر المطلوب.
ولأن قضية الجماهير العربية في إسرائيل هي قضية قومية أولاً، وقبل كل شيء فإن هذا الأمر بالذات يؤهلهم أو يفترض أن يؤهّلهم لكي يكونوا كتلة متراصة لمواجهة التطرف والعنصرية. ولهذا بالذات فإنهم يحتاجون أكثر من غيرهم أن يتحولوا إلى كتلة تأثير على قطاعات إسرائيلية واسعة والانخراط معها في معركة تعمل على فرز متواصل، بحيث يُجبر الجبناء على التحلي ببعض الشجاعة للانفكاك من اليمين المتطرف في إسرائيل، والاعتراف بأن الاستناد إلى التحالف مع الأقلية العربية هو احتياج ديمقراطي في إسرائيل، وهذا لن يحدث قبل أن يعي العرب دورهم المهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد