كثر الحديث من أطراف إسرائيلية عن الترويج لخارطة المنطقة التي تحمل طموحات الحكومة الإسرائيلية ورؤيتها لما تقول إنه الشرق الأوسط الجديد. البعض يرجع أصل هذه الخارطة إلى السنوات الأولى لبدء المشروع الصهيوني وآخرون يعيدونها إلى حكماء إسرائيل، وأنّ الوقت حان لتنفيذها.
ومع أن الخرائط المنشورة، على منصات التواصل الاجتماعي التابعة لحسابات الرسمية الإسرائيلية، تشمل فلسطين والأردن، وسورية ولبنان، فيما تضيف خرائط أخرى أجزاء من السعودية ومصر، إلّا أنّ كل ذلك، لم يترك أثراً واضحاً أو علنياً على الدول المعنية.
خلال هذا الأسبوع واستشعاراً للخطر، وفيما يبدو أنّ الحكومة الأردنية تأخذ الأمر على محمل الجدّ، أصدرت الخارجية الأردنية بياناً تدين فيه التبني الرسمي للحكومة الإسرائيلية لهذه الخرائط.
الفلسطينيون أكثر حساسية، وجدّية تجاه هذا الترويج، الذي تزايد بصورة واضحة بعد التغيير الذي شهدته سورية، بينما يلوذ آخرون بالصمت، إمّا لأنهم لا يصدقون ذلك، وإمّا لأنهم على ثقة بقدراتهم على إفشال تلك المخطّطات، والبعض يستمرّ في المراهنة على العلاقات الأميركية.
من تلك الخرائط تتضح أبعاد تلك المخطّطات ذات الأهداف والأبعاد، الإستراتيجية حيث تعكس الرغبة في السيطرة على منابع النفط والطاقة في الشرق الأوسط، وعلى ممرّات التجارة الدولية.
الحلقة الفلسطينية بعد ما جرى ويجري في قطاع غزة ، تشكّل الأولوية في تلك المخطّطات إذ لا يمكن غضّ النظر عن استمرار وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير.
لقد أصبح هؤلاء الأكثر جرأة في التعبير الحقيقي عن كنه السياسة التي تتبناها حكومة «اليمين» المتطرّف برئاسة بنيامين نتنياهو .
مؤخراً دعا سموتريتش إلى إلغاء اتفاقية أوسلو وتفكيك السلطة الوطنية الفلسطينية، وكلاهما يكرّر الدعوة والعمل لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية و القدس ، والاستيطان في غزة، وكلاهما يتحدث عن العام 2025 باعتباره «عام الحسم» في الضفة الغربية.
الوضع الميداني في الضفة، يشهد تصعيداً واضحاً، فلا يكاد يمرّ يوم دون اقتحامات يشنها جيش الاحتلال على مدن وقرى ومخيّمات فلسطينية في الضفة، وكأنّ هذا الجيش يمارس سياسة الدفاع في الضفة، تتخذ الحكومة سياسة هجومية، وبعض وزرائها يدعو للتعامل مع بعض مدن شمال الضفة، بالأسلوب ذاته الذي يتعامل من خلاله الجيش في القطاع.
دولة الاحتلال لا تنتظر مبرّرات، حتى تصعّد حربها على الضفة تماماً كما أنّها لم تكن بحاجة إلى مبرّرات، لكي تقوم بما قامت به في القطاع. جاهل فقط أو مخادع من يعتقد أنّ ما وقع في «طوفان الأقصى» 2003، كان السبب الذي أدى إلى ما وقع منذ ذلك الحين، ولا يزال مستمراً.
الأهداف الأولى التي أفصحت عنها الدوائر السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية خلال الأسابيع الأولى للحرب، كانت تشير إلى أنّ أهدافها، كانت تتعدّى الأهداف الحالية، إلى تهجير سكان القطاع إلى سيناء، وسكان الضفة إلى الأردن، بالإضافة إلى تغيير خارطة الشرق الأوسط.
ستعلو نغمة الحديث عن أهداف دولة الاحتلال التي تعبر عنها الخرائط المنشورة، بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، الذي قال في زمنٍ سابق إنّ «أرض إسرائيل» صغيرة، ولا بدّ من توسيعها.
وهذه النغمة التوسعية، تتطابق مع عقلية ترامب، الذي عاد ليتحدث عن ضمّ كندا إلى الولايات المتحدة، وكذا بنما وغرينلاند.
في تصريح أخير يوم الثلاثاء، أوضح ترامب طريقته في تحقيق ذلك، إذ قال إنّه لا يستبعد الإكراه العسكري والاقتصادي على بنما وغرينلاند ما لم توافق الدانمارك على تأخيرها.
وأيضاً تتطابق أساليب وطرق تفكير الإدارتين الإسرائيلية والأميركية إزاء كيفية التعامل مع الملفّات الساخنة، وبضمنها منطقة الشرق الأوسط التي كرّر ترامب تهديداته بأنّها ستشهد جحيماً، إذا لم يتم الإفراج عن الرهائن قبل دخوله البيت الأبيض.
حين يفكّر المرء بما يقصد ترامب في الحديث عن جحيم الشرق الأوسط فإنّ الأمر يتجاوز بالتأكيد ما قد يتخذه من إجراءات، ضد قيادات « حماس » إلى إمكانية فتح أبواب الصراع في المنطقة على غاربه ابتداء من اليمن أو إيران أو كليهما في الآن ذاته.
ثمّة استهتار إسرائيلي شديد، تجاه ما قد تواجهه الدولة العبرية من أنظمة وشعوب المنطقة، حتى لو وقفت إلى جانبها أميركا، وبعض دول الغرب الرأسمالي، ويبد أنّ الحكومة «اليمينية» المتطرفة على دراية، بأولويات ترامب الخارجية.
الحديث عن جحيم الشرق الأوسط، كما ورد مكرّراً في تصريحات ترامب، تترافق مع تراجعه عن قدرته على وقف الحرب على أوكرانيا، يعني أنّ منطقة الشرق الأوسط تقع في أولوياته، وتعكس نزعة عدوانية واضحة.
إزاء الحرب في أوكرانيا، قال ترامب يوم الثلاثاء إنها أكثر تعقيداً الآن ويمكن أن تتصاعد بشكلٍ أكبر.
وعطفاً على تصريحات سموتريتش إزاء «أوسلو»، والموقف من السلطة الوطنية، والاستيطان، وتصعيد الحرب في الضفة، لا بدّ له ولحكومته، التي يعبّر عن حقيقتها، أن يتذكّر أن دولة الاحتلال التي احتشدت خلفها أميركا والدول الغربية الوازنة منذ بداية الحرب العدوانية، قد فشلت في تحقيق الأهداف الأولى، وحتى الأهداف الثانوية باعتراف الكثير من المسؤولين العسكريين والأمنيين السابقين. هذا الجنرال غيورا آيلاند مصمّم «خطة الجنرالات» يعترف بالفشل ويدعو إلى وقف الحرب التي يعتبرها عبثية وتفتقر للأهداف السياسية.
وفشلت الحرب التدميرية، أيضاً، على لبنان، إذ لم يستطيع جيش الاحتلال احتلال الأرض إلّا من بضع مئات الأمتار التي عليه أن ينسحب منها وفق اتفاق وقف إطلاق النار، وإلّا اندلعت المواجهات مرّة أخرى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية