كان يوم أمس، يوماً لاختبار مختلف الأطراف، هو يوم الأرض الذي تحييه جماهير شعبنا في كل أماكن تواجده لتأكيد التصدي لمشاريع الاحتلال، وهو ذاته يوم ذكرى انطلاقة مسيرة العودة على تخوم الحدود بين قطاع غزة وغلافه الاستيطاني، حالة التوتر والتصعيد المتبادل حول هذا «الغلاف»، نُظر إليه باعتباره حداً فاصلاً بين مرحلة وأخرى على ضوء جملة التفاهمات التي نجح الجهد الأمني المصري بالتوصل إليها، ما يمكّن القيادة الإسرائيلية من التوجه إلى الانتخابات البرلمانية في حالة أقرب إلى الهدوء مع قطاع غزة، بينما حركة حماس ، التي نجحت في الضغط على الجانب الإسرائيلي للحصول على تحسينات من شأنها كسر الحصار الإسرائيلي جزئياً ولكن مقدمة لتحسينات إضافية، هي ـ حركة حماس ـ بأمسّ الحاجة لها في تقدم إنجاز واضح لشعار المسيرات: كسر الحصار.


ضغطت إسرائيل، في محاولة منها لتحقيق تفاهمات مع حركة حماس من دون الإقدام على حرب واسعة من شأنها أن تلحق ضرراً خطيراً بدولة الاحتلال، بالنظر إلى أن أية حرب مع حركة حماس، غير مضمونة النتائج، وإضافة إلى أنها ستكون مكلفة جداً، فإنها لن تنهي الوضع القائم، لذلك عمدت إسرائيل إلى التلويح بهذه الحرب، مع أنها تدرك أن الجانب الآخر، حركة حماس، تعلم أن إمكانية اندلاع حرب واسعة في هذه الظروف غير قائمة، لذلك حشدت إسرائيل قواتها في مظهر إعلامي واضح، معلنة عن حشد كتائب وألوية من وحدة «جولاني» ووحدات مدرعات وعشرات القنّاصين.


وبالمقابل، حشدت حركة حماس من خلال الإرباك الليلي، سلاحاً قوياً وفاعلاً لا يُلحق الأذى والضرر المباشر بأرواح المستوطنين في غلاف غزة، مئات وربما آلاف المتفجرات الصغيرة، المتلاحقة والصاخبة، الأمر الذي جعل ليلة غلاف غزة، الجمعة ـ السبت الماضي، قبل ساعات من انطلاق إحياء ذكرى «يوم الأرض» ومسيرات العودة، ليلة صعبة أطلقت عليها وسائل الإعلام الإسرائيلية، ليلة الـ «بوم بوم»، وقد أثبت هذا السلاح فاعليته من حيث سهولته من ناحية، ومن دون أن يخلق مبرراً للقوى الداعية لإعلان حرب واسعة على قطاع غزة، حالة موت للغلاف بدون دماء، لكن ذلك كان بالتوازي مع حشد صاروخي من قبل حركة حماس، عندما أعلنت عن تفعيل وضبط الصواريخ للانطلاق بشكل منظم نحو أهداف إسرائيلية، وهو حشد يوازي الحشد الإسرائيلي الإعلامي الواسع حول قطاع غزة.


مع ذلك، فإننا لا نرى أن يوم امس، كان يوماً فاصلاً يؤسس لمرحلة جديدة، نتنياهو لن يستطيع التقدم بتحسينات جدية أساسية لكسر الحصار وهو في حالة انتخابية، مع ذلك، فإن الوصول إلى تهدئة مقابل تهدئة، كبديل عن استنزاف مقابل استنزاف، سيظل رهناً بالقادم من الأيام، وتحديداً ارتباطاً بنتائج الانتخابات الإسرائيلية القادمة، ومع أننا ندرك أن أية حكومة جديدة، سواء شكّلها اليمين الليكودي أو يمين (أزرق ـ أبيض) فإن الإقدام على حرب واسعة لن يكون خياراً لهذه الحكومة، لسبب بات بسيطاً بقدر ما هو معقد، ذلك أننا نرى أن لا ضمانة لتحقيق انتصار نهائي حاسم لإسرائيل بنتيجة مثل هذه الحرب، حتى لو كانت حرباً برية مكلفة لقوات الاحتلال، لذلك، فإننا نعتقد أن الخيار الوحيد أمام أية حكومة إسرائيلية قادمة هو الانتقال من تهدئة مقابل تهدئة، إلى هدنة طويلة الأمد وبضمانات عربية ودولية، يتم من خلالها إدخال تحسينات إضافية هامة وأساسية، كالميناء ومطار وتمرير المزيد من الأموال القطرية، هنا يمكن القول إننا أمام مرحلة جديدة، تؤسس لتعزيز الانقسام والانفصال والتمهيد لقيام دولة غزة من الناحية الواقعية والعملية، وهنا تكمن خطورة كل ما يجري هذه الأيام!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد