"ليس صدفة اعتبرت الهيئة الأمريكية لمكافحة التشهير إسرائيل كالمستفيد الرئيسي من الأعمال الإرهابية التي ينفذها مسلمون ضد الأهداف الغربية؛ مما عزز الشعور عند البعض بوجود مؤامرة يهودية خلف تفجيرات 11 سبتمبر في أمريكا"، يقول الصحفي الاسرائيلي عكيفا الدار، ونحن في "أطلس" وإن كنا لا نميل لعقلية المؤامرة، كما أيضاً لا نستبعدها مطلقاً عن العقلية الصهيونية؛ فثمة شواهد تاريخية على ذلك (قيام الموساد بتفجير بعض المصالح الغربية في القاهرة سنة 1954 لتحريض الغرب ضد عبد الناصر) وشواهد أخرى، لكن من الواضح اليوم ان حالة الانفلات والفوضى والتفكك والعنف والارهاب توفر على عدونا جهد التآمر علينا، وتنطبق علينا الحكمة اليهودية التي تقول "ينجز الغرباء واجبات المحسنين"، ونحن اليوم نوفر على الخبثاء الأشرار والإرهابيين الحقيقيين جهدهم.


لقد وجد حكام تل أبيب وجنرالاتها القتلة في أحداث باريس ضالتهم، فخرجوا عن طورهم وعن اللياقة الديبلوماسية للبرهنة للأوروبيين على صدقية وجدية تحذيراتهم من الخطر الإسلامي، ومن مخاطر أسلمة أوروبا ديموغرافياً، ومن مخاطر الإرهاب الإسلامي الذي يهدد نمط حياتهم واستقرارهم الاقتصادي وروح الثقافة والديمقراطية الغربية، في تحريض فج ووقح على عشرات الملايين من العرب والمسلمين، وصل الى حد النقد العلني لكل ما يتعلق بسياسات الحرية والتسامح والانفتاح الأوروبي، وإملاء التجربة الإرهابية الأمنية الإسرائيلية على منظومة الأمن الأوروبية.


لسان الإرهابي، زعيم "البيت اليهودي"، علينا استغلال الفرصة، وفي بيان لحزبه يطالب إسرائيل بتفعيل مصفحاتها الثقيلة الاعلامية والديبلوماسية لتشرح وتوضح للعالم ان الإرهاب الإسلامي يشكل خطراً على العالم كله، أما نتنياهو فيقول "ان اسرائيل تقف مع أوروبا في مواجهة الإسلام المتطرف، وعلى أوروبا ان تقف الى جانب اسرائيل في مواجهة الإرهاب الذي يحمل أسماء كثيرة منها حماس وحزب الله وداعش والقاعدة"، ويضيف "علينا ان ندعم الواحد الآخر في جبهة موحدة وفعالة ضد الإرهاب"، وهو لا يكتفي فقط بنشر الخوف من الاسلام وخلق جبهة ضد ما يسميه "الإرهاب"؛ بل يستغل الفرصة لتحريض اليهود على الهجرة لاستكمال المشروع الصهيوني باعتبار الهجرة اليهودية تشكل قاعدته الأساسية.


ونتنياهو، الذي يحرض اليهود على الهروب من خطر الإرهاب الى موطن اللجوء الآمن، يريد حسب وزير إسكانه أريئيل ان يوطن غالبيتهم في مستوطنات الضفة، أي انه يريد ان يحولهم من مواطنين أحرار في أوروبا الى قتلة ارهابيين ومجرمين، والى درع واقٍ في مواجهة مقاومة الشعب الفلسطيني، مع احتفاظهم بمواطنتهم الأصلية، وقد وصلت الوقاحة الصهيونية ذروتها عندما احتفلت اسرائيل بدفن المواطنين اليهود الأربعة الذين قتلوا في باريس، فقد قتلوا مواطنين فرنسيين ودفنوا كمواطنين إسرائيليين بحشد رسمي وشعبي كبير، وأبنوا بخطابات رسمية.


ليفني بدورها تنتقد نتنياهو، لكنها لا تنتقد جوهر خطابه؛ بل لأنه – حسب وصفها – يضيع من اسرائيل فرصة سانحة لجعلها جزءاً من جبهة عالمية في محاربة الإرهاب، فهو ملتزم بخطاب يميني لا يتيح له هامش مرونة للتلاعب بالمفردات، فلا يستطيع مثلها دس السم في الخطاب المعسول.


وزير الحرب السابق وأحد أهم زعماء "الليكود" سابقاً موشيه آرنس يحاول ان يشرح للغرب صدقية نبوءة صدام الحضارات التي روج لها مؤرخ محافظي أمريكا الجدد صمويل هنتنغتون، على اعتبار ان الأعمال الإرهابية التي ينفذها مسلمون ضد المصالح الغربية هي جزء أصيل من رسالة الاسلام التي بدأت منذ رسالة سيدنا محمد، وهي الحرب على كل ما هو غير إسلامي، حسبما يشرح آرنس في مقالته "صدام الحضارات".


التحريض على العرب والمسلمين لم يقتصر فقط على السياسيين؛ فقد أفرد الاعلام الاسرائيلي مساحة واسعة لجنرالات الأمن في تحليل التهديدات الأمنية التي تشكلها الجاليات الاسلامية في الدول الغربية، والحلول الأمنية والاجرائية الناجعة التي يوصي بها خبراء الأمن الاسرائيليين من واقع كونهم الأكثر خبرة بالعالم في (التصدي للإرهاب)، وهؤلاء يشعرون وكأن وقت الحاجة إليهم والى خبراتهم قد حان، وأن أوروبا ستتوسل إليهم لمساعدتها بخبراتهم.


ومن واقع تجربتهم وحرية فضائهم الأمني من أية عوائق أو ضوابط تقيد حرية يديهم الغليظة وقسوة سطوتها دون التفات لأية معايير لها علاقة بحرية وحقوق وكرامة الانسان وحق المساواة؛ بدأ هؤلاء بتشخيص الحالة وإسداء النصح كما لو كانوا شخصاً واحداً من حيث تشابه خطابهم، الذي يجمع على تشخيص الخاصرة الرخوة الأوروبية في مجال أمنها الداخلي، بأنها تتمثل في:


- حساسيتهم المفرطة تجاه حقوق الانسان، والنظرة لجميع المواطنين على أنهم سواء من حيث الحقوق.


- تقديم حقوق الانسان على أولوية أمن حياة الانسان.


- انفتاح الدول الأوروبية دون مراعاة الرقابة والضوابط الأمنية على الحدود بين الدول.


أما نصائحهم فهي تنطلق من قاعدة تقول ان "كل الإرهابيين مسلمون"، وبذلك فهي تقسم المواطنين الأوروبيين إلى فئتين: مسلمون وغير مسلمون، والمسلمون هم الفئة المستهدفة التي تستهدفهم الإجراءات والتوصيات الأمنية الإسرائيلية، والتي تطالب بـ:


- تقديم حق تأمين الحياة على حقوق الخصوصية الشخصية والحرية وحقوق الانسان الأخرى.


- تشريع قوانين للتعامل مع الجرائم الإرهابية تختلف عن تلك المتعلقة بالجرائم الجنائية، بما يتيح تنفيذ اعتقالات إدارية ضد مشتبه بهم، ولا يمكن إثبات التهم ضدهم وإدانتهم في المحكمة، وذلك كإجراء وقائي مسبق.


- تشكيل هيئة أوروبية لمكافحة الإرهاب تستهدف مواطني الفئة المستهدفة.


- تفعيل شبكة تنصت على مواطني الفئة المستهدفة عملاً بقاعدة "لن تعرف إن لم تتنصت"، وتفعيل شبكة من العملاء لتوفير قاعدة معلوماتية كبيرة.


- تفعيل أنظمة وإجراءات تفتيش ورقابة في المطارات والموانئ والمعابر الحدودية والأماكن الحساسة، تستهدف الفئة المستهدفة.


إسرائيل وجنرالاتها القتلة الإرهابيين، الذين يقتلون الأطفال والصحفيين والنساء ويقتلعون الأشجار ويحرقون المساجد وينهبون الأرض ويصادرون أبسط حقوقنا في الحياة ويدوسون بأقدامهم غير آبهين على مواثيق وشرائع حقوق الانسان بهدف تخليد الاحتلال، وفي نفس الوقت يتغنون بالقيم والأخلاق وطهارة السلاح والحرية والديمقراطية؛ يريدون ان يسمموا روح العالم بتحريضهم ويثيروا فيه الحقد والكراهية، ويفرضوا عليه أساليبهم في القتل والإرهاب وسحق الحريات.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد