نتائج التصويت في مجلس الأمن حول مشروع قرار إنهاء الاحتلال ربما لم تكن مفاجئةً، بمعنى أننا كنا على يقين من أن المشروع لن يمر بسبب «الفيتو» الأميركي.. «الفيتو» الذي كان سيكشف الغطاء عن العورة الأميركية وإن لفترة محدودة. المفاجئ هو اعتقادنا دائماً بأن العالم معنا، أو على الأقل أن عدالة القضية الفلسطينية تستوجب من العالم والقوى المؤثرة فيه أن تكون إلى جانب الحق.. متناسين ولو للحظة أن لغة المصالح الدولية ما زالت سائدة، وأن عقلية القوى العظمى الاستعمارية ما زالت راسخة وإن تغير نهجها بما يتلاءم مع تطورات العصر.
سلط التصويت الضوء على أكثر من ملاحظة بحاجة إلى إجابة أو متابعة، وقد أحسن الرئيس صنعاً عندما أصدر تعليماته، أمس، إلى وزارة الخارجية لاستيضاح أسباب معارضة بعض الدول أو امتناعها عن التصويت، ولعلّ أهم ملاحظة تتمثل في الموقف الأوروبي الذي بدا مفككاً بعيداً عن مفهوم وحدة القرار الذي تمثله أطر الاتحاد الأوروبية الرسمية في بروكسل.
بريطانيا وليتوانيا امتنعتا عن التصويت، فيما أيدت فرنسا ولوكسمبورغ مشروع القرار.. ومن الملاحظ هنا أن الموقف البريطاني لم يتأثر بالمطلق بتصويت مجلس العموم البريطاني قبل عدة أسابيع والذي أوصى بالاعتراف بالدولة الفلسطينية.. وبعيداً عن إعادة التأكيد على أن بريطانيا تتحمل مسؤولية أخلاقية عن هذا الاحتلال بصفتها الدولة التي ساعدت في إقامة الكيان الإسرائيلي وأمدته بالسلاح والتدريب.. لكن يبدو أن من يمسك بزمام الأمور في بريطانيا لم يعد يفكر كثيراً بمفاهيم الأخلاق أو هو أبعد من ذلك بكثير. أما ليتوانيا فحالها كحال كثير من الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي سابقاً، والتي للأسف كما كثير من دول شرق أوروبا أقرب إلى مواقف الاحتلال، رغم ما تعتبره معاناتها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي... هذه المعاناة كان يجب أن تؤكد على مواقف حرية الشعوب وحق تقرير المصير.. ولكن ما نلمسه من مواقف كثير من دول شرق أوروبا يثير الدهشة.
ملاحظة أخرى تتمثل في موقف الدول الإفريقية حيث امتنعت نيجيريا ورواندا - أي ممثلتي القارة الإفريقية - عن التصويت، وربما كان موقف نيجيريا هو الذي حسم الفشل.
قد يقول البعض إن هناك تعهداً من نيجيريا حتى قبل نصف ساعة بأنها ستصوت مع مشروع القرار، هذا فشل لكل من يحاول التبرير بهذا المنطق... مواقف الدول لا يمكن أن تحدث في نصف ساعة... الحقيقة أن لنا مشكلة مع إفريقيا منذ سنوات... وفي الوقت الذي كانت كل مواقف إفريقيا داعمة دون تردد للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وتربطها علاقة إستراتيجية مع منظمة التحرير.. نرى أن الأمور تسير بشكل مغاير خلال العقد الأخير، وأن التغلغل الإسرائيلي واضح جداً في هذه الدول على صعيدي دعم الأنظمة هناك وتقديم بعض المساعدات المالية... وبالتالي يجب إعادة النظر في الدبلوماسية الفلسطينية في هذه الدول.
ملاحظة ثالثة هي الموقف العربي، حيث لم نلحظ رد الفعل العربي القوي حتى لو من باب رفع العتب على نتائج التصويت بل إن بعض وسائل الإعلام العربية والدبلوماسيون العرب يتحدثون بلغة التشفي بحجة عدم انصياع الفلسطينيين لنصائحهم بالتأجيل...
الموقف العربي الهزيل خطير ليس فقط على القضية الفلسطينية لأنها قادرة على التحمل والصمود أكثر مما يتوقعون، ولكن الخطورة على تلك الأنظمة التي أخذت شرعيتها لسنوات طويلة من القضية الفلسطينية. حتى جامعة الدول العربية لم تحرك ساكناً سوى إصدار بيان ليست له قيمة... ماذا لو دعت الجامعة العربية - على الأقل - سفراء الدول التي صوتت ضد أو امتنعت، وتحدثت معها بصوت واحد ولغة واضحة.. لغة المصالح؟... أين المصالح النيجيرية الحقيقية؟... أين مصالح كوريا الجنوبية التي تصدّر بمليارات الدولارات إلى العالم العربي؟ أين المصالح البريطانية رائدة الاستعمار في القرن العشرين؟
هي أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة من الأنظمة العربية، لأن الفشل سيؤدي فعلاً إلى الامتداد الفارسي وإلى سيطرة قوى خارجية عن توقعاتها ولا نريد لهم أن يقضموا أصابعهم ندماً في لحظة ما على قاعدة «أُكلت يوم أُكل الثور الأسود»؟!.
abnajjarquds@gmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية