قبل أشهر معدودة نشرت عينات ويلف عضو الكنيست السابق من حزب العمل بالتعاون مع الصحافي عادي شوريتس كتاباً بعنوان "حرب حق العودة"، وقد صادف نشر الكتاب انطلاق مسيرات العودة في قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل، ما ساعد عينات في الظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية لشرح وجهة نظرها المتطرفة تجاه اللاجئين الفلسطينيين. وفي هذا السياق تدعي عينات أن الفلسطينيين بإصرارهم على حق العودة يريدون تدمير إسرائيل كدولة يهودية، وأنهم يريدون عودة ملايين اللاجئين إلى إسرائيل وأن فكرة العودة الرمزية التي طرحها الفلسطينيون في المفاوضات هي خداع للرأي العام وأن الحديث يدور عن عودة مليوني لاجئ حسبما تقول إنها وجدت هذا في وثيقة سرية فلسطينية.


وتشن الكاتبة هجوماً شرساً على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " الأونروا " وتدعي أن هذه الوكالة "تنمي الوعي عند الفلسطينيين بالتهجير والعودة"، و"تدعم الإرهاب طوال السنين". اكثر من هذا تتهم الحكومات الإسرائيلية "يسار ويمين" بالوقوف ضد فكرة طرح موضوع "الأونروا" على الأجندة الدولية ووقف الدعم لها وحلها. وتهاجم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تحذر دوماً من وقف الدعم للأونروا، وتقول إنها "تعلم أن أجهزة الأمن لا تعرف التعامل مع الرواية وإنها تعرف طلب وتحقيق الهدوء الآن، وهي تعمل بكل الطرق الممكنة لاستمرار تدفق الأموال حتى لو كان مغزى ذلك أننا نشتري الهدوء بحرب تستمر لعشرات سنوات قادمة". وإن "دولة إسرائيل هي المدافع عن المطلب الفلسطيني بالعودة".


اليوم، تشعر هذه الكاتبة بالنشوة لأن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل اشترت الفكرة وعملت عليها مع إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي لا يضيع فرصة للتخريب إلا وقام بها وكأنه مسيطر عليه تماماً من بنيامين نتنياهو أويخشى منه، أو لربما يمسك عليه الأخير مماسك تجعله يمارس سياسة تخشى أوساط يمينية إسرائيلية من تبعاتها على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية والصراع في المنطقة. وترى هي ونتنياهو أن الإدارة الأميركية قامت بالخطوة الصحيحة ولو متأخراً بعض الشيء. وهي تعتقد أن مسألة شطب "الأونروا" باتت قاب قوسين بجهود الولايات المتحدة الأميركية.


في الواقع، يعلم الإسرائيليون علم اليقين أن الفلسطينيين لا يريدون تدمير إسرائيل ولا تغيير تركيبتها بصورة جوهرية، على الأقل هذا ما ظهر بوضوح في كل جولات المفاوضات التي تناولت قضية اللاجئين. وهم يعلمون كذلك أنه بدون حل هذه القضية لن ينتهي الصراع، كما أنهم يعلمون أيضاً أن أحداً لا يمكنه إزاحة مسائل التسوية الدائمة الجوهرية المتفق عليها عن طاولة المفاوضات أو البحث بدون التوصل إلى حلول مقبولة على الطرفين بشأنها. لكن ما يهم نتنياهو وشركاءه في الحكومة هو إلغاء فكرة المفاوضات والتسوية بشكل كامل وضمان استمرار الاحتلال والاستيطان والتهويد في كافة أرجاء الضفة الغربية وفي المقدمة منها القدس الشرقية المحتلة. وإدارة ترامب هي التي تقوم بالعمل القذر لصالح إسرائيل.


وأغرب ما في الأمر هو تحدي ترامب للقوانين والأعراف والقرارات الدولية التي باتت جزءاً من النظام الذي يحكم الكون، ولا يستطيع أحد تجاوزه. والحديث على سبيل المثال بأن "الأونروا" تبالغ في أرقام اللاجئين الفلسطينيين وتضاعفها بعشرات المرات هو ليس مجرد أكاذيب وهرطقات، بل ويتنافى مع الحقائق التاريخية. فالقضية الفلسطينية نشأت بالأساس كقضية لاجئين شردوا من وطنهم وحرموا من حق العودة وتقرير مصيرهم بأنفسهم هم ومن تبقى من أبناء شعبهم في الديار ولم يهاجروا داخلياً أو خارجياً. ولا يمكن تشبيه القضية الفلسطينية بأي قضية تهجير أو لجوء، فالقضايا الأخرى تتحدث عن مواطنين هاجروا من أوطانهم لسبب أو لآخر ولديهم دول معترف بها ويستطيعون العودة إليها متى انتهت الأسباب التي من أجلها هاجروا أو شردوا، أما الفلسطينيون فلا يملكون دولة ولا يستطيعون العودة ولا حتى زيارة الوطن المحتل، وبالتالي لا تنطبق عليهم معايير اللجوء القائمة في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي يطالب الإسرائيليون وضع الفلسطينيين تحت إطارها وإلغاء "الأونروا".


والغريب كذلك أن يتحدث نتنياهو عن اللاجئين اليهود الذين تم دمجهم في إسرائيل وإلغاء صفة اللجوء عنهم، بينما يطالب الإسرائيليون بدمج قضية اللاجئين اليهود من الدول العربية مع قضية اللاجئين الفلسطينيين والحصول على تعويضات لهم. بل ماذا يقول نتنياهو في تقرير سابق لصحيفة "هآرتس" في شهر كانون الثاني من هذا العام يتحدث عن حلم اليهود العراقيين بالعودة إلى العراق بعد القضاء على "داعش" وتحسن الوضع الأمني هناك، ورغبة قسم منهم في الحصول على جواز سفر عراقي في حين يحاول آخرون شراء أملاك في العراق.


لا يساعد ترامب إسرائيل عندما يعمل على شطب أسس التسوية السياسية ويجعلها مستحيلة خاصة مع محاولة إزاحة أهم قضيتين من القضايا الجوهرية على طاولة المفاوضات وهما القدس واللاجئون، فلا دولة فلسطينية بدون القدس ولا حل للصراع ولا سلام ولا أمن ولا استقرار في هذه المنطقة بدون حل المسألة الفلسطينية من كل جوانبها، ومن يرفض التسوية العادلة هو الذي يساهم في إبقاء القضايا الشائكة عالقة لأطول فترة ممكنة بما فيها قضية اللاجئين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد