11-TRIAL- افضل ما حققناه حتى الان من خلال اللعب بورقة مجلس الامن، هو هذا الانشغال الامريكي الاوروبي في الشأن الفلسطيني.
ولأمريكا وأوروبا ايقاع خاص في القضايا السياسية المعاصرة، اضافة الى ان الطرفين المهمين، يتميزان بالموقف من القضية الفلسطينية على نحو ينطوي على شيء من الغرابة، فالأوروبيون جميعا متعاطفون مع الفلسطينيين، واصحاب مصلحة في قيام دولتهم، لاعتقاد اكيد منهم اولا بأحقية الفلسطينيين كشعب يشارف تعداده على العشرة ملايين ، في اقامة دولة مستقلة، اضافة الى وعيهم السليم لمزايا هذه الدولة أمنيا وسياسيا بالنسبة لاوروبا.
اما الامريكيون، فموقفهم الاساسي من القضية الفلسطينية، يتلخص في ان لا مانع لديهم من قيام دولة فلسطينية ، الا ان الوسائل التي يتبنوها في هذا السياق، تجعل من قيام الدولة اقرب الى المستحيل ، فهم ما يزالون مرتبطين بخلاصات السياسات الاسرائيلية، وحين تأتي ساعة القرار فلابد وان يكون مرضيا لاسرائيل.
أما الفلسطينيون ... الذين لا ينكرون اهمية التأثير الامريكي والاوروبي في مصيرهم، فانهم واقعون تحت وطأة معادلة في غاية الصعوبة ، وهي قوة المنطق والحق وضعف الاوراق والاداة، وامام اختلال التوازن في القوى بينهم وبين خصمهم المباشر اسرائيل، فانهم مضطرون للعب بأوراق لا تمتلك قدرة على الحسم، وكون الاوراق الفلسطينية هي من النوع الذي يصلح للتهديد به اكثر بكثير مما لو استخدم بصورة حاسمة ، فأسوأ انواع الاداء السياسي هو ذلك الذي يشبه اطلاق الرصاصة على نحو يستحيل ارجاعا اذا ما طاشت، وهذه الخاصية في اوراق الفلسطينيين، تجعلها صالحة في استقطاب قوى سياسية داعمة، الا انها غير كافية في تقرير نتائج المعارك السياسية ، وبفعل هذه الخاصية طال امد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، ومن الواضح ان مخاض ولادة الدولة الفلسطينية كهدف مركزي سوف يكون طويلا وموجعا.
ومع معرفة الفلسطينيين لهذه الحقيقة، الا انهم لا يملكون غيرها، فهم يعرفون ان التوجه الى مجلس الامن قد يكلفهم دفع اثمان باهظة في موسم التشدد الاسرائيلي المبالغ فيه ، وقد لا يحصلون على الاصوات اللازمة ما يجعل امكانية تبني القرارات التي يريدون غير واردة، والمأساة الاضافية في هذا الشأن هو انهم حتى لو حصلوا على الاصوات التسعة فإن الفيتو سيكون لهم بالمرصاد .
وقبل موقعة الاصوات التسعة والفيتو، يواجه الفلسطينيون معركة تعديل القرار وتخفيف مضمونه، مما يجعله في واقع الامر قرارا اقرب الى الرمزية منه الى الالزام، وهنا يظهر الدور الوسطي الاوروبي الذي عنوانه "الا يموت الذئب ولا تفنى الغنم"، ومعادلة كهذه لا تصب بأي حال في صالح المسعى الفلسطيني وهدفه المنشود .
ان موقعة مجلس الامن التي جربناها فيما مضى ولم نوفق، يمكن ان تكون فعالة اذا ما استطعنا إدامتها كمعركة سياسية، فهذا النوع من المعارك لا يحسم بضربة قاضية ، لك او عليك، وانما تحسم بالتراكم ، وبتطوير مواقف الداعمين والمؤيدين ، مع تطوير لابد منه للاداء العربي في هذه المعركة الحيوية، التي لا تخص الفلسطينيين وحدهم بقدر ما تخص الوضع العربي باجماله.
ان قيام الدولة الفلسطينية، وهو هدفنا المركزي الذي يشاطرنا فيه العالم كله، ينبغي ان لا يعتمد بصورة مطلقة على تصويت في الامم المتحدة ومجلس الامن وبرلمانات الدول التي لم تعترف بعد، فالى جانب ذلك كله وهو مهم للغاية ولكي لا يقف الهرم على رأسه فلا مناص من تصليب الارض الاساسية التي نقف عليها واعني بها الارض الفلسطينية، كي تكون جاهزة لحمل اعباء المعارك وتكاليفها، واول ما يتعين حسمه هو انهاء الانشقاق الذي لو بقي على حاله ، فثغرته الكبيرة تكفي لابتلاع كل الانجازات السياسية وتحويلها الى عكسها . 114

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد