2014/12/14
291-TRIAL-
هل بإمكان السلطة وقف التنسيق الأمني؟ وهل تقبل إسرائيل ببقاء السلطة دون هذا التنسيق؟ فإذا كانت الإجابة على السؤال الأول بنعم فإن الإجابة على السؤال الثاني بالقطع بـ "لا "، فوقف التنسيق كقرار يطالب به الكثير ضرورة من ضرورات اللحظة التصادمية مع إسرائيل التي يبدو أنها تقترب من نهاياتها لا يعني الاعتقاد بسهولة اتخاذه مع الإبقاء على السلطة في الضفة الغربية، بل إن ذلك يعني بداية مرحلة كسر العظم والانقلاب على العلاقة التي أراد الإسرائيلي تأبيدها والتي سادت بين الجانبين منذ عشرين عاما وأنها ستأخذ مسارا تصادميا لا محالة.
للأسف بدا كأن إسرائيل قد هندست شكل العلاقة مع السلطة التي قبل بها الفلسطينيون في بدايات المفاوضات، اضطروا بالقبول لاعتقادهم أن المسألة لن تستمر لأكثر من خمس سنوات تقام بعدها الدولة الفلسطينية، وبالتالي ينتهي كل ما حوته الاتفاقيات من اشتراطات ولكن الدهاء الإسرائيلي كان يخطط لأبعد مما فكر به كل المؤيدين للتسوية مع إسرائيل ولم يعرفوا أن إسرائيل تنصب لهم من الألغام ما يجعل من طريق العودة أمرا في غاية الصعوبة، ليس فقط التنسيق الأمني، اذ يمكن إحصاء ما يكفي من الثقوب في اتفاق أوسلو مثل الاقتصاد والاستيراد والجمارك التي تمت الموافقة على أن تتسلمها إسرائيل وتتحكم بها، ولاحظنا أنها تحولت إلى شكل من أشكال العقاب والابتزاز السياسي للسلطة.
لقد اعتقد الفلسطيني مخطئاً وهو يتفق مع إسرائيل حول التنسيق الأمني أن هذا التنسيق ضروري لتبادل المعلومات لأن هناك أطرافاً تعارض الاتفاق وستعمل بكل قوتها للتخريب على المفاوضات التي ستستمر لخمسة أعوام فقط، إذ إن أي عمل عسكري يخلق رأياً عاماً تحريضياً في الجانبين أو أحدهما على الأقل يمنع المتفاوضين من ذلك، وبالتالي لا بد من تعاون أمني ...إلى حد ما أمكن فهم ذلك في سياق مفاوضات جدية تنتهي بإقامة الدولة الفلسطينية، ولكن عندما تتوقف المفاوضات ويستمر التنسيق الأمني فإنه ينزع من سياقه الطبيعي والسياسي ودوره الوطني لتصبح له وظيفة أخرى، وأن بقاءه بلا مفاوضات يعني خطأ استمر طويلاً لا بد أن يستوقفنا جميعاً.
ولكن وقفه ليس كما يعتقد البعض، فإسرائيل قامت بتثبيت شكل العلاقة المريحة لصالحها وهي تقبل ببقاء السلطة فقط بشكلها الحالي، وأي تغيير خصوصاً على هذا الصعيد يعني أن إسرائيل التي تقبض على رقبة السلطة في التنسيق المدني والمعابر والتحويلات المالية والجمارك يمكن أن تتخذ إجراءات مضادة على هذا الصعيد، يعني إفقاد السلطة لدورها ومهامها، فالسلطة بلا تسهيلات ولا تحويلات مالية تبدأ بالانهيار، يعني أن وقف التنسيق الأمني يعني بداية انهيار للسلطة وتغيير شكل العلاقة مع الفلسطينيين، أي التجهيز لمرحلة جديدة من الصدام مع إسرائيل.
المشكلة أن السلطة التي كان مقدراً لها أن تستمر خمس سنوات فقط تحولت إلى دائمة، وكذلك التنسيق المرتبط بالمفاوضات المؤقتة تحول إلى علاقة دائمة وتحول كل المؤقت إلى دائم في حياتنا ووقعنا في الفخ الإسرائيلي في حالة استدراج نحو سلسلة من المطبات التي أصابتنا بالعمى عن رؤية الطريق، ولم نعد نجد سوى مسار إجباري واحد يؤدي الى مزيد من الأزمات آخرها اغتيال الوزير زياد أبو عين لنكتشف أن خياراتنا محدودة، ولم نتوقف حتى اللحظة لنسأل: ما العمل وهو السؤال الحاضر جداً لدى كل مواطن يشعر يوميا بأزمة الحياة الدائمة في ظل الاحتلال والغائب عن المستوى السياسي دائم الاستدراج إلى ما هو مؤقت.
فهل تعرف السلطة وأصدقاؤها وخصومها بأن قرار وقف التنسيق يعني الإعلان عن دخول مرحلة كسر العظم السياسي مع الدولة المحتلة وربما تنتهي بحل السلطة؟ وهل تفكر بقلب الطاولة حين أدركت أن الخيارات محدودة وقررت الذهاب بعيداً هذه المرة، أم أن القرار ردة فعل مرتبطة بلحظة اندلاق العاطفة على الموت المباشر بالصوت والصورة وسيتم التراجع بعد هدوئها؟ أسئلة لا بد وأن يجهز الجميع نفسه لإجاباتها إذا كان القرار حقيقياً.
ولأن في حالة تحويل المؤقت إلى دائم ما يستدعي التوقف أمام هذا التاريخ الطويل من العبث الإسرائيلي، مهم أن السلطة سارت طويلا في المفاوضات لإثبات حسن نوايا الفلسطينيين ولكشف إسرائيل كدولة تريد تأبيد الوضع القائم ولكن ليس على الفلسطينيين أن يعيشوا أبد الدهر في رحلة اختبار نوايا، فقد تم الأمر وبدأت برلمانات العالم تعكس هذه النتيجة الساطعة، لذا ينبغي كسر المعادلة التي هندسها الإسرائيلي وبذكاء شديد، فهل بدأ ذلك بوقف التنسيق وتحميل إسرائيل مسؤولياتها؟ هذا ما يجب البدء به.
هاتفني أب لأربعة أطفال معاقين تمكن بالكاد من ادخار ما يمكنه من شراء نصف سيارة لنقل أولاده للمستشفيات، فاكتشف أن وزارة المالية تصر على أن يدفع المعاقون جمارك السيارات، وهذا لا يحدث في العالم حيث للمعاقين رعاية من قبل الدولة لا يطلبها الرجل بل التسهيل ليتمكن من امتلاك سيارة ينقل بها مأساته، فهل يجوز أن يطالَب بالجمارك؟ وإذا لم يكن هناك مساعدة لشعب كله تحت الاحتلال فعلى الأقل الرحمة لمعاقيه ..!
Atallah.akram@hotmail.com
73
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية