272-TRIAL- منذ سبعة وعشرين عاماً، وفي مثل هذه الأيام، كانت الأراضي المحتلة قد انتفضت عن بكرة أبيها، بسبب استشهاد أربعة عمال فلسطينيين، ما أكسبها صبغة الانتفاضة الشعبية الكبرى، التي تشكل صفحة ناصعة في تاريخ النضال الوطني. حين يدقق المرء في مدى نضج الظروف الموضوعية لاندلاع الانتفاضة يترتب البحث والتفتيش عميقاً، في الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية والمعيشية لأنه سيكون على الباحث، التأكد من مصلحة الناس في تفجير حالة شاملة من الغضب على النحو الذي وقع. إن كان الأمر يتصل بأسباب اقتصادية اجتماعية، فإن شهادات الناس، تفيد، بأن أوضاعهم كانت حسنة ولا تقارب أوضاعهم البائسة اليوم، وان الاحتلال بغير ما يقصد، قد أزال العقبات، التي تحول دون تواصل كل الجماهير الفلسطينية على أرض فلسطين التاريخية. لقد كانت تلك الفترة، تشهد على توحد كل الفلسطينيين عبر تواصل مباشر، وتفاعل قوي، الأمر الذي تداركته لاحقاً الحكومات الإسرائيلية لتعود مرة أخرى لوضع العراقيل الأمنية واللوجستية أمام حركة الناس وتواصلهم مع بعضهم البعض. وإذا أخذنا بالتقييم العامل المباشر الذي أدى إلى انفجار الوضع في وجه الاحتلال، وهو استشهاد العمال الأربعة، فإن هذا العامل بقياسات لاحق الأيام والسنين وحاضرها، لم يعد كافياً لأن يفجر حالة من الغضب كالتي وقعت قبل سبعة وعشرين عاماً. وفيما يتصل بهذا العامل تعود انتفاضة الأقصى، بعد ثلاثة عشر عاماً من الانتفاضة الشعبية الكبرى لتؤكد أن أحداثاً من مستوى التي تؤدي إلى تفجير انتفاضة شاملة لا تكفي لتفجير انتفاضة في كل مرة، فقد انفجرت انتفاضة الأقصى عام 2000، بسبب قيام شارون باقتحام المسجد الأقصى، بينما نلاحظ أن الاقتحامات في هذه الأيام تكاد تكون يومية. إذن، علينا أن نفتش عن السبب الأساسي الذي أدى إلى انفجار الانتفاضة الشعبية الكبرى، والانتفاضة التي اندلعت عام 2000، وهل هو يتصل بالعامل، الذاتي أم الموضوعي أم كليهما. في الواقع يكثر الحديث والسؤال هذه الأيام عن إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية كبرى في الأراضي المحتلة عام 1967، أو على الأقل في الضفة الغربية و القدس . ليس لدى المحللين والمراقبين جواب واحد على السؤال، فهم بخلاف سياسيي الفصائل، الذين يضيفون إلى الواقع، رغباتهم، وإراداتهم، ولا يتوقفون عن التأكيد على أن هذه الإمكانية شبه حتمية. لنتفق أولاً على أن الجاري في القدس أساساً وفي الضفة بحدود معينة، لا يرقى إلى مستوى الانتفاضة الشاملة التي يجري السؤال عنها، وإن كان ثمة إرهاصات، وانتفاضات محلية، وكفاح شعبي شجاع، وتضحيات كبيرة في مواجهة المخططات والسياسات الإسرائيلية التهويدية والاستيطانية. مراجعة تجارب الانتفاضات الثلاث الشعبية الكبرى عام 1987، والأقصى عام 2000، والانتفاضة المحلية الجارية في القدس، وما بينهما هبّة النفق عام 1996، تفيد بأن العامل الوطني، التحرري، هو الذي يشكل العامل الذي يوفر الدافعية لتحريك الشارع الفلسطيني. الفلسطينيون يصرخون ليل نهار ومنذ كثير من الوقت، يطالبون العرب والمسلمين بأن يهبوا انتصاراً للقدس، والمسجد الأقصى الذي يحظى بمكانة دينية، مركزية بالنسبة للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، ولكن أحداً لا يتحرك ولا تحظى القدس ومسجدها، وكنائسها، إلاّ بالكثير من البيانات، والكثير من المؤتمرات واللجان التي تحمل اسمها، فيما تبقى القدس تقاتل وحدها. لا بد من إدراك حقيقة أن الوطنية الفلسطينية، ودافعية التحرر من الاحتلال ففي عام 1987، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتعرض ومعها القضية للتهميش والتآمر من قبل العرب ومن قبل الدول الداعمة لإسرائيل، وفي عام 2000، كان على الناس كل الناس، أن يقفوا خلف الشهيد ياسر عرفات الذي رفض الإملاءات الأميركية والإسرائيلية في مفاوضات كامب ديفيد. وإذا تساءلنا عن أسباب عدم وجود انتفاضة شعبية كبرى في هذه الأيام لمواجهة مخططات إسرائيل التي تستهدف تنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى ومصادرة القدس، فإن الأمر يتعلق بغياب الوطنية الفلسطينية الجمعية، التي يحل مكانها انقسام بغيض، خطير إلى أبعد الحدود. خلال الانتفاضة الشعبية الكبرى، صحيح أنه كانت هناك قيادتان للشارع الفلسطيني، واحدة لفصائل منظمة التحرير والأخرى ل حماس ، ولكن الجميع كانوا موحّدين في مواجهة الاحتلال، ولم يكن التنافس بينهما ليبلغ الحد، الذي اتخذ شكل الصراع بين حركتي فتح وحماس منذ عام 2007 وحتى الآن. الفلسطينيون اليوم يضعون أياديهم على قلوبهم، إزاء حقوقهم الوطنية، ويعيشون حياة بائسة صعبة، بكل المقاييس. ابسطها وأكثرها تعقيداً ويتعرضون للجوع والمرض، والقتل والاعتقال، والفقر، والبطالة، وتتعرض أرضهم للنهب والمصادرة والاستيطان والتهويد، الأمر الذي يشير إلى نضج الظروف الموضوعية لاندلاع انتفاضة تشمل حتى الفلسطينيين خارج الأرض المحتلة، غير أن الانقسام، يضع الوطنية الفلسطينية الجامعة، أمام امتحان عسير، فأطرافه متصارعة، كل يتمسك ببرنامجه الفصائلي وحساباته ورؤياه، فيما تقصي إسرائيل قطاع غزة ، الذي لا يملك الكثير، إلاّ إذا ذهبت الخيارات إلى أن يكون العمل العسكري هو شكل المساهمة والمشاركة في الانتفاضة. السلطة لا تريد انتفاضة، وهي تعمل على منعها، وفق حسابات سياسية غير مفهومة، طالما أن الانتفاضة هي الشكل الأرقى للمقاومة الشعبية السلمية، لكنها تخشى من انزلاقها نحو العنف، وتخشى من استغلالها في التناقضات، والحسابات الداخلية. فتح لا تثق بحماس وتخشاها وحماس لا تثق بفتح وتخشاها، فكيف يمكن أن نتوقع انتفاضة شعبية شاملة في المدى المنظور؟ على أن هذه الإمكانية تظل واردة، حين ينفتح الصراع والاشتباك وحين تدرك القوى المنقسمة، بأن استعادة الوحدة تستحق التضحية من الجميع، وتتطلب تجاوز عصبوية البرامج والأهداف الفصائلية، وحين تكون مستعدة لدفع ثمن الوحدة كإنجاز، قد يكون أعلى من الثمن الذي دفعناه وندفعه بسبب وفي ظل الانقسام.

121

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد