زيارة وفد حركة حماس برئاسة موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي في الحركة لموسكو، ولقاء الوفد نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف على درجة من الأهمية بالنسبة لـ"حماس" في ظل الحصار الذي تتعرض له عربياً ودولياً. 


ليس فقط بسبب الدور المحوري الذي تلعبه موسكو في المنطقة والذي يتعاظم باستمرار بعد نجاح روسيا في حماية الرئيس بشار الأسد وحكمه وسورية من التقسيم الكامل والضياع. وبعد أن ادخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الولايات المتحدة في صراعات مع حلفائها وخصومها على السواء، وكذلك بعد انفتاح دول حليفة لواشنطن وبعضها من حلف "الناتو" على روسيا وعقد صفقات مهمة مع الأخيرة تشمل التزود بسلاح روسي استراتيجي.


حسبما تقول "حماس"، فإن توقيت الزيارة مهم لأنه يتزامن مع زيارة الوفد الأميركي برئاسة جاريد كوشنر للمنطقة في محاولة لدفع خطة ترامب التي تواجه صعوبات حقيقية. وعلى الرغم من تصريحات قادة "حماس" بخصوص رفض صفقة القرن ، يبدو أن المستفيد الأكبر من طرح الصفقة هو "حماس" لأن الصفقة تستند أساساً إلى دولة غزة أي تغيير الوضع القائم الذي يعاني منه المواطنون في غزة، بما يضمن إزالة التهديدات عن حكم "حماس" في غزة، خاصة بعد فشل جهود المصالحة.


الحركة السياسية الحمساوية تترافق مع تحركات إسرائيلية للإفادة من صفقة القرن بتكريس دولة غزة المهادنة التي تغلق الباب على فكرة إقامة دولة فلسطينية في كامل الأراضي المحتلة منذ العام ١٩٦٧وعاصمتها القدس الشرقية. 


فعلى سبيل المثال تسعى إسرائيل لإيجاد حل للضائقة الإنسانية في غزة بشكل يؤمن حدودها مع القطاع ويوفر بديلاً لفكرة دولة فلسطينية موحدة تضم الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، ولهذا السبب ذهب وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى قبرص وعقد اتفاقا مع الرئيس القبرصي على إنشاء ميناء بحري لصالح غزة في قبرص واتفق الطرفان على تشكيل طواقم عمل مشتركة لوضع خطة متكاملة لإنشاء هذا الميناء الذي ستستفيد منه غزة في التجارة وتنقل الأشخاص من وإلى قطاع غزة. طبعاً الشرط الإسرائيلي الرئيس للقيام بما تقول عنه إسرائيل إنه تسهيلات أو امتيازات، الإفراج عن الجثث والأسرى الإسرائيليين الموجودين في غزة، بالإضافة طبعاً لضمان أمن إسرائيل على الحدود المشتركة ومن القطاع.


وتحاول إسرائيل إقناع الولايات المتحدة بضخ أموال كبيرة لصالح مشاريع في قطاع غزة. ويبدو هذا واقعياً على ضوء قيام واشنطن بوقف تمويل السلطة الفلسطينية تطبيقاً لقانون "تايلور فورس" بحجة دعم السلطة لعائلات الأسرى والشهداء، والواضح أن هذا شكل من أشكال الضغوط على القيادة الفلسطينية للتعاطي الإيجابي مع صفقة ترامب ،"صفقة القرن" المزعومة، ويمكن أن يكون البديل الأميركي لتمويل السلطة تحويل مبالغ لصالح غزة استجابة للمطالب الإسرائيلية.


ذهاب "حماس" الى موسكو عدا أنه يشكل نوعا من الاعتراف الدولي بدور "حماس" في ظل المقاطعة الدولية، فهو رسالة توجهها "حماس" للاعبين الدوليين الآخرين بأنه يوجد لديها خيارات أخرى غير انتظار أميركا وغيرها، ولا شك أن ذهاب الوفد مباشرة إلى طهران هو أيضاً رسالة حمساوية للغرب، بمعنى أن "حماس" ستذهب نحو التطرّف والعودة مجدداً للمحور الإيراني إذا لم يحدث تغيير في الوضع القائم، ولعل قيام قيادة "حماس" في غزة برئاسة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة بتوزيع "المكرمة" الإيرانية لعائلات شهداء مسيرات العودة هو أيضاً يَصْب في نفس التوجه.


من ناحية الولايات المتحدة وإسرائيل، هذا يمثل لعباً بالنار، ولكن الرسالة يمكن قراءتها بوضوح. ولا يبدو أن الطرفين يتجاهلانها. وفي ظل رفض الرئيس أبو مازن للتعاطي مع الإدارة الأميركية وصفقتها، تبدو "حماس" لاعباً مهماً لتنفيذ جزء من الصفقة، ذلك المتعلق بقطاع غزة. وهو خيار واقعي باعتبارها تمثل السلطة الوحيدة القائمة في غزة وبإمكانها الالتزام وتطبيق أي اتفاق معها.


لا يعني هذا التحليل أن "حماس" جزء من صفقة القرن أو أنها تتآمر مع إسرائيل والولايات المتحدة لتطبيق الصفقة، ولكنها في وضع يجعلها المستفيد الأكبر منها ولا أعتقد أن "حماس" سترفض الاستفادة منها في ظل الوضع الراهن ووجود الانقسام والصراع الداخلي وعدم وجود موقف واستراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة التحديات التي تعصف بالقضية الوطنية والمخاطر التي تتعرض لها ونحن في وضع يغني كل فيه على ليلاه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد