2014/12/03
210-TRIAL-
فجأة، وبلا مقدمات، لا أحد في قطاع غزة يتحدث عن إعادة الإعمار، لا أحد يشتكي من أن عشرات آلاف الأسر تعيش تحت أنواء الشتاء ببرده وأمطاره، لا أحد هنا، في قطاع غزة بات يأتي على سيرة الحصار، ولا عن المعبر المقفل، لا أحد يشكو من انقطاع التيار الكهربائي ولا ملوحة المياه إن توفرت، الشارع الفلسطيني بات غير مكترث بكل هذه التفاصيل.
أما النخب السياسية والإعلامية والاجتماعية، وفقهاء ونشطاء المجتمع المدني، فقد باتوا غير آبهين بالتطورات السياسية، ولا مسألة الوفاق الوطني أو حكومة الحمد الله ولا عدم انعقاد المجلس التشريعي، ولا انتهاء أمد حكومة الوفاق وتأجيل زيارتها للقطاع، لا أحد من هؤلاء بات يأبه بالتطورات عند الإسرائيليين واحتمالات انتخابات مبكرة للكنيست لها انعكاساتها المباشرة على أوضاع أهلنا في الداخل المحتل ومدينة القدس المحتلة، وعلى الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، برمته، لم يعد أحد يتحدث من هؤلاء حول مشروع قانون يهودية الدولة ولا حول احتمالات حرب جديدة أو انتفاضة فلسطينية ثالثة!
"داعش"ـ ولاية غزة، صادرت كل هذه العناوين والاهتمامات "السابقة" بعد أن تداولت مواقع الاتصال الاجتماعي بيانين يحملان اسم وختم "داعش"، أحدهما يهدد النساء بضرورة الالتزام بما أسماه "بالزي الشرعي" ولاحقاً بياناً آخر، موجها لعدد من المبدعات والمبدعين، مهدداً إياهم بالتوبة بعد أن وصفهم بالزندقة والكفر والفسوق.
إياد البزم، الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة، قلل من أهمية مثل هذه البيانات، باعتبارها مجرد "نزوات شبابية ومغامرة من بعض الشباب قد تحمل فكراً معيناً" لكنه لم يتحدث عن تحقيقات حول هذه المغامرة، من شأنها أن تكشف مَن وراءها، خاصة وأن هذه البيانات تهدد بالقتل و"الحدود الشرعية" بعد ثلاثة أيام من صدورها!!
بصرف النظر عن من يقف وراء هذه البيانات، هناك تهديدات بالقتل يجب التحقيق بشأنها، حتى لو كان من خلفها شبان يافعون أو صغار، أو مجرد نزوة لهذا الشاب أو ذاك، أو هذه المجموعة أو تلك، وحتى لو ثبت أن هذه البيانات لا تنطوي على جدية، فإن الأمر يُلزم الجهات الأمنية التحقيق في خلفيتها ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة وفقاً للقوانين المتبعة.
وبفرض الموافقة على انطباعات وتأكيدات الناطق باسم الداخلية في غزة، من أن وراء هذه البيانات "نزوات شبابية" فإن الأمر يصبح أكثر خطورةً، فكيف يسمح لمجموعة من هذا النوع، التلاعب بمقدرات المواطنين على اختلاف مشاربهم ومصالحهم، وحياتهم، إذا كانت مجموعة صغيرة، قادرة على إحالة المجتمع الغزي إلى هذا الحجم من الهلع والخوف والقلق، وبحيث لم يعد أحد يتذكر جوانب المأساة المتعددة الأوجه التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة، لصالح الحديث عن ظاهرة "داعش" في قطاع غزة.
وأيضاً، وبفرض أن من قام بهذا الأمر، مجرد مجموعة شبابية نزقة، فالسؤال لماذا اختارت هذه المجموعة أن تتغطى بـ "داعش"؟ الجواب بسيط للغاية في نظرنا، ذلك ان أجواء قطاع غزة السياسية والاجتماعية وتبعات الانقسام والحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، وحالة الفقر والبطالة وانعدام الأمن، وانسداد الآفاق بإعادة الإعمار، وغياب حكومة التوافق عن القيام بدورها بسبب عدم تمكينها من القيام بهذا الدور، كلها أسباب تؤهل الوضع الداخلي في قطاع غزة، لتأكيد أفكار "داعش"، فـ "داعش" ليس مجرد تنظيم ديني، بقدر ما هي فكرة تكفيرية، باتت فكرة يمكن استخدامها بتصرف واسع من قبل أطراف عديدة، للانتقام مرة، وللتخويف مرات، إذ من السهل امتطاء صهوة هذا التنظيم من قبل فرد أو مجموعة في مواجهة آخرين، فالصورة التي قدمتها "داعش"، التنظيم، هي صورة دموية تتجاوز كل ما سبقها من تنظيمات تكفيرية، كالقاعدة وطالبان وبوكو حرام وغيرها من أمثال هذه التنظيمات، وباتت "داعش"، فكرة أكثر من كونها عملا تنظيميا، وكانت هذه الفكرة موجودة حتى قبل اسم "داعش"، كثير هي المحطات التي مر بها قطاع غزة، كانت تعبر عن هذه الأفكار، التي سبقت عملياً، تنظيم "داعش"، وبالتالي، فإن الأفكار الداعشية، سبقت هذا المسمى في قطاع غزة بسنوات عديدة.
لا يكفي نكران هذه الظاهرة، أو إحالتها إلى مجموعة نزقة من شباب مراهق، ذلك ان الأمر بات يتطلب حل كافة المشكلات المحيطة بالمجتمع الغزي، وفي طليعتها، دعوة حكومة الوفاق إلى القيام بدورها وتمكينها، وحل كافة المشكلات الخلافية المتعلقة بملفات الانقسام، كخطوة لا بد منها من أجل توافق اجتماعي يتعلق بكل مقومات المجتمع الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، بدون ذلك، فإن الفكرة الداعشية ستجد نفسها في حالة استمرار الوضع المتفاقم، تنظيماً دموياً يتخذ من حالة الإحباط لدى أوساط الشباب تحديداً، وكأنه الخلاص، بعدما تسربت من أيديهم كل آمال وطموحات هذا العمر الفتي من العطاء!!
Hanihabib272@hotmail.com
288
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية